السابق البابا فرنسيس يدعو سينودس كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك “للحكمة” في اختيار المطارنة والابتعاد عن “الثرثرة”
رابط المقال: https://milhilard.org/4ivd
عدد القراءات: 980
تاريخ النشر: يونيو 22, 2022 3:55 م
رابط المقال: https://milhilard.org/4ivd
القسّ رياض قسّيس، لبنان
بالأمس القريب كنتُ في إحدى الدول الأوروبية مشاركاً في لقاء يُعنى بمسائل الخدمة المسيحيّة في عالمنا العربي. جلست خلال اللقاء مع أحد الأشخاص الذي سألني عن عملي، أجبته أنني أخدم في مجال الدراسات اللاهوتيّة العليا. صمت صديقي لبرهةٍ وأردف قائلاً: “وما حاجتنا إلى دراسات لاهوتيّة عليا؟ ألم يكن أتباع يسوع من عامّة الشّعب فكانوا من صيادي الأسماك والمزارعين…؟ “بالطبع كانوا من عامّة الشّعب بدون دراسة أكاديميّة متخصصة، ولكن ماذا عن الرّسول بولس الذي وضع لنا العقائد المسيحيّة الرّئيسة؟ ألم يكن بولس على مستوى عالٍ من العلم والمعرفة، يُعادل بعلمه أكثر من درجة دكتوراه؟” أجبت صديقي بكلّ هدوء. فقال: “أشكرك للفت انتباهي لهذا الأمر”!
منذ انخراطي في التّعليم اللاهوتي في العام 1997 وخاصة في مجال القيادة على الصعيدين الإقليمي والدولي منذ العام 2006 سواء كمدير إقليمي مع مؤسسة متخصصة تعمل مع أكثر من 120 معهداً لاهوتيّاً عالياً في كلّ أنحاء العالم، أو كمدير دولي لمجلس التّعليم اللاهوتي الإنجيلي العالمي، أو حالياً كمدير دولي لهيئة علماء لانغهام (مؤسسها القس الدكتور جون ستوت)، فإنني أتلقّى العديد من الأسئلة من مثل: أين هو المكان المناسب لدراسة اللاهوت؟ ما هي الشّهادة المناسبة التي ينبغي أن أحصل عليها؟ … وغالباً ما يكون ردّي بالقول: لماذا تريد دراسة اللاهوت؟ هل بقصد زيادة المعرفة والتّأهل الأمثل للخدمة؟ هل تود الحصول على شهادة أكاديميّة معتمدة أم لا؟
لاحظتُ أنّه في السنوات العشر الأخيرة كثرة البرامج والمناهج التي تقدّمها معاهد لاهوتيّة عديدة معظمها قادمة إلينا من الولايات المتّحدة الأمريكيّة. أنا لا أبغي تقويم هذه البرامج والمناهج فقد تكون مفيدة للبعض من حيث تطوير المهارات واكتساب المعرفة، ولكن ما أبغي إلقاء الضوء عليه هو قضيّة هامّة تتعلق بمفهوم “الاعتماد” (accreditation) بالنّسبة لهذه الشّهادات وكذلك تنوّع ما يُعرف بشهادات تحمل كلمة “دكتوراه”.
يختلف مفهوم “الاعتماد” في عالمنا العربي عنه في عدّة دول أخرى من العالم. فالاعتماد في عالمنا العربي منوطٌ بوزارات التعّليم العالي التي تمنح بدورها موافقة مزاولة التّعليم للجامعات، كما تمنحها الاعتماد لبرامجها الأكاديميّة وشهاداتها. أما في دول أخرى، من بينها الولايات المتّحدة الأمريكيّة وكندا، فإنّ الحكومات لا تتدخل بهذا الأمر، بل تترك أمر “الاعتماد” برمته إلى هيئات أكاديميّة متخصصة لديها مؤهلاتها لتقويم أداء المعاهد اللاهوتيّة. ولذلك أعتقد أنّه من قبيل عدم الدّقة استخدام تعابير من مثل شهادة لاهوتيّة “معتمدة من أمريكا” أو برنامج لاهوتيّ “معتمد من أمريكا”، والحق يُقال إنّه في الولايات المتحدة الأمريكية ثمّة فارق كبير جداً في كون المعهد اللاهوتي “مرخّصاً” أو الكليّة “مسجّلة” (registered) ليُسمح لهما قانوناً ممارسة نشاطهما، وهو أمر من اليسير الحصول عليه في بلد قائم على الحريّة والمبادرة الفرديّة، وبين “الاعتماد” (accreditation)!
ثمّة هيئتان متخصصتان في منح “الاعتماد” في الولايات المتحدة الأمريكيّة وكندا هما:
The Association of Theological Schools (ATS) و The Association of Biblical Higher Education (ABHE)، تمنح الهيئة الأولى الاعتماد لكلّ المعاهد اللاهوتيّة التي تلبّي متطلّبات الاعتماد، بينما الهيئة الثّانية مقتصرة في منح الاعتماد على المعاهد اللاهوتيّة الإنجيليّة. وبإمكان المعاهد اللاهوتيّة الحصول على الاعتماد من الهيئتين إن أرادت ذلك. وبالتّالي، إذا كنان طالب الحصول على درجة لاهوتيّة عليا أكاديميّة معتمدة رسمياً كان عليه التّأكد من أنّ المعهد اللاهوتي ككل معتمد أو بعض شهاداته أو برامجه معتمدة من إحدى هاتين الهيئتين وليس غيرهما. بالطّبع هناك “هيئات اعتماد” كثيرة في الولايات المتّحدة حيث الحريّة والمبادرة الفردية تُتيح إنشاء هيئات لا حصر لها، ولكن هذه الهيئات الأخرى لا ترقى إلى المستوى الأكاديمي العالي الذي تحدّده هاتين الهيئتين. قد لا يهتم أحدهم بموضوع “الاعتماد” ويكتفي بالحصول على شهادة “غير معتمدة” من قبل هاتين الهيئتين، هذا أمر شخصي ينبغي أن نحترمه، ولكن للأمانة المسيحيّة والأكاديميّة معاً ليس من اللائق ولا من الجائز أن تتم مساواة هذه الشهادة “غير المعتمدة” مع حامل “لشهادة معتمدة” من قبل ATS و ABHE فالفارق كبير جداً! هذا بالنّسبة للشهادات اللاهوتيّة العليا في الولايات المتّحدة وكندا. أمّا في المملكة المتّحدة فتصدر معظم الشّهادات اللاهوتيّة العليا من الجامعات العاديّة حيث يتوافر في هذه الجامعات أقسام لدراسة الأديان على اختلافها بما فيها الدراسات اللاهوتيّة، وحتّى في حال وجود معاهد لاهوتيّة خاصّة فيترتّب على هذه المعاهد أن تحصل على شهاداتها من الجامعات المعتمدة. ويتشابه الأمر إلى حدّ كبير في القارّة الأوروبيّة. وتجدر الملاحظة إلى توافر هيئة اعتماد إنجيليّة تعمل في أوروبا والمملكة المتّحدة تُدعى
European Council for Theological Education (ECTE).
في هذا السّياق لا بدّ من الإشارة إلى أمر هام كثيراً ما يُساء فهمه في عالمنا العربي بالنسبة للشّهادات اللاهوتيّة التي تحمل كلمة “دكتوراه”. لقد أجاد زميلي وصديقي القس الدكتور وجيه يوسف بحديثه عن مسميات وأنواع درجات الدكتوراه في الدراسات اللاهوتيّة، أقتبس أدناه ما كتبه بعد حصولي على موافقته الكريمة:
“1. أعلى درجة في الدراسات الأكاديمية بشكل عام هي الدكتوراه العلمية التي تلحق بدرجة الـ PhD هذه النوعية من الدكتوراه ليست عالمية، أي أنها مطلوبة في بعض الدول الأوربية فقط، وهناك درجة شبيهة بها مطلوبة في البرازيل. اسم هذه الدرجة Habilitation، وتأتي هذه التسمية من أصل لاتيني (habilitare) بمعني “يناسب، يلائم.” فالحاصل على هذه الدرجة “يلائم” متطلبات التدريس الأكاديمي. وصارت هذه الدرجة معروفة في ألمانيا منذ القرن التاسع عشر. يضع الحاصل عليها لقب “أستاذ” قبل اسمه، على هذا النحو (Prof. Dr. habil)، أي: الأستاذ الدكتور.
- الدرجة الأكاديمية العليا والأكثر شيوعًا في مجال الدراسات اللاهوتية هي درجة الـPhD ، وهي اختصار للكلمة اللاتين Doctor Philosophiae هذه هي أعلى درجة أكاديمية تمنحها غالبية جامعات العالم. يحصل الطالب على هذه الدرجة الأكاديمية بعد تقديم أطروحة أصيلة تزيد المعرفة الإنسانية في مجال ما. في شمال أمريكا، يدرس الطالب عامين أكاديميين كاملين؛ ثم يمتحن في عدد كبير من الكتب في مجموعة من الامتحانات المكثفة التي تؤكد للمصححين أن الطالب واقف على كل أدبيات العلم الذي يدرسه. ثم، بعد اجتياز الامتحانات، يبدأ الطالب في كتابة الرسالة العلمية التي تتراوح ما بين ١٥٠-٢٥٠ صفحة. لا تتجاوز مدة الدراسة ٥ سنوات متفرغة. أما في أوربا وبعض الدول الأخرى، فيتم زيادة عدد صفحات الرسالة لتصل إلى ما بين ٣٥٠-٤٠٠ صفحة، إذ لا يقوم الطالب بدراسة أية مساقات. يضع الحاصل على هذه الدرجة لقب “دكتور” قبل اسمه.
- هناك درجة أكاديمية شبيهة بالـ PhD اسمهاThD ، وهي اختصار للكلمة اللاتينية Doctor Theologiae، ومرات تختصر كالآتي . DTh, DTheol, Dr. Theo وفي عدد من الكليات الغربية تم تغيير هذا المسمى لـ PhD يبقى الاختلاف الوحيد بين هاتين الدرجتين في أن الـ ThD هي درجة عليا في اللاهوت المسيحي فقط، أما الـ PhDفمن الممكن أن تكون في موضوعات لاهوتية مسيحية أو في مجالات دينية أخرى. يضع الحاصل على هذه الدرجة لقب “دكتور” قبل اسمه.
- هناك درجات دكتوراه أكاديمية أخرى متخصصة في مجالٍ ما في دراسات اللاهوت المسيحي، مثل: درجة دكتوراه في اللاهوت المقدس Sacrae Theologiae Doctor (STD)؛ درجة دكتوراه في العمل المرسلي Doctor in Missiology (D. Miss) ؛ درجة دكتوراه في الدراسات الثقافية الدولية Doctor in Intercultural Studies (DIS).
- هناك أيضًا درجة دكتوراه مهنية معروفة اسمها Doctor of Ministry (D. Min.) وكما هو واضح من الاسم، فهي درجة دكتوراه مرتبطة بنوعية خدمة معينة يقوم بها (أو يهتم بها) الطالب. ويقوم الطالب بدراسة عدد من المساقات بنظام الـ modules أي الوحدات الدراسية، خلال فترة زمنية محددة لدراسة مساق أو مساقين، لا تتعدى ٣٠ يومًا. ويكتب الطالب مشروع التخرج المرتبط بخدمة نوعية ما.
- هناك أيضًا درجة الدكتوراه الفخرية، وهي في الواقع درجة أكاديمية لأن الجهة المانحة هي جامعة أو كلية (أصلًا لديها المقومات الأكاديمية لمنح درجات الدكتوراه). وفي هذا الحال، تتغاضى الجامعة عن كل الشروط الأكاديمية المؤهلة للحصول على درجة الدكتوراه، وتمنح شخصًا هذه الدرجة بسبب علّة نبيلة (honoris causa) وتُمنح هذه الدرجة للأشخاص الذين أسهموا بشكل استثنائي في خير المجتمع (في مجال الأدب، الفن، السياسة، الموسيقى، الخ). وتسمّي بعض الجامعات الدكتوراه الفخرية بأسماء مرتبطة بنوعية الإنجاز الذي قام به الُمعطى له الدرجة، مثل: دكتوراه فخرية في الأدب (Doctor of Humane Letters)، دكتوراه فخرية في القانون (Doctor of Laws) ، دكتوراه فخرية في العلوم (Doctor of Science) ، دكتوراه فخرية في الفنون الجميلة (Doctor of Fine Arts) ، دكتوراه فخرية في اللاهوت “.(Doctor of Divinity)
وبالتّالي قد يكون من الأمانة والدّقة بمكان عندما يكتب أو يتحدّث أحدهم أنه يحمل شهادة “الدكتوراه” أن يوضّح بطريقة ما نوعيّة شهادة الدكتوراه التي حصل عليها، بالطّبع بعد أن يتأكّد أنّها شهادة معتمدة أصولاً كما أشرت أعلاه.
في العام 1997 بعد حصولي على شهادة “دكتوراه في الفلسفة” من جامعة نوتنغهام، المملكة المتحدة، كنتُ من بين العرب الإنجيليين القلائل في عالمنا العربي أحمل هذه الشّهادة، ولكن اليوم ثمّة أكثر من 18 شخصاً أعرفهم شخصياً في عالمنا العربي يحملون هذه الشهادة! ولا يفوتني القول أنّ هنالك عدداً من الأشخاص يحملون شهادات دكتوراه من فئات أخرى التي تناولها د. وجيه أعلاه وقد حصلوا عليها من كليّات أو جامعات معتمدة أصولاً وهي شهادات موضع تقدير واحترام!
إنّه حقاً أمرٌ يُثلج القلب أن نرى نساء ورجالاً في عالمنا العربي لديهم التّأهيل اللاهوتي العالي ويزدادون يوماً بعد آخر في إثراء معاهدنا اللاهوتيّة، وكنائسنا، ومجتمعاتنا، وأوطاننا في نواحٍ كثيرة!
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.