Skip to content

بعد مرور 7 أعوام… ناهض حتر بعيون فلسطينية – أردنية

رابط المقال: https://milhilard.org/ioqo
عدد القراءات: 663
تاريخ النشر: سبتمبر 26, 2023 12:54 م
443755Image1

ناهض حتر بعيون فلسطينية – أردنية

رابط المقال: https://milhilard.org/ioqo

كتبت: رانية الجعبري- ملح الأرض
هذا العنوان مستنسخ من أول كتاب قرأته للشهيد ناهض حتر، وكان يحمل عنوان “الملك حسين بقلم يساري أردني”.
وقبل قصتي مع الكتاب، لا بد أن أحدثكم عن قصتي مع ناهض أولًا.
كُنّا في قسم التحقيقات وصفحات الشباب في صحيفة العرب اليوم الأردنية في العام 2006، نسعى لتنفيذ مواضيع بصوة مختلفة. ومع اقتراب عيد الحب، فكرنا في الصحيفة أن نلتقي [نحن الشباب المبتدئين الصغار] مع كُتّاب الصحيفة الكبار ونسأل كل كاتب “ماذا سيقدم لحبيبته في عيد الحب؟”.
وكان عليّ أن أسأل ناهض حينها، فذهبتُ إلى مكتبه وسألته، وما زلت أذكر يومها كيف أسند ظهره على المقعد وتبسم وابيض وجهه وهو يقول: “أنا رح أهدي زوجتي حبيبتي المنسف”، وعندما وجد المفاجأة على وجهي أوضح “رح أطبخلها ياه” وفتح ذراعيه وكأنه يحمل سدر المنسف بكلتا يديه.
حينها كنتُ صغيرة، لم أفهم بعد من هو ناهض ولماذا قال ذلك، فلم أفكر بأي شيء بصراحة، إلا أنني شعرت بالجوع! فشكرته ونزلت بالاجابة إلى قسمي لأعطي الإجابة لمن سيكتب المادة.
بعد ذلك بأشهر كنتُ أهرب من أزمة ترويحة الموظفين، فأجلس في المكتب لحين انتهائها، ليقع في يدي كتاب ناهض “الملك حسين بقلم يساري أردني”. في ذلك الوقت كنتُ غارقة في كتب الأدب العربي القديم، وأعتبر أن لا كُتّاب عرب في العصر الحديث، لكنني وأنا أقرأ لغة ناهض السلسة (وحينها كنت أفهم بالأدب أكثر من السياسة فلم يعلق في بالي إلا لغته السلسة) كنتُ أفكر بأنني معزولة عن واقعي!
وبعد ان كنتُ مغرورة أعتقد انني أفضل من يكتب، شعرتُ بالضآلة أمام لغته الرشيقة، وفكرتُ حينها؛ هل سأكون محظوظة وتفتح لي البلد أبوابها لأفهمها كما فهمها، وهل ستحنو لغتي العربية عليَّ وتمنحني طرفًا من هذه السلاسة العذبة، كم أحتاج من القراءات والمتابعات ومعرفة السياسيين والواقع كي أصل إلى هذا المستوى؟
بعد ذلك تقاذفتني أمواج المهنة، ولعل أكثر ما أندم عليه أنني كنتُ أحاول في أحيان أن أكون في حالي وأبتعد عن أجواء صحيفة العرب اليوم، فلم أكن مثل زملائي قريبة من ناهض، وللأمانة مرّت عليّ الأقاويل التي كانت تقال عن ناهض، بأنه إقليمي يكره الفلسطينيين.
لكن وعندما انخرطت في السياسة أكثر بدأتُ أشعر أن مواقف الرجل في القضية الفلسطينية سليمة، وألتقي معها، بل كنتُ أرى ناهض متسامحًا في هذا المجال، ولأشرح لكم، أنا أمي تحمل الهوية الفلسطينية، وقد منحتها لي ولإخوتي، أما أبي فكان يحب الحياة في عمّان فلم يفكر بالتقديم للم الشمل، مع أن ذلك كان ممكنًا له في مرات محدودة.


يوم فتحت العرب اليوم ملف دسترة فك الإرتباط، لم أفهم لماذا غضب الفلسطينيون هنا، كنتُ اقول في نفسي، لو تشددت الحكومة الأردنية في هذا الملف لما استسهل والدي موضوع تطنيش استعادة هويته، ومَن يدري لعلنا عشنا في فلسطين! ورغم أن هذا احتمال ضعيف لأن أبي فعليًا أحب الحياة في عمّان، لكنني في قلبي كنتُ أشد على كلام ناهض، وكنت متفقة تمامًا مع توجه صحيفة العرب اليوم الوطني. نعم أنا أراه موقفًا وطنيًا يدفعنا كفلسطينيين للحفاظ على هويتنا، وكانت العرب اليوم الصحيفة الأقرب إلى فلسطين بمواقفها، ولم تكن ليكودًا أردنيًا كم كان يحب أعداؤها تسميتها.
سُرعان ما جاء الربيع الزائف، فالتحمنا كلنا لأجل سورية، وأمام خوفنا عليها نسينا كل شيء، ولم نكن نعلم أن رياح سورية ستهبّ فجأة علينا، وبدون أن نتوقع ستسلب منّا ناهض، وكيف؟ عبر كاريكاتير قام بتشييره، فقامت الدهماء عليه! بل إن بعضهم اعتقد أنه رسام الكاريكاتير! وقادت ثورة الجهل هذه إلى خطف ناهض منّا بصورة مفجعة!
كان ناهض جميلًا وصادقًا، فبعد أن كان متهمًا بإقليميته وتطرفه ضد الفلسطينيين، جَمَعتنا روحه وهي تغادر فخلقت عائلة جديدة في هذا الوطن.
وجدتُ نفسي غريبةً عن أقاربي الذين كانوا يرسلون المسجات السخيفة التحريضية ضده وهو محتجز لدى الأمن، وكانت سريالية الموقف تجمع المثقفين والكتاب من كافة الأطياف والمنابت تحت مسمى هذه العائلة الجديدة، التي لا تعرف الإقليمية، التحمنا فجأة ووحدتنا روح ناهض!
أكان لا بد أن تغادرنا ياناهض بهذه الطريقة المؤلمة كي نشعر بأن ثمة عائلة جديدة في الأردن تجمعُ الأردنيين والفلسطينيين / المسلمين والمسيحيين؟
لا يمكنني نسيان ذلك اليوم وأنا أدخل مستشفى لوزميلا، كانوا يجرّون سريرك نحو سيارة الإسعاف المتوجهة إلى مستشفى البشير، فوجدتني ألمحك غافيًا وقد غطوا وجهك كله، وكانت صورة قدميك وأنت لم تخلع حذاءك بعد توحي بأنك مستعد للنهوض من جديد والعودة إلى البلد!
البلد التي نحبها بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، بلدنا التي نعمل لأجلها، وإن فكّرتْ أن تواجهنا بالقمع، لن نواجهها إلا بالحُبّ، هكذا تعلمنا منك يا أستاذي ومن عائلتك الطيبة الوطنية، كما تعلمنا ذلك من ويلات “الربيع العربي الكاذب”.

وكُلُّ شجاعةٍ في المرءِ تُغْنِيْ * ولا مثلَ الشجاعةِ في الحكيمِ (المتنبي)

*شهادة القيتها في ٢٥ سبتمبر في ذكرى استشهاد ناهض حتر السابعة


فعاليات شعبية تحيي الذكرى السادسة لاغتيال الصحفي ناهض حتر- صور

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content