السابق المرشح نزيه المدانات: الكرك بحاجة لمن يُحبّها وينتمي إليها ليعمل من أجلها
رابط المقال: https://milhilard.org/bad6
عدد القراءات: 415
تاريخ النشر: مارس 10, 2022 7:58 ص
رابط المقال: https://milhilard.org/bad6
ينشر موقع المغطس التقرير التالي حول الصيدلانية الأردنية جورجيت عويس بعد الحصول على موافقة كاتب التقرير الصحفي نديم عبد الصمد والمنشور في جريدة النهار العربي.
لم تكن رحلة الفتيات الأردنيات في عالم العمل والحياة الاجتماعية سهلة يوماً، فبعد مرور 100 عام على تأسيس الدولة الأردنية الحديثة مرت خلالها النساء في مراحل متذبذبة من النجاح. ورغم قلة أعداد الفتيات في ميادين السلطة والقيادة، إلا أنهن حفرن الصخر من أجل الوصول إلى لحظات النجاح التي تعيشها أكثر من خمسة ملايين إمرأة أردنية.
ومثل كل الميادين، كان لقطاع الصيدلة قياديات حملن في رحلتهن طموح ما يقارب 15 ألف امرأة درسن وعملن في الصيدلة على مدار السنوات الماضية، بحسب أرقام نقابة الصيادلة الأردنية لعام 2018.
يوثق “النهار العربي” هنا قصة أول صيدلانية أردنية فتحت أبواب العلوم والمعرفة لآلاف الطالبات من بعدها للعمل في الصيدلة.
من هي جورجيت عويس؟
بينما تقصقص أوراق الجريدة اليومية لتنتزع الخبر الذي تود قراءته مساءً، تلتفت جورجيت عويس وتقول لـ”النهار العربي”: “الواحد لازم يعرف شو بصير حواليه عشان يقدر يعاصر الكوكب”… كانت هذه الجملة الافتتاحية التي استقبلتنا بها جورجيت، مضيفة أن اليوم الذي لا تقرأ فيه “مزعج”.
مثل معظم السيدات، يُعتبر السؤال عن العمر مزعجاً، لكن لدى جورجيت وجهة نظر أخرى، فتفتخر بعمرها الذي قفز عن حاجز الثمانين بسبع سنوات، وبضحكة عميقة تقول: “ليه بدي استحي من عمري؟ أنا عمري 87 وفي شهر آذار (مارس) المقبل سيصبح عمري 88 سنة، بتقدر تقول متعربشة (متسلقة) على الـ90”.
نشاط جورجيت في الصيدلية وخفّة حركتها بين قسم الاستقبال والقسم الداخلي الذي يحتوي على مستودع الأدوية، يدلان على عمر أصغر بكثير من ذلك، لكنها تشعر بأنها لا تزال في صباها “بحس حالي أصغر من هدول الصبايا”.
وحتى نتعمق أكثر في حياتها الشخصية سألناها عن سر نشاطها وحيويتها، وكان الرد المفاجئ أنها تسبح كل يوم لمدة ساعة “أنا اللي خلاني بهذا الشكل، اني بسبح من سنة 1970 كل يوم ساعة ولا أزال”، كما تفتخر أن أولادها هم من علّمها السباحة.
ولتضيف المرح إلى حديثها تقول مازحة: “الأولمبيات طلبوني أروح عندهم بس حكيتلهم مش فاضية”.
جورجيت فعلاً كانت مشغولة وحاضرة بكامل قوتها منذ زمن طويل، فمنذ ما يزيد على الـ40 عاماً اعتادت على فتح أبواب صيدليتها في ساعات الصباح الباكر بينما السكون يحيط بكل أحياء العاصمة عمّان.
أول صيدلانية أردنية
ولدت جورجيت في قرية دبين شمال الأردن. ومن هناك بجانب الغابات الخضراء والهواء النقي نتجت تفاعلات كيميائية خاصة جعلتها تحب الصيدلة وترغب في دراستها، إلا أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وقفت عقبة في طريقها.
فبعدما أنهت مرحلة الثانوية العامة وأصبحت مستعدة لاستكمال تعليمها خارج الأردن، كان من غير المنطقي في تلك الفترة من عمرها أن تكمل الفتيات تعليمهن، حتى أن إحدى الجارات قالت لوالدتها: “ما بطلع لها تدرس توجيهي وبدها تروح على الجامعة كمان، كثير هيك”.
لكن إصرار والدتها جوليا قبعين على متابعة التعليم لها ولإخوتها السبعة كان دافعاً لاستمرارها وتقدمها، “نحن من عائلة فقيرة ما عنا استثمار غير في التعليم”.
أنهت جورجيت الثانوية العامة وتخرجت في مدرسة زين الشرف في عمّان مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وبعدها درست لمدة عامين في رام الله في دار المعلمات؛ لتصبح أول معلمة رياضيات وكيمياء وفيزياء في المدرسة ذاتها التي تخرجت فيها.
خلال أعوام التدريس اكتشفت جورجيت أنها ليست في المكان الذي لطالما طمحت له، ومن هناك تبخرت تجربة التدريس من حياتها، موضحة: “أنا مش أهل للتعليم، ما بدي أعلّم”، وقررت في منتصف الخمسينات من القرن الماضي متابعة تعليمها الجامعي في تخصص الصيدلة بجامعة دمشق على نفقتها الخاصة.
بهذه الخطوة، سحبت جورجيت معها أحلام آلاف الفتيات في دراسة الصيدلة، “كل العائلات صاروا يعملوا مثلنا. كنا المثل الأعلى”.
وهو ما نجده اليوم في سجلات نقابة الصيادلة الأردنيين لعام 2018، إذ يصل عدد الصيادلة المسجلين في النقابة إلى 22667 من ضمنهم 8080 صيدلي من الذكور و14587 صيدلانية من الإناث.
لم تتردد جورجيت في القول إنه سبقها في العمل في الصيدلة سيدات لبنانيات وسوريات وفلسطينيات، “بس أنا أول صيدلانية تحمل الجنسية الأردنية”.
رحلة العمل والعائلة
في دمشق، ومن أجل أن تثبت قدرتها على العيش لوحدها، عملت جورجيت معلمة خاصة لبعض الطالبات، وعزز ذلك خبرتها السابقة في التدريس. وبعد عودتها من دمشق بدأت التدريب والعمل في إحدى الصيدليات التابعة لوزارة الصحة آنذاك وبراتب يقدر بـ40 ديناراً أردنياً (56 دولاراً). “في ذلك الوقت كانت الـ40 ديناراً مبلغاً كبيراً” تقول جورجيت.
أثناء ذلك تعرفت إلى الصيدلي المقدسي منير فتالة، وقررت بالتعاون معه أن تستقيل من وزارة الصحة لتفتح صيدلية “فتالة” التي لا تزال راسخة في مكانها على جنب الرصيف المؤدي إلى قلب عمّان القديمة في جبل اللويبدة.
ومن هناك صارت صيدلية فتالة أحد أعمدة حي جبل اللويبدة في عمان، وباتت جورجيت وصيدليتها معلماً يشار إليه تماماً مثل دوار باريس والمعهد الفرنسي وشارع الباعونية وغيرها من المعالم الحاضرة في المنطقة المحيطة بالصيدلية.
قرب صيدليتها من المعهد الفرنسي وشغفها الدائم للتعلم جعلاها تهتم بمعرفة المزيد عن اللغة الفرنسية، لذلك قررت أن تتعلم الفرنسية مع أنها ليست لغة رسمية في الأردن، لكنها تقول: “أنا لليوم قارئة أكثر من 30 كتاباً بالفرنسي”.
رُزقت جورجيت بثلاثة أطفال كانت ترعاهم أثناء عملها في الصيدلية وإلى جانب ذلك لم تنس الأرض التي روت جذورها المعرفية وعززت قدرتها على مواجهة الحياة، فأصبحت بعد وفاة والدها تدير أراضي عائلتها الموجودة في دبين: “صرت أترك عمان الساعة الخامسة فجراً… أتحدث مع الفلاحين، أتابع عملهم وأرجع على عمّان الساعة 11 صباحاً”.
عام 1980 انتقلت الى العيش في الولايات المتحدة، وهناك درست الماجستير في الصيدلة، ومن خلال دراستها نقلت جورجيت المشاكل الزراعية التي تعاني منها الأراضي في الأردن إلى معهد البحوث في أميركا، فبحثت في مشكلة المبيدات الحشرية واستعمالها الخاطئ في بعض مناطق الأردن الزراعية وأثرها الوخيم على صحة الإنسان.
خلال كل هذه التجارب كان منير فتالة زوج جورجيت داعماً رئيسياً: “كان زوجي يدعمني، ويشجعني أتعلم. هو ينقّر الكوسا ويساعدني بمهمات المنزل وتربية الأولاد وأنا عم بدرس ماستر، وهو كان بده يحقق لي رغبة إني أدرس في جامعات أميركا وأحصل على شهادة من هناك”.
ما يجعل جورجيت سعيدة وحزينة في الوقت نفسه، أن صيدلية فتالة مكان تتدرب فيه الصيدلانيات من أجل الوصول إلى سوق العمل، لكن المحزن أن عددهن كبير جداً والكثير من الصيدلانيين والصيدلانيات أصبحوا يعانون من البطالة، تقول جورجيت: “مرحلة البحث عن عمل صعبة وعلى دورنا، رغم التحديات، كانت أسهل”.
خلال حديثها مع “النهار العربي” تركت جورجيت اللقاء أكثر من مرة من أجل التحدث مع الزبائن من مختلف المناطق واللغات واللهجات، ولم تنسَ كذلك أن تشير إلى تعاون الموظفين في الصيدلية وحبها لهم، وبخاصة محمد الذي يعمل معها منذ 1990 وهو يدير المكان الآن: “محمد مبسوط بمعاشه ومبسوطة بدعمي له وللموظفين كلهم. ما بحاول أعطي الموظفين أقل ما يمكن وأخذ أكثر ما يمكن”.
تقاعدت جورجيت من العمل في الصيدلة وتحصل على راتب شهري قدره 180 ديناراً، ولو أنها لم تكن تملك هذه الصيدلية، “أنا من عائلة فقيرة وكان العلم طريقنا الوحيد لتحسين أوضاعنا المادية وأنا كنت مفكرة بالمستقبل مشان هيك قررت أن أدرس وأعمل صيدلانية وأنجح”.
مثل كل النهايات التقليدية لأي قصة أو رواية ينظر فيها البطل إلى المستقبل، تتطلع جورجيت إلى المستقبل ذاته، وتتحدث عن الطب في العلم الحديث وعن الصناعة وتأثيرها في الكائنات الحيّة وعن مستقبل صيدليتها في التوسع والتمدد والنجاح أكثر.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.