Skip to content

القدس  تناديكم….شدوا الرحال الى  البلدة القديمة في القدس 

رابط المقال: https://milhilard.org/60pf
تاريخ النشر: مايو 16, 2024 6:08 م
الاستاذ اسحق البديري يدعو لزيارة البلدة القديمة الخالية من السواح

الاستاذ اسحق البديري يدعو لزيارة البلدة القديمة الخالية من السواح

رابط المقال: https://milhilard.org/60pf

بقلم الاستاذ اسحق البديري*

قادتني قدماي  قبل ايام  الى داخل البلدة القديمة في القدس   دخلت اليها انا وزوجتي من باب الجديد  احد الابواب   الشمالية لأسوار  المدينة  القديمة  .. هذا الباب  الذي شهد معارك ضارية بين الفلسطينيين   المدافعين عن المدينة وبين الاسرائيليين  الذين كانوا يحاولون  اقتحام ها  في مثل هذه الأيام من شهر أيار قبل ٧٤ عاما  أي في عام ١٩٤٨  ..تذكرت ذلك وأنا اجتاز السوق في باب الجديد  وهو سوق صغير  يضم محلات تجارية  صغيرة  بعضها مغلق وبعضها الآخر فارغا إلا من قلة من الزبائن  .. مررنا بجانب مدرسة الفرير     إحدى مدارس القدس المشهورة  وانعطفنا  بعد السوق يسارا    سائرين عبر زقاق ضيق بجوار  كنيسة الآباء الفرنسيسكان  وبرجها الذي كانت أجراس ساعته  تدق  في تلك اللحظة.

 وبجانب فندق   الكازانوفا الذي كان مغلقا  لعدم وجود الزوار والسياح بسبب الحرب  رغم ان هذه الايام هي ذروة السياحة في مدينة القدس التي كان  يقصدها الآلاف من السياح   القادمين إليها من كل حدب  وصوب بمناسبة    اسبوع الالام  وقيامة السيد المسيح.   وهبطنا الى   شارع القديس مترى.  الذي يؤدي إلى  ساحة باب الخليل   وسرنا بجوار  مدرسة مار متري التي يرتادها مئات من طلاب  البلدة القديمة  والتي  تقع على يسار الشارع وهي المدرسة المهددة بالإغلاق بسبب وضعها المالي   المأزوم.

 وعلى بعد خطوات على يمين الشارع الضيق  مررنا بالمبنى الذي كانت تشغله امانة او بلدية القدس العربية   قبل احتلالها سنة ١٩٦٧  وتذكرت قصة  بلدية القدس ومعركتها  مع سلطات الاحتلال  الإسرائيلي  ضد ضم المدينة  ثم مررنا ببطريركية الروم الكاثوليك على يسار الشارع  وتذكرت مطران القدس الراحل هيلاريون كبوتشي  والمطران لحام  ونضالهما في مواجهة الاحتلال ومعهما تذكرت الشهيدة شيرين ابو عاقلة  مراسلة الجزيرة التي استشهدت في جنين في شهر أيار  ٢٠٢٢  والتي سجي   جثمانها  الطاهر في هذة الكنيسة  ليخرج بعد ذلك في جنازة مهيبة لم تشهدها القدس منذ جنازة الراحل فيصل الحسيني  . 

بعدها وعلى بعد أمتار وصلنا  الى ساحة عمر بن الخطاب ساحة باب الخليل. هذا الباب الذي شهد معارك بين الفلسطينيين والاسرائيليين عام  ١٩٤٨   والذي بقي مغلقا طوال الفترة ما بين عامي. ١٩٤٨. و ١٩٦٧  وخرجت الى الساحة الخارجية لباب الخليل لالقي نظرة  على مشارف القدس الغربية  وشعرت بالاسى والحزن  على احياء وشوارع عربية  أرغمتنا الظروف والأحداث على التخلي  عنها  لكننا بالقطع لم  ولن ننساها سوف تبقى في ذاكرتنا ولا بد أن تبقى في ذاكرة الأجيال الحالية والقادمة.

وعدت  الى شارع البطريركية   لاتفقد بعض المطاعم هناك وكانت في معظمها مغلقة  ووقفت أمام باب محل مغلق. وقلت لزوجتي وهي تستغرب وقوفي ” هنا كان يقع   مقهى  الصعاليك  ” كان رواد  هذا المقهى    الشهير    والمعروف منذ  الثلاثينيات  والاربعينيات  من   القرن الماضي صفوة المثقفين   في القدس وفلسطين وشعرت بالحسرة   والحزن   

مررنا بجانب القلعة.

 ومضينا نمشي على أقدامنا  عبر  سويقة علون كما تسمى وهي سوق صغير يمتلىء  بدكاكين السنتواري التي تبيع منتجاتها للسياح والزوار   وكانت في معظمها فارغة من السياح وبعضها مغلقا. ومن سويقة علون اتجهنا يسارا إلى حارة النصارى  وكان شارعها في الماضي يعج بمئات المارة من مواطنين واجانب  ولكنه الان  كان شارعا شبه خالي  الا من قلة  … وواصلنا السير في حارة النصارى ولدى انحرافنا يمينا الى الزقاق المؤدي إلى كنيسة القيامة   التقينا صدفة بالاخ الصحفي ناصر عطا  وتوقفنا معه لدقائق  في حديث عن اوضاع واحوال المدينة  وكان مستاء وقال ليت اهل القدس يقومون يوميا بزيارتها مصطحبين أولادهم ونساءهم واحفادهم لزيارة مساجدها وكنائسها  واماكنها المقدسة ومعالمها   وأسواقها    وقال  ان المدينة  القديمة وهي أصل القدس بكل عظمتها  وتاريخها تستحق الزيارة كما تفعلون الآن.

ونزلنا عبر   زقاق  يؤدي إلى مسجد عمر بن الخطاب فكنيسة القيامة كانت ساحتها الخارجية شبه خالية   وقلت لنفسي  هذه كنيسة القيامة  اهم المعالم المسيحية في العالم  إنها الكنيسة التي تضم قبر السيد المسيح  والذي منه قام في مثل هذه الأيام. حسب التقويم الشرقي للطوائف  الشرقية المسيحية.   بدت  الكنيسة امامي حزينة وتكاد تقول اين ابنائي اين شعبي واهلي.

واصلنا طريقنا الى سوق الدباغة  وهناك وعلى بعد امتار من كنيسة الفادي  الانجيلية  اللوثرية  جلسنا نحتسي  قهوتنا في أحد مقاهي ومطاعم الدباغة  هنا أيضا كان الشارع خاليا الا من قلة  من الناس    ومن سوق الدباغة مضينا الى سوق العطارين الشهير   كان السوق هنا. يشهد  حركة لا بأس من المارة   وكان الباعة في محلاتهم  يروجون لبضائعهم  المختلفة من العطارة الى الملابس النسائية الى  الاحذية والشباشب  الرجالية  الى  متاجر السنتواري  وغيرهم  من الباعة ولاحظنا أن سوق العطارين كان أكثر نشاطا   من الاسواق  الاخرى التي مررنا عبرها   وان كانت هناك بعض المحلات مغلقة.  ومن سوق العطارين  الشهير الى سوق باب خان الزيت  مشينا    وبقرب السلالم  المؤدية الى بطريركية الاقباط  على يسار السوق تذكرت مدرستي مدرسة الكلية القبطية التي درست فيها احلى ايام عمري. وتذكرت محلات مطبق زلاطيمو المشهور وهو مغلق الان تذكرت كيف كنت  امشي في شارع خان الزيت ذاهبا إلى المدرسة صباحا وعائدا منها عصرا  تذكرت زملاء  واساتذة لي  من عصر فات.

مضينا  عبر هذا السوق  الطويل  الذي كان  يمتلئ في ذلك الزمان بالآلاف من  المواطنين والزوار والسياح وقتها كنت اسمع كل اللهجات من الانجليزية الى المصرية واللبنانية واليونانية  والفرنسية وغيرها. أما الآن فقد بدأ السوق من حولنا  شبه فارغ ومن محل حلاوة العمد الى مفترق طريق الالام الى مكتبة الشناوي إلى منبت الزعتر الى دكاكين  كثيرة تغيرت  وفي وسط السوق  دخلنا لاستراحة قصيرة في محلات جعفر المشهور بتقديم الكنافة  النابلسية وخرجنا شاكرين لصاحب المحل كرمه  رافضا أن يتقاضى  ثمن الكنافة    لصلة قرابة  بعيدة   وقلت لزوجتي  كم هم كرماء أهل هذه المدينة.

عدنا عبر  سوق باب خان الزيت   ومن محل  ازحيمان  للبن صعدنا درجات  باب العامود   الداخلية  وتذكرت مقهى زعترة ومقهى صيام  على يمين الطريق الصاعد الى باب العامود وكانا من أكثر مقاهي  البلدة القديمة نشاطا وحيوية وخرجنا الى الساحة الخارجية من باب  العامود  باب دمشق الذي يعبر في العادة الآلاف من الناس يوميا داخلين الى البلدة القديمة او خارجين منها.  وتذكرت الشباب والصبايا الذين كانوا   يتجمعون  ويهتفون دوما للقدس العربية خصوصا  خلال الاعوام الاخيرة  وكلهم أمل وحلم وخرجنا من البلدة القديمة   طبعا لم نزر الجزء الشرقي  من البلدة القديمة التي فيها المسجد الأقصى  المبارك  وطريق الآلام. تلك رحلة اخرى  لمرة قادمة  بإذن الله. 

أقول في نهاية هذه الرحلة إلى البلدة القديمة ايقونة القدس  وقلبها كانت رحلة ممتعة لكنها مؤلمة  البلدة القديمة  كانت كما شاهدتها شبه فارغة محلات كثيرة اقفلت ابوابها لم تعد حية أو ناشطة  …وجوه الناس كئيبة  الحزن يلف الناس  كثير من أصحاب المحلات يجلسون أمام محلاتهم  يلعبون الورق والزهر يمضون اوقاتهم في فراغ لقلة الزوار والسياح   هكذا بدت لي البلدة القديمة في رحلة اردتها  ان تكون رحلة استكشاف وحنين ومتعة 

 إن القدس   القديمة هي مدينة  السيد المسيح  التي مشى  وبشر  برسالته على أرضها وارتفع منها   ومدينة محمد رسول الله  التي اسرى اليها وعرج منها الى السماء    ومدينة عمر بن الخطاب  التي جاء اليها  فاتحا و مبشرا برسالة الإسلام   واضعا  لأهلها ميثاق عهد للتسامح  تمثل في العهدة العمرية   والقدس ايضا مدينة صلاح الدين  الأيوبي التي فك اسرها وحررها  من الصليبيين  يوم وقف المسيحيون  في الشرق العربي تحت قيادته  جنبا الى جنب مع جحافل المسلمين  القدس  هذه بكل تاريخها  تستحق   ان  نحميها وأن ندافع عنها  وأن يبقيها  حية تنبض  بالحياة.

من خلال مشواري الى البلدة القديمة ساءلت نفسي ماذا تحتاج المدينة المقدسة  واقول  ان مساجد وكنائس وأحياء   وحارات وشوارع   وأسواق   ومقاهي  البلدة القديمة بحاجة اليكم  بحاجة إلى أهالي القدس  بحاجة الى زيارات ورحلات  عائلية  تضم الاباء و الابناء والاحفاد  معا ليتعرفوا على البلدة القديمة بكل ما فيها  ونعلم اولادنا واحفادنا قصة البلدة القديمة اولا.

ولتكون البلدة القديمة  أشبه ما تكون بخلية نحل تعج بالناس كبارا وصغارا نساء ورجالا  شيبا وشبابا  ثانيا ينفقون من  أموالهم ما يستطيعون مقابل  شراء حاجيات وبضائع متنوعة   او ارتياد مقهى او كافتريا او مطعم  دعما للتجار والباعة لتكون البلدة القديمة  بوجود  اهل  القدس  واهل فلسطين  زهرة مدائن الشرق بحق أن كل عائلة في  القدس تستطيع احياء البلدة القديمة  وانعاشها  لو تداعت  وذهبت في رحلة عائلية الى اي موقع   او متجر  ودكان  وهذه  دعوة وفكرة سوف تساهم في جعل البلدة القديمة الحزينة تنبض بالحياة  من جديد   

أن البلدة القديمة هي قلب القدس وبدونها لا تكون هناك قدس  بل مجرد إحياء  منعزلة  لا تمت باي صلة الى تاريخ المدينة المقدسة  

من هنا اقول اجعلوا اولادكم واحفادكم يعرفون البلدة القديمة ويتعرفون عليها  ليكونوا جسورا حية بين البلدة القديمة داخل الاسوار  وبين الأحياء خارج الاسوار  و كي يتعلموا معنى  الصمود  فيها  ابد الدهر  وكيف يدافعون  عنها   في كل زمان  واول الخطى  

شدوا الرحال الى البلدة القديمة من القدس  الصامدة والصابرة.

  • الكاتب مدير عام سابق للمركز الدرسات العربية- القدس

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content