السابق ِسِلَّم الزمن… والوضع الراهن في كنيسة القيامة!
رابط المقال: https://milhilard.org/3sps
عدد القراءات: 611
تاريخ النشر: سبتمبر 8, 2021 8:27 ص
رابط المقال: https://milhilard.org/3sps
اشارت الاحصائيات في الولايات المتحدة ان الفئة السكانية ذات نسبة التطعيم الادنى ضدّ فيروس الكورونا هي الانجيليين البيض. ودون اجراء فحص دقيق لكن الانطباع هو وجود توجه مشابه في بلادنا بين بعض المؤمنين المسيحيين أكثر منها عند باقي المسيحيين.
ما هي اسباب هذا المنحى؟ هل هناك أي تبرير له؟ هل هو مؤسس على مبادئ الايمان المسيحي؟
انوه اننا لا نتحدث هنا عن الامتناع عن التطعيم بسبب الكسل او بسبب عدم وجود محطات للتطعيم بقرب التجمّعات السكنية وانما عن الامتناع لأسباب توحي انها ضميرية او بسبب عدم الاكتراث الذي يحمل في طياته عدم الموافقة على اتخاذ التطعيم.
هذا المنحى يتغذى من عدة عناصر مرتبطة ببعضها البعض وقبيل التطرق لها اشير ان بعض المؤمنين المسيحيين العرب يعتبرون ما يقوله قادة دينيين في الغرب او أطباء او صحفيين مصدر الهام ويتبنون ما يقولونه دون فحص او على الأقل دون ملاءمته لظروف بلادنا وثقافتنا وهذا ما حدث مع التطعيم ايضًا وهكذا يسلّمون ارادتهم ومواقفهم لمواقف آخرين.
- للأسف ونظرًا لسذاجة وعدم معرفة (ولا نقصد بساطة الايمان كالحمائم التي يطلبها الرب) يصدّق كثير من المؤمنين الانجيليين كل فيديو مغرض من شطط الخيال والتأليف ممّا لا اساس له من الصحة.
ان جهل الكثيرين بآلية اتخاذ القرارات في الحكومات وشكوكهم بنوايا رجال الحكومة تجعلهم يتبنون نظريات المؤامرة ويفشلون في التمييز بينها وبين الحقيقة المدعومة بأفضل الحقائق. لا ادّعى ان رجال الحكومة واصحاب القرار ابرياء حتمًا من اي اجندات مخفية لكن في حالة الجائحة الحالية يختلف الامر .
فبعد ان ضرب الفيروس كل العالم (وبالأخص الدول المتطورة مثل امريكا وبريطانيا وايطاليا قبل النامية/الفقيرة)، تجندت حكومات العالم بمواردها المالية والبشرية لتقوم افضل العقول والمختصين بالبحث العلمي في مسعى لاكتشاف التطعيم اللازم ولوقف درء الجائحة التي حصدت ارواح مئات آلاف البشر دون تمييز. وقد تعاضد من هم بالعادة اعداء مثل امريكا وروسيا والصين وانجلترا واسرائيل للوصول للمطعوم المأمول، وفعلًا نجحوا بذلك. كل هذا يُسقِط الادعاء بالمؤامرة سقوطًا مدوّيًا.
- انه انتصار للعلم والعقل البشري الخلّاق! يتوجب ان كل مؤمن ينضم للعالم باسرّه بالاحتفال بهذا النجاح الباهر الذي بإمكانه حصر المرض. واستمر المناهضون للتطعيم بنفس المنحى حتى بعد الاثباتات القاطعة بفعاليّة التطعيم وتوقيفه للانتشار وظهور نتائج عينيّة في دول مختلفة وبضمنها بلادنا. الم يكن من المناسب ان نشكر الله لأجل منح العلماء القدرة لاكتشاف ما يوقف المرض وهو نتاج عدو النفوس، ابليس؟
للأسف ينظر بعض المؤمنين المسيحيين وبضمنهم الانجيليين للعلم نظرة شك او استهتار. يعتقد هؤلاء ان العلم يناقض الايمان لسوء استخدامه احيانًا او لأن بعض الاكتشافات العلمية تتناقض ظاهريا مع الانجيل. فمن هنا ينظرون له بشك. ان سخرية الامر ان نفس المتشككين يُسَخّرون التطور العلمي الذي يحضر للعالم التلفونات الذكية والطائرات النفاثة والمركبات الكهربائية المتطورة لمصالحهم ويتمتعون بها.
- يميل كثير من المؤمنين لتصديق نظريات المؤامرة من باب شعور عام بالملاحقة. فهم “القطيع الصغير” والمضطهَد. كما انهم “ليسوا من هذا العالم”. لقد نسوا ان الرب لا يكتف بذلك ولكنهم يقول انهم ايضًا “في العالم” وان لهم دور فيه. يعتقد هؤلاء الرافضون للتطعيم (وبعضهم ممن ينكرون وجود الكورونا اصلًا) ان تطعيم عالمي بسبب جائحة كونية جاءت كإشارة لتسلط حكومات العالم على المواطنين وبضمنهم المؤمنين او وضع علامة الوحش على يدهم اليمنى كما جاء في سفر رؤيا 13: 18. ويهذي البعض حتى ان حكومات العالم مجتمعة تنوي التجسس عليهم من خلال زرع رقاقة في أيديهم في الوقت الذي بإمكان الحكومة، اذا شاءت، ان تتجسس على المواطنين بألف طريقة أخرى (واهمها التلفونات الخليوية).
- ويثير الموقف المتحفظ من العلم عند بعض المسيحيين المؤمنين الاستغراب على خلفية كون المسيحيين الفلسطينيين عامة وفي بلادنا خاصة اكثر الفئات الاجتماعية علمًا في البلاد. وبالتالي يتوجب ان يقدّروا العلم والاكتشافات العلمية وبضمنها التطعيم للكورونا. والمفارقة لا تنتهي هنا ولكن نضيف ان هذه الفئة السكانية من المسيحيين في بلادنا تتمتع بمستوى اقتصادي اعلى من المعدل وقد دلّت الاحصائيات ان المدن ذات المستوى الاقتصادي الاعلى هم ذوي نسب تطعيم اعلى…
- ويبدو ان المعارضين للتطعيم قد نسوا وصية الرب لهم ان “يخضعوا للسلاطين الفائقة” (رومية 13: 1) وبمفهومها العصري ان نكون مواطنين صالحين نحترم القانون ونساهم في ازدهار بلادنا (“واطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم اليها وصلوا لاجلها الى الرب لانه بسلامها يكون لكم سلام” ارميا 29: 7) الا اذا تعارضت القوانين والاوامر الحكومية مع صُلب ايماننا (وهذا طبعًا ليس الحال هنا).
- ومن الغريب ان بعض هؤلاء المؤمنين ممن يرفضون التطعيم يرفعون أصواتهم بعناد وكأنهم يقبعون تحت معركة يحاول فيها النظام الجائر فرض ممارسات عليهم بينما يناضلون لأجل حريتهم الدينية بينما الحقيقة في مكان آخر. انها ليست معركة لأجل تقييد حريتهم وفرض امر ما عليهم وانما مطلب صحي شرعي ضروري يتوجب من المؤمن ان يتعاون مع السلطة فيه لكي تزدهر بلادنا ونمنع المرض.
- وفوق كل الادعاءات التي تفند هذا الموقف المُستغرَب من المؤمنين يقف واجب المؤمن تجاه جاره. ويسعفنا قول بولس الرسول:” لذلك ان كان طعام يعثر اخي فلن اكل لحما الى الابد، لئلا اعثر اخي” (1 كو 8: 13). واذا كان عدم تطعمي سيعرّض اخي للخطر- فكيف أقوم بذلك بضمير نقي؟!
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.