السابق The World Council of Churches issues a powerful interview about life at Israeli checkpoints
رابط المقال: https://milhilard.org/33ep
تاريخ النشر: فبراير 10, 2023 9:39 م
رابط المقال: https://milhilard.org/33ep
فقرة من كتاب الارشمندريت أغابيوس أبو سعدى
تكمن إحدى النقاط الأساسيّة لحلّ معضلة الشرق الأوسط، في زيادة الوعي بالتنوّع بين المجتمعات المختلفة وداخلها، والاعتراف بهذا في المجال العام، فضلًا عن الفرصة التي تمثِّلها فكرة المواطنة لدمج هذا التنوّع في الوعي الوطنيّ الأوسع. إنّ الانطلاق من وجهة نظر الدين يأتي بنتائجَ عكسيّةٍ على أغراض هذا المشروع الذي يحاول الابتعاد عن الدين كهُويّة وليس كمعتقد. من خلال الحديث عن «منظورٍ مسيحيّ»، نفترض مسبقًا أنّ المنظورات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة تستند إلى الهُويّة الدينيّة. وقد بدأ هذا بالفعل بتقويض ما نأمل تحقيقه فيما يتعلّق بالمواطنة الشاملة. بدلًا من ذلك، نحتاج إلى البدء بفكرة المواطنة والتحدُّث عن المواطنين، وتوحيد الهدف. ونحن عندما نتحدّث عن المشاكل التي تواجه المسيحيّين، يجب أن نعترف أيضًا بأنّ جميع المواطنين في دولةٍ معيّنةٍ يواجهون المشاكل نفسها.
إنّ الافتقار إلى الديموقراطيّة، وغياب ثقافة المواطنة، هما اللذان يؤثِّران على الجميع، بغضّ النظر عن الهُويّة الدينيّة، وهذا إقرارٌ بوجود تنوّعٍ بين الطوائف الدينيّة، وبأنّ المجتمع يتكوّن من هُويّاتٍ دينيّةٍ، وعرقيّةٍ، وثقافيّةٍ، ولغويّةٍ مختلفة. وجميع المواطنين يواجهون هذه التحدّيات، وبالتالي يجب معالجتها كمشكلةٍ عالميّة، وليس كمشكلةٍ يواجهها المسيحيّون فقط، أو طائفةٌ دينيّةٌ معيّنة. وهذا لا يعني -في الوقت نفسه- أنّ جميع المواطنين يأتون من نقطة البداية نفسها. حتّى بين المسيحيّين أنفسهم، فلا يمكن افتراض أنّ القضايا متطابقة؛ لأنّ هناك اختلافاتٌ حتميّةٌ بين المسيحيّين من المذهب نفسه عبر الحدود الوطنيّة، تمامًا كما توجد اختلافاتٌ بين الجماعات الدينيّة المختلفة داخل الأمّة الواحدة. هذا يعني أنّه لا يوجد حلٌّ واحدٌ لتحقيق الشموليّة؛ إذ يجب تشكيل الحلول ضمن السياقات الوطنيّة المختلفة.
في السياق الغربيّ، للأقليّة دلالاتٌ معياريّةٌ إيجابيّة، من حيث محاولة مساعدة الأشخاص الضعفاء عن طريق ضمان حقوقهم؛ بينما في الشرق الأوسط، تمتلك «الأقليّة» -حقًّا- إحساسًا قويًّا بالغيريّة، والاختلاف، وعدم الانتماء.
تتمثّل إحدى خطوات تجنُّب فكرة المجتمع المسيحيّ المترابط، في الابتعاد عن الإفراط في استخدام لغة الأقليّة/الأغلبيّة. فنحن عندما نطّلع على وسائل الإعلام، والتقارير السياسيّة التي تتحدّث عمّا يجري للمسيحيّين، والعنف الذي تعرّضوا له في السنوات الأخيرة، نجدهم يوصَفون دائمًا على أنّهم «الأقليّة المسيحيّة» أو «الأقليّة القبطيّة». فخطاب الأقليّات غير مثمر، ويُعطي الانطباع بأنّ جماعةً مسيحيّةً واحدةً تواجه أغلبيّةً مسلمةً متجانسة. وهذه مبالغةٌ في تبسيط الموقف، وتحجب العديد من المشاكل الحقيقيّة. يجب أن نتحدّث عن المسيحيّين، والصعوبات الخاصّة التي يواجهونها، دون الحديث عنهم بشكلٍ حصريٍّ وكأنّهم «أقليّةٌ» أو «آخَر». ففي السياق الغربيّ، للأقليّة دلالاتٌ معياريّةٌ إيجابيّة، من حيث محاولة مساعدة الأشخاص الضعفاء عن طريق ضمان حقوقهم؛ بينما في الشرق الأوسط، تمتلك «الأقليّة» -حقًّا- إحساسًا قويًّا بالغيريّة، والاختلاف، وعدم الانتماء. هناك محاولةٌ للابتعاد عن ذلك والتركيز، بدلًا من ذلك، على تطبيع الاختلاف، كما تفعل ذلك أحيانًا الكنائس القبطيّة، والكلدانيّة، والآشوريّة، التي تتحدّث عن الوجود الأصليّ لهذه الجماعات، وهو أمرٌ أعتقد أنّه إيجابيٌّ للغاية. على سبيل المثال، لقد اضطر المسيحيّون في العراق على فعل ذلك بسبب ضخامة العنف. إنّهم يتحدّثون علنًا وبصورةٍ مرئيّةٍ عن تراث هذه المجتمعات، وكيف أنّها أساسيّةٌ ومتكاملةٌ للهُويّة العراقيّة.
نرى أنّ هناك طريقتين لتطبيع الاختلاف:
– الأولى: تحتاج إلى تعميم الدعوة إلى المواطنة الشاملة (على سبيل المثال، تحدَّث البطريرك الكلدانيّ لويس ساكو عن المواطنة من خلال التأكيد على أنّه يروِّج لذلك لجميع المواطنين، وليس للمسيحيّين فقط). نحن بحاجةٍ إلى تعزيز أفكار المساواة، والمواطنة، والديموقراطيّة التمثيليّة.
– الثانية: نحن بحاجةٍ إلى تمكين المساهمات المحدَّدة، والثقافة، والخلفيّات الطائفيّة للمجتمعات، وإدخالها إلى المجال العام. نريد الاعتراف بالاختلاف، وإدخاله في الساحة الوطنيّة والعامّة، بحيث يكون جزءًا من «الوطنيّ»، وليس «الآخر».
إنّ انخفاض عدد المسيحيّين في الشرق الأوسط ليس حديثًا، فهو مستمرٌّ منذ عقود. فقد عاش العديد من هذه المجتمعات تاريخًا طويلًا من الاضطهاد والتهجير، لا سيّما في العراق، إذ كان التراجع فيه دراماتيكيًّا. كما أدّى الغزو الأمريكيّ للعراق عام ٢٠٠٣، والعنف الطائفيّ الذي أعقب ذلك، وظهور الدولة الإسلاميّة، إلى تسريع هذا الاتّجاه. ففي العام ٢٠٠٣، قُدِّرَ عدد المسيحيّين العراقيّين ما بين ١.٥-١.٨ ملايين، أمّا الآن فهو بين ٢٥٠-٣٠٠ ألف. كان لهذا تداعياتٌ على كيفيّة تعامل المجتمع المسيحيّ العراقيّ مع هُويّته ومكانته في المجتمع العراقيّ؛ فباعتقادي أنّ هذا هو أحد الأسباب التي جعلت الرؤساء الدينيّين يلعبون دورًا سياسيًّا أقوى، وأكثر وضوحًا (وهذا ينطبق على بقيّة بلدان الشرق الأوسط). بات القادة يفهمون سبب مغادرة الناس، لكنّ جزءًا من سياستهم يكمن في عدم تشجيعهم على ذلك؛ لأنّهم يشعرون أنّه من المهمّ بقاؤهم داخل الوطن. ويُعتبر تراثهم محوريًّا جدًّا للطريقة التي يفهمون بها هُويّتهم الدينيّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة المعاصرة، فضلًا عن ثقافتهم ولغتهم.
إنّ البنود القانونيّة، والخطاب السياسيّ، لا يكفيان لمعالجة مشكلةٍ تشمل المجتمع بأسره، فالتسامح هو أحد المفاهيم التي تمّ الحديث عنها كثيرًا، إلّا أنّه لديّ تحفّظاتٌ حول هذا الموضوع. إذ يمكن أن يكون التسامح مختلفًا تمامًا عن «القبول». نتحلّى بالتسامح عندما يكون ذلك مناسبًا، لكنّه ليس مفهومًا عميقًا بما يكفي لقيادة «ثقافة القبول» التي من شأنها تقليل آثار عدم الاستقرار السياسيّ. إذا فهمنا، وهو ما أعتقد أنّنا يجب أن نفعله، أنّ المقصود بالمواطنة الشاملة هو معنى جامعٌ بالانتماء المتساوي في الأمّة، وليس مجرّد حقوقٍ متساويةٍ على الورق، فهذا يتطلّب نهجًا «يتجاوز التسامح» ويركِّز على القبول، واستيعاب قيمة الهُويّات المتعدِّدة للأمّة.
أضحى الإنجاز الأعظم خلال العشر إلى العشرين سنة الماضية من الدراسات عن الجماعات المسيحيّة في دول الشرق الأوسط، هو الطريقة التي أدرك بها الباحثون فاعليّة مجموعةٍ سكّانيّةٍ كانت موضوعَ كلٍّ من الأوساط العلميّة والجدل منذ فترةٍ طويلة. لطالما كان يُنظَر إلى المسيحيّين على أنّهم هدفٌ لجهاتٍ فاعلةٍ أخرى. بالنسبة للبعض، كانوا مجرّد نتيجة مجتمعاتٍ إسلاميّةٍ فُرِضَ عليهم وضع أهل الذمّة المحمي والمقيِّد بشكلٍ مثيرٍ للجدل؛ أمّا بالنسبة للآخرين، كانوا ملاحق لقوى خارجيّةٍ مصمِّمةٍ على استخدامهم كأدواتٍ لمصالحها، بحيث ساهمت مخاوف هذه القوى الخارجيّة فقط في تصوير المسيحيّين على أنّهم أدواتٌ للإمبرياليّة. على الرغم من استمرار هذه الاستعارات، فقد بدأ العديد من الباحثين على مدى السنوات القليلة الماضية في استكشاف الطرق التي يعمل بها العرب، وغيرهم من المسيحيّين في الشرق الأوسط، كموضوعاتٍ في حدّ ذاتها. من الملاحظ أنّه في تاريخ الشرق الأوسط، غالبًا ما يتمّ تصوير المسيحيّين على أنّهم إمّا أقليّاتٌ محميّة، أو متسامَحٌ معها، أو مضطهَدةٌ في البيئات العربيّة والإسلاميّة. بات الرضوخ للتسامح مع المسيحيّين في المجتمعات الإسلاميّة هو تفاخر المدافع المسلم، فالمسيحيّون محصورون في «الذمّة»، في حين أنّهم يُصنَّفون، في كثيرٍ من الأحيان، كطوابيرَ خامسةٍ أو رهائنَ للمصالح الغربيّة.
استمرار دراسة المشاركة النشطة للمسيحيّين في مجتمعاتهم، وتوثيقها، وجعلها جزءًا لا يتجزّأ من المناهج الدراسيّة في المدارس والجامعات، سيساعدنا على فهمٍ أفضل لكيفيّة بقاء المسيحيّين مواطنين أصليِّين ونشطين في دول الشرق الأوسط.
يقع القلق السائد من انخفاض أعداد المسيحيّين في الشرق الأوسط، بسهولةٍ، فريسةً للتأكيد الضعيف بأنّهم ضحايا للاضطهاد، أو مجرّد بقايا لماضٍ آخذٍ في الزوال، ويُخاطر بسرقة المسيحيّين مرّةً أخرى كفاعلين أقوياء في مجتمعاتهم. هذا لا يعني أنّ مستقبل مجتمعاتهم مُشرِقٌ بانتظام. ومع ذلك، فإنّ استمرار دراسة المشاركة النشطة للمسيحيّين في مجتمعاتهم، وتوثيقها، وجعلها جزءًا لا يتجزّأ من المناهج الدراسيّة في المدارس والجامعات، سيساعدنا على فهمٍ أفضل لكيفيّة بقاء المسيحيّين مواطنين أصليِّين ونشطين في دول الشرق الأوسط.
إنّ الديموقراطيّة التشاركيّة، المفتقَدَة بشدّةٍ في العالم العربيّ الإسلاميّ، هي الحلّ الحقيقيّ لمشكلة الأقليّات؛ إذ تسمح الديموقراطيّة بالتعدُّديّة التي تمكِّن الأقليّات من الانغماس الكامل في تفضيلاتهم الثقافيّة و/أو الدينيّة، دون فقدان الاتّصال بالساحة السياسيّة الكبرى. هذا يمكِّن مسيحيّي العالم العربي في إعادة تأكيد أنفسهم، ليس من منظورٍ مجتمعيٍّ ضيّق، لكن على أساس حياةٍ وطنيّةٍ تفاعليّة.
أودّ أخيرًا أن أقتبس هنا ما ورد في كتاب عبد الرحمن الكواكبي (١٨٤٩-١٩٠٢)، السوريّ من أصلٍ كرديّ، وهو بعنوان: «خصائص الاستبداد وزوال الاستعباد» (طُبِعَ في القاهرة عام ١٩٠٢)، عن أهميّة العلاقة الوطنيّة مقارنةً بتلك الدينيّة: «أنتم يا مَن تتكلّمون العربيّة ولستم بمسلمين، أدعوكم لتنسَوا خلافات الماضي. يجب التغلُّب على الخلاف الذي خاطه الأفراد الحاقدون … دعونا ننظِّم حياتنا معًا على الأرض، ونترك للأديان أن تتعامل مع الحياة في الآخرة. دعونا نعيش أحرارًا ومحترمين في حضن أمّتنا العربيّة».
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.