Skip to content

يجب على المسيحيين أن يواجهوا توظيف الوعد المقدس كسلاح ضد الآخرين

رابط المقال: https://milhilard.org/zklr
faresarticerns
رابط المقال: https://milhilard.org/zklr

د. فارس ابو فرحة

في جلسة استماع للجنة التعليم بمجلس النواب الأمريكي يوم 17 أبريل/نيسان حول معاداة السامية في الحرم الجامعي، استخدم النائب الأمريكي ريك ألين، وهو جمهوري من جورجيا، مقطعًا من سفر التكوين لتخويف رئيس جامعة كولومبيا، وأصر على أن الجامعات الأمريكية يجب أن تعلم طلابها “ما سيحدث جرّاء غضب الله” إذا لم يدعموا إسرائيل.

لقد اختلس ألين بشكل دنيء الأصحاح الثاني عشر من سفر التكوين، الذي يقول فيه الله لإبراهيم، الذي سيكون أبًا لبني إسرائيل، “أبارك مباركيك ولاعنك ألعنه”. وبعدها سأل آلن رئيسة الجامعة المنحدرة من أصول مصرية د. نعمت شفيق: “هل تريد أن يلعن الله جامعة كولومبيا؟” لم يكن سؤاله يعني الإدانة الإلهية ضد كولومبيا فحسب، بل تجاوز سؤاله أيضًا دوره التشريعي.

لا شك أن معاداة السامية هي تحيّز مروّع أدى إلى فظائع شنيعة. ويجب إدانتها ليس فقط في حرم الجامعات، بل أينما وجدت، وأنا أشيد بلجنة مجلس النواب على جهودها لمعالجة هذه القضية. ومع ذلك، فإنني أدين بشدة استخدام الكتاب المقدس كأداة لتشكيل سياسة الولايات المتحدة أو لقمع النقاش السياسي المتحضّر في الأوساط الأكاديمية.

عندما يدّعي المسيحيون السياسيون مثل آلن الدعم الإلهي لأيديولوجياتهم أو وجهات نظرهم، فإنهم ينخرطون فيما يمكن وصفه بالإرهاب الروحيّ، وذلك باستخدام النصوص الكتابية لبث الخوف في صفوف غير المسيحيين. وهذا يتناقض بشكل أساسي مع إيماننا المسيحيّ المقدّس.

أثناء نشأتي في الضفة الغربية، كثيرًا ما سمعت القادة الإنجيلييّن ينشرون الآيات القديمة من سفر التكوين لدعم دولة إسرائيل الحديثة. ولقد خلق هذا الخلط ارتباكًا وتشويشًا خطيرًا بالنسبة لي كفلسطيني مسيحيّ. وعلى الرغم من تعبيرهم عن المحبة للشعب اليهودي، إلا أن اقتباسهم من سفر التكوين يؤيد سياسات الدولة العلمانية التي فرضت قانونًا عسكريًا قمعيًا على عائلتي، وقيدت بشدة وصولي إلى الكنائس في القدس وغيرها من الأماكن المقدسة. منعت إسرائيل بشكل غير عادل زوجتي، المولودة في غزة، من الإقامة القانونية في الضفة الغربية، ومنعتني أنا وزوجتي من سعينا في إطلاق خدمة مسيحية في بيت لحم.

لقد تناول العديد من اللاهوتيين والعلماء المسيحيين مسألة إساءة استخدام تكوين 12: 3. ففي القراءات اللاهوتية المسيحية، تتحقق البركات الموعودة لإبراهيم من خلال ذبيحة المسيح (غلاطية 3: 14)، ويجسّد يسوع، النسل الحقيقي والوحيد لإبراهيم، التحقيق النهائي لهذه البركات. وللتمتّع بالبركات الإبراهيمية، علينا أن نلتزم بعمل المسيح الفدائي، بدلاً من دعم الاستراتيجيات الجيوسياسية بشكل أعمى.

إنّ الواقع القاسي للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية لم يمنعني من السعي لتحقيق حلمي الذي وهبه الله لي. مسترشدًا برؤية لمشاركة الإنجيل، قمت بتأسيس خدمات Levant Ministries، المكرسة لمشاركة محبة الله في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ففي 12 أبريل، بالقرب من الإسكندرية، مسقط رأس الدكتورة شفيق، خاطبت أكثر من 6000 مسيحي إنجيلي من أكثر من 300 كنيسة في جميع أنحاء مصر ودول عربية أخرى في مؤتمر الصلاة في بيت الوادي بقيادة صديقي العزيز القس د. سامح موريس.

في كلمتي، سلّطت الضوء على محنة المسيحيين في غزة، بما في ذلك أفراد عائلة زوجتي الذين ما زالوا يحتمون بالكنيسة حتى الآن. كما قمت بتعزية الأسر الفلسطينية الحزينة على الخسارة الفادحة التي راح ضحيتها أكثر من 34 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال. وعلى نحو مماثل، قدمت صلواتي إلى الضحايا اليهود الأبرياء الذين سقطوا في هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مؤكدًا على أن الغالبية العظمى من شعبنا في الشرق الأوسط ليسوا معاديين للسامية. بل على العكس تمامًا، نحن نسعى للعيش في سلام مع جيراننا اليهود والمسلمين على حد سواء، ونسعى جاهدين لضمان العدالة للجميع.

كقائد مسيحي يخدم في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإنني أسترشد بشكل أساسي بمثال الرب يسوع المسيح، الذي تحدّى باستمرار الأطر اللاهوتية المضلّلة وندّد بالإرهاب الروحي طوال خدمته الأرضيّة. ففي إنجيل لوقا، أدان يسوع فكرة الانتقام العنيف بسبب عدم الإيمان، حتى لو كانت نابعة من تلاميذه، خلال حادثة رفض فيها السامريون دخول المسيح إلى أراضيهم (ربما بدافع المشاعر المعادية للسامية).

وعندما اقترح تلميذاه يعقوب ويوحنا عقوبة مميتة – نزول نار من السماء لتأكل السامريين – وبخهم يسوع بشدة. لقد رفض بشدة أي فكرة تفرض العدالة الإلهية من خلال جهود بشريّة. وبدوره يؤكد هذا الرد على نهج يسوع في التغلّب على التحيّز والعداء من خلال المصالحة، وليس من خلال الانتقام والعنف. فإننا كأتباع للمسيح، يجب علينا أن نتبنى موقف النعمة هذا.

من المهم أن ندرك أن وعد الله لإبراهيم امتد إلى ما هو أبعد من مجرد قطعة من الأرض. فإن التلاعب بالكتاب المقدّس لدفع أجندات سياسية تحت ستار التخويف من الغضب الإلهي هو خيانة لقيمنا الأساسية الكتابية.

وبتجسيد النعمة التي أظهرها يسوع للجميع، بما في ذلك خصومه، فإننا نكرم التزامنا تجاه الله في عالم مبتلى بالعداء والصراع. هذه هي دعوتنا المقدّسة كأتباع للمسيح – وهي مسؤولية جليلة يجب علينا الوفاء بها ونحن نعيش إيماننا في عالم متألم ومتجزئ.

*************************************************************

الدكتور فارس أبو فرحة هو مؤسس وقائد خدمة الجيل التالي في أمريكا والشرق الأوسط. هدفها الأساسي هو خدمة الجيل التالي من الشباب والشابات. هو كاتب ومؤلف وحاصل على شهادة الدكتوراه في علوم القيادة الاستراتيجية والتطوير المؤسّسي. عمل فارس لحساب أكبر الشركات العالمية كمدرّب وكمستشار في عدة منظمات. د. فارس محاضر جامعي في جامعة ليبرتي في ولاية فرجينيا ومشرف أيضاً على رسائل الدكتوراه في كلية إدارة الأعمال. شغفه الأساسي هو إعداد وتطوير القادة من صفوف الجيل التالي في الشرق الأوسط وتشجيع الكنائس والمؤسسات المسيحية بكل طوائفها ومذاهبها على تتميم رسالتها. تابعه على المواقع الرقمية التالية @faresabraham

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content