السابق المدارس المسيحية في الاردن تبدع في نتائج الثانوية العامة
رابط المقال: https://milhilard.org/4rge
عدد القراءات: 553
تاريخ النشر: سبتمبر 6, 2021 6:18 م
رابط المقال: https://milhilard.org/4rge
تواجه مؤسساتنا المسيحية اليوم مشكلة عامة مشتركة نراها متكررة في الكثير من المواقع والأماكن مع اختلاف الأسلوب وتنوع المظهر، لكن المشكلة نفسها عند الجميع، فهي تكمن في موضوع الحوكمة الرشيدة.
وأبدأ هنا بالسؤال: من الذي يجب أن يكون له الحق في تحديد أهداف هذه المؤسسات المسيحية التي أغلبها منظمات غير ربحية تشمل أيضاً الجمعيات والكنائس، ومن هو صاحب القرار في تعيين أو إقالة مديريها، أوتحديد مقاييس الرواتب ومعايير التعويضات فيها، والتحكم العام في هذه المنظمات ودوائرها؟
لا يقدم أي قانون حالي أو سياسة عامة إجابات وافية على هذه الأسئلة، بل في الكثير من الأحيان، يتم التحكم في هذه المؤسسات والمنظمات غير الربحية من قبل المدير نفسه وأعضاء مجالس الإدارة أو الأمناء أو الهيئات الاستشارية والتي يتم تعيين العديد منها من قبل الإدارة نفسها!
في السنوات الأخيرة شهدت الكثير من هذه المؤسسات محاولات جدّية للتغيير وذلك من خلال ضغط الممولين لجعل هذه المؤسسات أكثر فعالية واحترافية، حيث تم تطبيق مناهج عالمية اقتُبست غالبيتها من اساليب الحوكمة العلمانية – كون مادة الحوكمة بنظرة مسيحية شحيحة نوعا ما- وتم إضفاء الطابع المسيحي المناسب لها لتكون أكثر قبولاً عند الموظفين والإداريين وأعضاء هذه المؤسسات.
لكن بالرغم من كل الجهود، تبقى مشكلة الحوكمة الرشيدة وغيابها أو تغييبها هي مشكلة رئيسية مؤلمة ومقلقة، تتكرر في عدّة مؤسسات مسيحية ولو بصورة مختلفة، وتعاني منها مؤسساتنا المسيحية في الشرق الأوسط بدون استثناء. ففكرة الحوكمة الرشيدة بعيدة كل البعد عن الكثير من مؤسساتنا المسيحية، حتى لو كنا نرى بعد المظاهر الشكلية لها من حين الى آخر، لكن لغاية يومنا هذا لم أعاين أي مؤسسة مسيحية يكون فيها المجلس الإداري أو الاستشاري خارج سيطرة المدير العام…
وأعزو السبب الى نقطتين رئيسيتين:
- في مناطقنا العربية يسود فكر “القوة والسلطة تكمن بيد من يجلب النقود”! وللأسف هذا شيء حقيقي وواقعي. لذلك نرى انه عندما يكون المدير هو من يجند الأموال ويتحكم بها، يكون هو أيضا من يتحكم بكل ما يدور في المؤسسة، إضافة الى مجالسها الإدارية وهيئاتها المختلفة، فيكون هو صاحب السلطة، ويكون هنا دور الهيئات شكلي فقط.
- العشائرية في المؤسسات المسيحية وفي الكنائس ايضاً من خلال فكرة التوريث، وايضاً العلاقة ما بين المؤسسة والمصالح الخاصة للقائد. وليس شرطا” ان يكون الموضوع هنا متعلق بالفساد المالي، لكنه مرتبط اكثر بالمحسوبيات، محاباة الأقارب، وبناء هيئات يسهل التحكم بها والالتفاف حولها. فالمجتمع البطريركي أي “الأبوية المطلقة” والمجتمع العشائري معروف مدى تأثيره على المجتمعات الشرق أوسطية منذ قرون عديدة، وهذا الفكر ما زال متغلغل في مؤسساتنا ومنظماتنا وكنائسنا ايضاً.
من وجهة نظري، النموذج الأوروبي هو من أنجع النماذج للحوكمة الرشيدة، وهو مكون من 12 بند مفصل، يا حبذا لو طبقت في مؤسساتنا المسيحية لأصبحنا في وضع أفضل مما نحن عليه اليوم، وهذه النقاط أوجزها باختصار كالتالي:
1. المشاركة، التمثيل، حسن سير الانتخابات.
2. الاستجابة السريعة.
3. الكفاءة والفعالية.
4. الانفتاح والشفافية.
5. سيادة القانون.
6. السلوك الأخلاقي.
7. التغيير والقدرة.
8. الابتكار والانفتاح على التغيير.
9. الاستدامة والتوجيه طويلة الأمد.
10. الإدارة المالية السليمة.
11. حقوق الإنسان، التنوع الثقافي، والتماسك الاجتماعي.
12. المساءلة.
في لقاء لي مع أحد أعضاء المجالس الادارية لمؤسسة مسيحية في منطقة القدس، سألته فيها عن عدد المرات التي يقوم فيها المجلس بتقييمات الإدارة أو الرئيس – أي تقييم نصف سنوي أو سنوي لرئيس المؤسسة – فكان مستغرباً من سؤالي، وكأنه يسمع بهذا الشيء لأول مرة في حياته! فشرحت له عن النموذج الأوروبي وكيف ان هذا الفكر السليم هو جزء من منظومة الحوكمة الرشيدة في أوروبا – خاصة بريطانيا، وكيف ان اغلب المؤسسات هناك تقوم بذلك. ولكن يا للأسف فإن الغالبية العظمى من مؤسساتنا لا تفعل ذلك وان فعلت لا يكون التقييم “ذو مغزى”، فنحن نعلم جميعًا ما هو التقييم “ذو المغزى”، ولكن المدهش هو عدد المجالس التي ليس لديها معايير ونماذج يقيسون على أساسها أداء رئيسهم التنفيذي، ولا يقومون بعملية تقييم رسمية، لأن السبب ببساطة أن الرئيس هو أحد أفراد العائلة أو صديق مقرب، أو شلة من أيام الزمن الجميل، أو مصالح شخصية كما ذكرنا سابقاً.
لذلك فأنا أوصي بإجراء تقييم سنوي من قبل طرف موضوعي لضمان وفاء القادة بواجباتهم الائتمانية والتزامهم برؤية المؤسسة وأهدافها وخلق مؤسسات صحية مدعومة من جميع الأفراد – من الآذن الى مدير المشاريع. كما يجب على مجلس الإدارة أيضًا تقييم نفسه، ومثل تقييم الرئيس التنفيذي، يجب أن يضع أهدافًا ومقاييساً رشيدة يُقيّم على أساسها. وكخطوة أولى، أنصح مؤسساتنا أن تجعل هذا جزءًا من تدريبها السنوي على مجالس الإدارة، وأن تجلب مستشارًا خارجيًا لديه خبرة في الحوكمة الرشيدة للقيام بذلك.
في النهاية، لا بد لي أن أعرج على الجزء الروحي من الموضوع، لأن فكر وروح المسيح يجب ان يكون مركز تكامل لمؤسساتنا المسيحية وجمعياتنا وكنائسنا بشكل خاص. فإن المؤسسة المتمركزة حول المسيح هي حركة ديناميكية تسعى دائماً للكمال، بحيث يكون:
- جميع أعضائها ملتزمون شخصيًا بيسوع المسيح وعمل الإرسالية العظمى هي هدف المؤسسة الأسمى.
- يجد جميع أعضائها معنى في حياتهم والرضى في عملهم من خلال كونهم شركاء في المؤسسة مع جميع الأعضاء الآخرين بالتساوي والعدالة للجميع.
- كل أعضائها مدفوعون بالرجاء التعويضي لرؤية إرادة الله تتحقق في العالم المعاصر وتوقع مجيئه في المجد.
أما بالنسبة لأعضاء الهيئات الإدارية والاستشارية، فيجب ان تتميز بطريقة وأسلوب متمحورة حول شخص السيد المسيح، وتكون مختلفة عن غيرها من المجالس العلمانية، فيكون:
- الإيمان المسيحي مشترك: يجب أن يكون جميع أعضاء مجلس الإدارة مسيحيين ناضجين يتبعون يسوع المسيح. هؤلاء هم الأشخاص المنخرطين في شفاعة الصلاة ويعملون بإيمان ونزاهة في كل ما يفعلونه في حياتهم الشخصية والمهنية.
- بيان الإيمان المسيحي: لدى المؤسسة المتمركزة حول المسيح بيان إيمان يدعمه جميع أعضاء مجلس الإدارة كأساس لجميع القرارات التي يتخذها المجلس أو الهيئة. توفر هذه الالتزامات الدينية القيم والإطار اللاهوتي لجميع القرارات التي يتخذها المجلس.
- زمالة ناضجة: كأعضاء في جسد المسيح، يلتزم كل عضو في الهيئة الاستشارية لمؤسسة تتمحور حول المسيح بالعناية ببعضهم البعض، والتعلم والنمو معًا، مما يخلق مناخًا للنمو الشخصي والمهني والروحي لكل موظف في المؤسسة ايضاً، وإظهار الحب لكل من يخدمونه ويكون لهم علاقة رعوية مع الموظفين في المؤسسة.
- مسؤولون أمام الله كوكلاء: أعضاء مجلس الإدارة مسؤولون أمام الله الذي يوفر السلطة المعنوية لكل ما يتم. مع إدراك أن الله يمتلك كل شيء، فإن أعضاء مجلس الإدارة يعملون ويكونون مسؤولين أمام الله. تصرفات وخطط وسياسات أعضاء مجلس الإدارة هي المسؤولة في النهاية عن عكس إرادة الله للمؤسسة. يجب أن يتذكر أعضاء مجلس الإدارة والهيئات الاستشارية أن يسوع المسيح هو ملكنا ورئيس إيماننا- إنه يرتب ويؤيد ويبارك. وعليهم ان يكونوا مستعدين لأي مواجهة في سبيل خلق كفاءة وفعالية في المؤسسات تؤدي الى حوكمة رشيدة.
في النهاية، أرغب بالتذكير أن المؤسسات، والجمعيات والكنائس هي مملوكة بالكامل لله، وليست ملك أنسان، أو قس، أو راهب، أو غيره. وأن المسؤولية الأساسية لوضع سياسات المؤسسة التي تتمحور حول المسيح تقع على عاتق أعضاء مجلس إدارتها، لذلك يُطلق على هؤلاء الأعضاء غالبًا مصطلح “أمناء” لأنهم مؤتمنون بالثقة في جميع الموارد التي منحها لهم الله. وكذلك كلمة “وكلاء” التي تتشابه في المعنى مع كلمة “أمناء” التي تعني ايضاً “صاحب المنزل” وهم الذين يديرون جميع شؤون الأسرة. هنا يجب التنويه الى أن المصطلح يميز تمييزًا واضحًا بين “الملكية” و “الإشراف”. في حين أن كل شيء يخص صاحب المنزل، فإن الوكيل لا يملك شيئًا. ومع ذلك، فإن “صاحب المنزل – المالك” اي (الله) يثق في الوكيل بإدارة كل ما لديه ويحمّل الوكيل المسؤولية عن كل ما يملك.
وهكذا هو الحال في مؤسساتنا وجمعياتنا وكنائسنا التي تتمحور حول المسيح، فإن التعريف الكتابي للوكيل يحدد دور الادارة والمجلس: مالك لا شيء، ومدير للجميع! وهذا يلخص ما يعني أن يكون المرء في موقع اداري او مجلس استشاري أو اداري لمنظمة تتمحور حول المسيح، فيلعب هذا الفكر دوراً هاما في خلق أجواء من الحوكمة الرشيدة التي نصلي أن تتدفق بقوة في مؤسساتنا – عاجلاً أم آجلاً.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.