Skip to content
Skip to content

ردًّا على ما اعتُبِرَ تدنيسًا لكنيسة البشارة- مقال: انتبهوا إلى ظاهرة التطرُّف الدّينيّ، كي لا تأكلنا الضباع

تاريخ النشر: يوليو 4, 2025 2:59 ص
الوقفة الاحتجاجية التي دعى إليها مجلس الطائفة الأرثوذكسية اثر الاعتداء على الكنيسة

الوقفة الاحتجاجية التي دعى إليها مجلس الطائفة الأرثوذكسية اثر الاعتداء على الكنيسة

قامَتْ مجموعةٌ من شباب مسيحيّين نشطَتْ مؤخرًا في الجليل وتُطلِقُ على نفسها اسم “جنود الرّبّ” بالدّخول يوم الأحد 29.6.25 مساء بلباسهم الأسود وهم يحملون علم اسرائيل ودون تنسيق إلى ساحة كنيسة البشارة للرّوم الأرثوذكس في النّاصرة. كسر الشباب قفل الباب الخارجيّ وأخذوا يقرعون جرس الكنيسة ممّا أثار المسؤولين في الكنيسة الّذين اشتكوا هذا الدّخول للسّاحة وحدثتْ مُشادّة كلاميّة بينهم وبين كاهن الرّعيّة الأب إيهاب بجالي وتمَّ طردهم من ساحة الكنيسة بحضور الشّرطة. وأصدر مجلس الطّائفة بيانًا شديد اللّهجة ضدَّ المجموعة وأجرى المسؤولون العلمانيّون والإكليروس مقابلات عديدة في وسائل الاتصال ضدَّ المجموعة ووصفوا الأمر كتدنيسٍ للكنيسة.

ملح الأرض تنشر المقال التالي حول الموضوع

البروفيسور جوني منصور- حيفا

ما جرى في النّاصرة من تعدّي عصابة منفلتة على كنيسة البشارة الأرثوذكسيّة يدعونا إلى التأمُّل قليلًا في الوضع الّذي وصلنا إليه، أو أوصلنا إليه. فالعصابة أو الجماعة الّتي تُطلِقُ على نفسها “جنود الرّبّ” مدسوسة وهذا لا ريب فيه. كما أنَّها تضمُّ في صفوفها عددًا من الشّباب الّذين يتمّ حشدهم بين الفينة والأخرى لخدمة أجندات طائفيّة وتمزيقيّة معروفة لكثيرين. لكن أين الخطورة؟ في توسُّع حضور هذه الجماعة وغيرها في سياق مجتمعنا، الّذي هو أصلًا مُفكَّك ومُفتَّت.

وكنت قد أشرت إلى هذه الجماعة في عددٍ من المقالات في السّابق عند وقوع حادثة دير مار الياس في ستيلا ماريس بحيفا قبل سنتين. حيثُ ظهرت هذه الجماعة بأعلامها وبلوزاتها السّوداء الّتي تحمل شعاراتها وسيّارات دفع رباعي عليها صلبان خشبيّة كبيرة.

وللأسف لم ينتبه رجال الدّين المسيحيّين في حينه إلى خطورة حضور هذه الجماعة، بالرّغم من أنَّني نبَّهت ولفتت النّظر. قمت في حينه بالتّحقيق الاستقصائيّ حول تكوين هذه الجماعة، وتوصَّلت إلى بعض النتائج الّتي تفيد أنَّهم شباب من عدد من قرى الجليل وبعض الشّباب من القدس.

الوقفة الاحتجاجيّة الّتي دعى إليها مجلس الطائفة الأرثوذكسيّة إثر الاعتداء على الكنيسة

كلُّهم يرفض انتمائه القوميّ والوطنيّ. ومعظمهم يؤيّدون التّجنيد في الجيش. ويسود لديهم الاعتقاد بأنَّهم مُهدَّدون من بيئتهم وأنَّ مستقبلهم سوداويّ، ولن يقفوا مكتوفيّ الأيدي بل يريدون غطاء يحميهم، ووجدوه في الحكومة وأذرعها. وبناءً عليه، يتحرَّكون بواسطة أوامر عُليا تنسيقيّة بينهم وبين وكلاء الحكومة. وبناءً عليه، يتوجَّبُ على قيادات مُجتمعنا السّياسيّة والدّينيّة والاجتماعيّة الانتباه جيّدًا إلى هذه الجماعة كي لا تتحوّل إلى ظاهرة تنتشر بسرعة في أجواء حسّاسة تسود الوطن خاصّةً والإقليم عامّةً.

وما حصل في كنيسة مار الياس في دمشق من عملٍ إجراميّ إرهابيّ استنكرته كلُّ الأطراف السّوريّة والعربيّة والإسلاميّة والمسيحيّة والعالميّة، ترك أثرًا عند بعض الشّرائح المسيحيّة في سوريا أوّلًا وفي فلسطين ثانيًا. وما قامت به هذه الجماعة في الناصرة مرفوض جملة وتفصيلًا. وعلى القيادات المُختلفة جزّ هذه الأعشاب الضالّة بسرعة والبحث عن أُطرٍ لرعاية الشّباب والفتيان كي لا يقعوا فريسةً بين أنياب هؤلاء. ودراسة كلّ السُّبل الّتي تعمل على بناء جسور العيش المُشترك الواحد والوحيد بين أبناء شعبنا الّذي يتعرَّض إلى القمع والقهر والاضطهاد والظُّلم والتّرحيل والقتل والجريمة والعنف…

معًا، وفقط معًا يُمكننا الحفاظ على حضورنا وبقائنا في أرضنا ووطننا الّذي جمع ويجمع أبناء الشّعب الواحد ذي التعدُّديّة الثقافيّة والدّينيّة والاجتماعيّة. فلننتبه إلى هذا الأمر، “كي لا تأكلنا الضباع”، كما قالها الأديب الرّاحل سلمان ناطور.

  • البورفيسور جوني منصور مؤرّخ وباحث ومحاضر أكاديميّ وُلِدَ في مدينة حيفا في فلسطين المحتلّة عام 1960. يعمل في حقل التربية والتّعليم مُنذ 35 عاماً،.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment