Skip to content
Skip to content

السّفير الأمريكيّ لدى إسرائيل “مايك هاكابي” يُظهر خطورة خلط اللّاهوت بالسّياسة – مقال في نيوزويك

تاريخ النشر: أبريل 21, 2025 10:26 ص
mike-huckabee++

نشرَتْ مجلّة نيوزويك الأمريكيّة مقالًا بارزًا للدّكتور فارس إبراهيم أبو فرحة بعنوان “السّفير الأمريكيّ لدى إسرائيل “مايك هاكابي” يُظهر خطورة خلط اللّاهوت بالسّياسة”، حيث يُسلِّطُ الضوء على التحدّيات الّتي تنشأ عندما تتداخل المُعتقدات الدّينيّة مع السّياسات الخارجيّة، خاصّةً في سياق تعيّين مايك هاكابي سفيرًا للولايات المُتّحدة في إسرائيل.​

في مقاله، يُحذِّرُ الدّكتور أبو فرحة من أنَّ هذا التّداخل قد يؤدّي إلى تهميش المُعاناة الإنسانيّة على أنَّها ضرورة نبويّة وتقويض فرص السّلام في المنطقة. كما يُبرز كيف أنَّ بعض التّفسيرات اللّاهوتيّة قد تُستخدم لتبرير سياسات تتعارض مع مبادئ الكتاب المُقدّس وتناقض رسالة يسوع المسيح الّتي مركزها العدالة والرّحمة والسّلام.​

للاطلاع على المقال الكامل، يمكنكم زيارة الرابط هنا :

السّفير الأمريكيّ لدى إسرائيل “مايك هاكابي” يُظهر خطورة خلط اللّاهوت بالسّياسة

ق. د. فارس إبراهيم أبو فرحة

شدّد مايك هاكابي، خلال جلسة الاستماع لتعيينه سفيرًا للولايات المُتّحدة في إسرائيل الشّهر الماضي، على أنَّه “سينفِّذُ أولويّات الرّئيس ترامب، لا أولويّاته الشّخصيّة”، في إشارةٍ إلى أنَّ آراءه الشّخصيّة لن تؤثِّر على دوره الدّبلوماسيّ.

نأمل أنْ يكون ذلك صحيحًا. فعلى الرّغم من محاولة هاكابي عدم التطرُّق لتصريحاته السّابقة بشأن سياسات الشّرق الأوسط، فإنَّ تلك التّصريحات تعكس آراء سياسيّة ولاهوتيّة تنزع الإنسانيّة عن الفلسطينيّين وتُهين الشّعب اليهوديّ في نهاية المطاف. ومع ذلك، صادق عليه مجلس الشّيوخ يوم الأربعاء 10 نيسان الماضي، ممّا يضمن أنَّ أيديولوجيّته ستساهم في تشكيل السيّاسة الخارجيّة الأمريكيّة في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا.

أنا أمريكيّ من أصول فلسطينيّة، وقد خدمتُ كخادمٍ إنجيليّ لأكثر من عشرين عامًا في الولايات المُتّحدة والشّرق الأوسط، مُلتزمًا برسالة الإنجيل، ومُتجذِّرًا في القيم المُحافِظة، وأسيرُ جنبًا إلى جنب مع المؤمنين المسيحيّين من جميع الخلفيّات. لقد رأيتُ ما يحدث عندما تختطف الأيديولوجيا اللّاهوت المسيحيّ: يختفي التّعاطُف، وتُستبعد العدالة، وتُجرَّد الشّعوب من إنسانيّتها.

إنَّ الولايات المُتّحدة تلعبُ دورًا حيويًّا في تعزيز الاستقرار والعدالة والسّلام في الشّرق الأوسط. ولهذا السّبب أجد تعيين مايك هاكابي سفيرًا لإسرائيل أمرًا مُقلقًا للغاية.

رؤية السّفير الجديد لا تُقدِّم أيّ أمل لملايّين الفلسطينيّين، بما في ذلك المُجتمعات المسيحيّة في بيت لحم وأماكن أُخرى في الضفّة الغربيّة، وفي غزّة، وفي القدس الشّرقيّة، الّذين عاشوا في هذه الأرض مُنذ زمن المسيح. ذلك يمسّني بشكلٍ شخصيّ. فإنَّ عائلتي تعيش في محافظة بيت لحم، وعائلة زوجتي لا تزال إلى الآن في غزّة، حيثُ يواصلون المُعاناة تحت العدوان العسكريّ الإسرائيليّ.

على مرّ السّنين، أنكر السيّد هاكابي وجود الشّعب الفلسطينيّ، واصفًا إيّاهم بـ”أداة سياسيّة لمُحاولة انتزاع الأرض من إسرائيل”. وقد رفض مفاهيم الاحتلال والاستيطان، وأنكر شرعيّة الدّولة الفلسطينيّة، وصرَّح ذات مرّة قائلًا: “لا يُوجد شيء اسمه فلسطينيّ”. وفي مُناسبةٍ أُخرى قال: “لا يوجد شيء اسمه الضفّة الغربيّة – إنّها يهودا والسّامرة”، في إشارةٍ إلى الأسماء المذكروة في الكتاب المُقدّس والّتي يفضّلُها اليمين الإسرائيليّ.

هذه ليسَتْ كلمات شخص دبلوماسيّ. إنّها تعكس تجاهلًا للقانون الدوليّ والإجماع العالميّ، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن 242 و4332، الّتي تؤكِّدُ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، وتُعتبر المُستوطنات الإسرائيليّة انتهاكًا صارخًا للقانون الدوليّ.

ما يدعم تصريحات السيد هاكابي هو تيّار من المسيحيّة الصهيونيّة مُتجذِّر في إطار لاهوتيّ من القرن التّاسع عشر يُعرف باسم “الحقبات التدبيريّة” (Dispensationalism) — وهو نظام مُعتقدات يُفسِّر الأحداث المُعاصرة في إسرائيل كعلامات على اقتراب تحقُّق النبوءات الكتابيّة.

لقد شاع هذا اللّاهوت من خلال “كتاب سكوفيلد المرجعيّ” عام 1909، ومن خلال الميديا المسيحيّة المُعاصرة، حيث يرى هذا اللّاهوت أنَّ قيام دولة إسرائيل عام 1948 ليس تعبيرًا عن تقرير المصير اليهوديّ، بل علامةً نبويّةً على اقتراب نهاية العالم، الّتي سيشهد ضيقة عالميّة عظيمة، وارتداد اليهود للمسيحيّة، وعودة المسيح ليحكم من أورشليم.

إنَّ المُشكلة ليسَتْ في النّصوص المُقدّسة، ولا حتّى في تفسيرها، بل في الطريقة الّتي تُحرَّف بها لتبرير سياسات تتناقض مع رسالة المسيحيّة الأساسيّة: رسالة إنجيل السّلام. – القسّ فارس أبو فرحة

في برنامجه “هاكابي توداي”، أعرب السيّد هاكابي عن حماسه لكتاب ماكس لوكادو الجديد عن نهاية الأيّام، والّذي يُعرض الجدول الزّمني لنظريّة التّدبيريّة. وفي مقابلةٍ مع شبكة CBN، حذّر لوكادو من أنْ “ستكون هُناك ضيقات على الأرض في دولة إسرائيل” خلال تلكَ الفترة. وقد أشاد هاكابي بمحتوى الكتاب واعتبره “خدمة عظيمة” للمسيحيّين.

هذا ليسَ مُجرَّد اعتقاد هامشيّ لدى هاكابي – بل هو أساسيّ في تفسيره لدور إسرائيل الحديث. لقد وصف نمو إسرائيل بأنَّه “بث الحياة لآيات الكتاب المُقدّس”، وصرَّح بأنَّ “الله أعطى [إسرائيل] للشّعب اليهوديّ قبل 3500 عام”، ووصف الدّولة الحديثة بأنَّها “تحقيق حرفيّ للنبوءات الكتابيّة”.

تعكس هذه المُعتقدات إيمانًا بأنَّ السّياسات الإسرائيليّة المُعاصرة تُحقّق النّبوءات الكتابيّة — وهو ما يفسِّر تجاهله لوجود الفلسطينيّين ومُعاناتهم.

في جلسة تثبيته، صرّح مايك هاكابي قائلاً: “[نحن الشّعب الأمريكيّ والشّعب الإسرائيليّ] في نهاية المطاف أهل الكتاب. نحن نؤمن بالكتاب المُقدّس. ولذلك، فإنَّ هذا الرابط بيننا ليس جيوسياسيًّا فحسب، بل هو أيضًا روحيّ.” إنَّ هذه العبارة تكشف عن رؤيةٍ للعالم تساوي بين إسرائيل الحديثة وإسرائيل الكتابيّة، وترى أنَّ سياسات الدّولة المُعاصِرة مفروضة من السّماء، بتكليفٍ إلهيّ.

هذا النّهج يطمس التعدديّة داخل المُجتمع اليهوديّ والإسرائيليّ، ويروّج لسياسات الدّولة باعتبارها تحقيقًا للنبوءات. إنَّ المُشكلة ليسَتْ في النّصوص المُقدّسة، ولا حتّى في تفسيرها، بل في الطّريقة الّتي تُحرّف بها لتبرير سياسات تتناقض مع رسالة المسيحيّة الأساسيّة: رسالة إنجيل السّلام. بالنّسبة للمسيحيّين الفلسطينيّين أمثال عائلتي، فإنَّ هذا اللّاهوت المسيّس لا يشوّه الإنجيل فحسب، بل يجعله موجهًا ضدّنا.

قد يُستخدم هذا السّرد لغة المحبّة المسيحيّة لإسرائيل، لكنّه يختزل الهويّة اليهوديّة إلى دورٍ نبويّ في سيناريو نهاية العالم. وفي جوهره، لا يُكرّم الشّعب اليهوديّ، ولا يعترف بغنى التُّراث اليهوديّ، مهما ارتفعتِ الأعلام الإسرائيليّة باسمه. بل إنَّه يُلقي بهم — ومعهم الآخرون — كلاعبين في قصّة لاهوتيّة تُقدّم “تحقيق النبوة” على حساب الكرامة الإنسانيّة ودعوة الإنجيل للمحبّة والسّلام.

وعلى الرّغم من أنَّ قلّة من المسيحيّين يؤمنون بهذا اللّاهوت، إلّا أنَّه لا يزال تيّارًا قويًّا في المسيحيّة الإنجيليّة الأمريكيّة.

أشارَ المؤرِّخ الأمريكيّ دانيال هامل إلى أنَّ دعم هاكابي غير المشروط لإسرائيل مًتجذِّر بعمقٍ في فهمه لنهاية الزّمان. وكما حذّر الحاخام يونان بيسنر في رسالة إلى مجلس الشيوخ، فإنَّ أيديولوجيّة السيّد هاكابي “تدّعي محبّة لإسرائيل تنبع من الإيمان بأنَّ السّيادة اليهوديّة على أرض إسرائيل الكتابيّة ستُعجّل بعودة يسوع المسيح ثانية”.

من المُهم إدراك أنَّ المسيحيّين الأمناء يحملون طيفًا واسعًا من الآراء حول نهاية الزمان، غالبًا ما تتشكَّل بدافع إخلاصهم للكتاب المُقدَّس. لكن أيًّا كانَتِ التّفسيرات، لا يُمكننا تجاهل الواقع القائم على الأرض للفلسطينيّين: عقود من الاحتلال، والتّهجير، والمُعاناة. لا يُوجد سيناريو لنهاية الزّمان — مهما كان مُخلصًا — يُبرر التّغاضي عن الظّلم. ولهذا السّبب انضممت إلى قادة إنجيليّين بارزين في الشّرق الأوسط لإصدار “دعوة جماعيّة” نُناشد فيها الكنيسة العالميّة أنْ تُنصَتْ لأصوات المسيحيّين في المنطقة وتسعى نحو السّلام.

غزّة تواجه كارثةً إنسانيّةً بشعة: مجاعة، مُستشفيات منهارة، وأطفال يُجرى لهم عمليّات جراحيّة دون مُسكِّنات. وبحسب مُنظّمة اليونيسف، قُتل أكثر من 15,000 طفل منذ 7 أكتوبر 2023، ونزح قرابة مليون طفل. إنَّ صمت السيّد هاكابي وعدم تعبيره بأيّ كلمة تعاطُف يكشف التّكلفة الأخلاقيّة للّاهوت مُضلّل مُتزاوج مع ولاء سياسي أعمى — أيديولوجية تُقدِّس المعاناة بدلًا من أنْ تنهض بالدبلوماسيّة إلى مُستواها المُشرّف والسّعي نحو السّلام.

إنَّ قوّة الولايات المُتحدّة الأمريكيّة في الشّرق الأوسط تكمن في تعزيز العدالة، والاحترام المُتبادل، والازدهار الدّائم لكلِّ شعوبه. فنحنُ بحاجة إلى سفير يدخل إلى المُفاوضات مؤمنًا بأنَّ السّلام مُمكن — حتّى وإنْ كان صعبًا، حتّى وإنْ استغرق عقودًا. نحنُ بحاجة إلى صانع سلام، لا مُروِّج لحروب لا تنتهي. أمّا تعيين مايك هاكابي فقد بعث برسالةٍ مُعاكسةٍ: أنْ الدّبلوماسيّة الأمريكيّة لم تعدْ قائمةً على الحقّ أو الرّحمة، بل على أيديولوجيّا تتخفّى بثياب الإيمان. دور السّفير هو بناء الجسور — لا التعجيل في نهاية العالم.

الدّكتور فارس إبراهيم أبو فرحة هو مُفكِّر فلسطينيّ-أمريكيّ ومؤسِّس وقائد خدمة الجيل التّالي. وُلد ونشأ في مدينة بيت ساحور، ويقود اليوم عدّة مُبادرات شبابيّة في أنحاء الشّرق الأوسط لتعزيز الشّهادة للإنجيل والتّرويج للسّلام.
تابعوه على إنستغرام: @faresabraham

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment