Skip to content
Skip to content

تفجير كنيسة دمشق: يجب ألّا تنتهي هذه المأساة بالحزن فحسب، بل لتكن دعوةً للعمل

تاريخ النشر: يونيو 25, 2025 8:43 ص
Screenshot 2025-06-25 084011

داود كتّاب
24 يونيو 2025

ترجمة مقال تمَّ نشره على موقع RNS

يُعدّ التفجير الانتحاريّ الّذي استهدف كنيسة مار إلياس للرّوم الأرثوذكس في دمشق، والّذي أودى بحياة أكثر من 20 مُصلّيًا يوم الأحّد (22 يونيو) وأصاب العشرات، تذكيرًا مأساويًا بهشاشة الطّوائف الدّينيّة في سوريا في ظلِّ وضعٍ أمنيّ هشّ. دخل المهاجم الكنيسة خلال قدّاس الأحّد، وأطلق النّار، ثمَّ فجّر قنبلةً مربوطةً بجسده. ربطته السُّلطات السوريّة بخلية نائمة تابعة لتنظيم الدّولة الإسلاميّة (داعش).

في أعقاب ذلك، ووفقًا للتلفزيون السّوريّ، داهمت قوّات الأمن مخابئ يُشتبه بأنّها تابعة لداعش، ممّا أسفر عن مقتل مُسلّحَين اثنين -أحّدهما المُسيّر المُشتبه به- واعتقال ستة آخرين، من بينهم قائد الخليّة. تواجه الحكومة المؤقّتة، بقيادة الرّئيس أحمد الشرع، الآن اختبارًا حاسمًا لقدرتها على حماية الطوائف السوريّة المتنوّعة، وفي الوقت نفسه إعادة بناء المؤسّسات المنهارة في دولة تعاني من انقسامات عميقة.

لا ينبغي النّظر إلى هذا الهجوم بمعزلٍ عن الأحداث الأخرى. يعكس هذا الهجوم استراتيجيّة أوسع نطاقًا تتبنّاها داعش وبقاياها لإعادة إشعال التّوتّرات الطائفيّة وزعزعة استقرار التّعدُّديّة الهشّة في سوريا. لطالما استُهدِفَ المسيحيّون والعلويّون والدّروز وغيرهم من الجماعات من قِبَل هؤلاء المُتطرّفين. ولن يكفي الردّ المُقتصر على الغارات التّفاعليّة. ما تحتاجه سوريا الآن هو استراتيجيّة وطنيّة شاملة ترتكز على العدالة والمساواة في المواطنة وسيادة القانون.

وقد استجاب القادة الدّينيّون والسّياسيّون من الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا نفسها بصوتٍ قويّ وموحّد. ووصف بطريرك القدس للرّوم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثّالث التفجير بأنَّه “جرحٌ نازفٌ في كرامة البشريّة جمعاء”. ودعا مجلس كنائس الشّرق الأوسط وبطريركيّة أنطاكية للرّوم الأرثوذكس السُّلطات السوريّة إلى ضمان سلامة الأقلّيّات الدّينيّة ودعم حقّها في العبادة بسلام.

وأدانتْ وزارة الخارجيّة الأردنيّة بشدّة الهجوم، مؤكّدةً تضامنها الكامل مع سوريا. وأكَّد السّفير سفيان القضاة رفض الأردن لجميع الأعمال الإرهابيّة الّتي تُهدِّد الاستقرار الإقليميّ. وصفَتِ الهيئة الإسلاميّة المسيحيّة لنُصرة القدس والمُقدّسات هذا التّفجير بأنّه جزء من أجندات عدائيّة تهدف إلى تفكيك الوحدة الإسلاميّة المسيحيّة، المُتجذّرة في تاريخ سوريا.

أدان البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الرّاعي العنف ضدَّ دور العبادة، ودعا إلى بذل جهود داخليّة ودوليّة لتعزيز السّلام والحوار والاحترام المُتبادل. وحذّر من أنَّ هجمات كهذه تُهدِّدُ بمحو قرون من التّعدّديّة الإقليميّة والتُّراث الثّقافيّ.

تعكس هذه المخاوف قلقًا أعمق بشأن الهجرة الجماعيّة المُستمرّة للمسيحيّين من الشّرق الأوسط. لقد دمَّرَتْ عقود من الحرب والاحتلال والطائفيّة مُجتمعات مسيحيّة تاريخيّة. من الحرب الأهليّة في لبنان والغزو الأمريكيّ للعراق إلى الاحتلال المُطوَّل للأراضي الفلسطينيّة، يقترب عدد المسيحيّين في مهد المسيحيّة من الانهيار. وعلى الرّغم من جهود القادة الدّينيّين والمدنيّين لوقف هذا المد، فإنَّ الهجرة -مدفوعة بانعدام الأمن وفرص العمل في الخارج- مستمرّة في الارتفاع. وتشهد المُجتمعات المسيحيّة العربيّة في أمريكا الشّماليّة وأوروبا وأستراليا نموًّا سريعًا.

ومع ذلك، ثمّة نماذج تبعث على الأمل. ففي الأردن وفلسطين ، يتجاوز تمثيل المسيحيّين في البرلمان والهيئات الحكوميّة المحلّيّة نسبتهم الديموغرافيّة. ويتقدَّم المسيحيّون العرب في مجالات الأعمال والتّعليم والمهن. وفي الضفّة الغربيّة، تُعدّ المُنظّمات التّابعة للمسيحيّين ثالث أكبر جهة توظيف، حيث تُساهم مُساهمة فعّالة في الرعاية الصحّيّة والتّعليم والاقتصاد.

تُعدّ جامعات مثل الجامعة الأمريكيّة في بيروت وبيرزيت وبيت لحم، الّتي أسَّستها كنائس وعائلات مسيحيّة، رموزًا راسخة للاستثمار المسيحيّ في المعرفة وبناء الأوطان. ويواصل روّاد الأعمال المسيحيّون تشكيل الاقتصادات العربيّة من خلال ريادتهم في القطّاع المصرفيّ والتّجارة والصّناعة.

إنَّ تفجير كنيسة مار إلياس ليس مجرّد عمل طائفيّ، بل هو اختبار لإنسانيّتنا المُشتركة، وصمودنا الإقليميّ، وعزيمتنا الأخلاقيّة. يجب ألّا يزرع الخوف أو الانقسام، بل أنْ يُلهم التزامًا متجددًا بالوحدة والتّعايش.

يجب على الحكومات والمُجتمع المدنيّ تجاوز اللّفتات الرمزيّة. فالأمن الحقيقيّ والعدالة المُنصفة والتّضامن الصّادق بين الأديان أمور أساسيّة. داعش يتغذّى على الانقسام؛ وواجبنا هو حرمان داعش من هذا السّلاح. يجب حماية كلّ مكان عبادة، وكلّ حياة فيه.

وكما ذكر المجمع الإنجيليّ الأردنيّ: “إنَّ استهداف المسيحيّين، أو أي جماعة دينيّة، يُقوِّض نسيج مُجتمعاتنا ورسالة السّلام الجوهريّة الّتي تسعى الأديان، وخاصّةً المسيحيّة، إلى إعلائها”.

يجب ألّا تنتهي هذه المأساة بالحزن فحسب، بل لتكن دعوةً للعمل.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment