
السابق نشطاء مسيحيّون في الدّاخل يفضحون موقف الحكومة الإسرائيليّة من الغياب عن جنازة البابا – من نشرة ملح الأرض رقم 176
ملح الأرض – ليث حبش
في زمنٍ تُقصَفُ فيه الحقائق كما تُقصَفُ البيوت، وتُخنق فيه الكلمة كما يُخنَقُ الهواء، تأتي عظة فلسطينيّة كُتبَتْ تحتَ ظلِّ الحرب لتدوّي على منابر العالم، لا بوصفها نصًّا دينيًّا فحسب، بل شهادةً حيّةً على صراع الإنسان من أجل كرامته وحقِّهِ في الحياة.
في مقابلةٍ خاصّةٍ مع “ملح الأرض“، يفتح لنا الأستاذ يوسف ضاهر، مُنسِّق مكتب الاتصال التابع لمجلس الكنائس العالميّ في القدس، قلبه وقلمه، مُتحدِّثًا عن جذور العظة الّتي خطّها العام الماضي بناءً على دعوةٍ من كنيسة المينونايت وجامعة هامبورغ، قبل أنْ يتمَّ اختيارها كأفضل عظّةٍ دوليّة للعام.
يقول ضاهر: “عندما طلبوا منّي أنْ أشارك في المسابقة، لم أكُنْ أفكِّر بجائزة، كان قلبي في جباليا، كنّا نتواصل بشكلٍ يوميّ مع أصدقاءٍ في غزّة، وكنّا نشعر بالخجل من سلامِنا المؤقَّت أمام جحيمهم الدّائم في تلك اللّحظات، تذكَّرتْ النصَّ المُقدّس عن هروب العائلة المُقدّسة إلى مصر، وتساءلتُ: إذا كان المسيح، وهو ملك المجد، قد هرب من بطش هيرودس، فما العيب في أنْ يهرب الفلسطينيّ اليوم من جحيم الاحتلال والموت؟”
العظة بعنوان “الهروب إلى مصر والعودة منها” تنطلق من نصّ إنجيل متّى (2:13–16) الّذي يروي فرار يوسف ومريم والطّفل يسوع إلى مصر هربًا من مجزرة هيرودس، لكن في تفسير ضاهر، تتجاوز القصّة سياقها الزمنيّ لتُصبِحَ مرآةً لمعاناة اللّاجئين اليوم، خاصّةً الفلسطينيّين المسيحيّين الّذين يجدون أنفسهم مُمزَّقين بين الصّمود والموت، أو النّزوح والنّجاة.
ويتابع “الهروب ليسَ خيانةً، والصمود أحيانًا يصبح انتحارًا، الهروب قد يكون فعل حكمة مؤقّت، ووسيلة للنّجاة من أجل مُستقبل أكثر رسوخًا ولكن كما أنَّ المسيح عاد، فإنَّ العودة تظلُّ هدفًا وأملًا يجب ألّا نغفله، لقد عاد إلى وطنه، إلى رسالته، إلى موته وقيامته هناك… هذا درسٌ لنا جميعًا: أنَّ الهروب لا يلغي الحقّ في العودة، بل يؤكِّده.”
في العظة، يُحذِّر ضاهر من أنَّ اللّجوء لا يجب أن يُعامَل كحلٍّ دائمٍ، داعيًا الكنائس العالميّة، خاصّةً تلك الّتي تُمثِّلُ الأغلبية المسيحيّة، إلى أنْ تلعب دورًا أخلاقيًّا ونبويًّا في تمكين اللّاجئين من العودة، لا فقط عبر الدّعم الإنسانيّ، بل عبر الضغط من أجل إنهاء الاحتلال والظُّلم والخوف.
ويضيف: “علينا نحن المسيحيّين، في العالم وفي فلسطين، أنْ نكون شهودًا على الحقِّ، لا شهود زورٍ، لا يكفي أنْ نُعزّي اللّاجئ، علينا أنْ نُرافِقَه في طريق العودة، ونرفع صوتنا ضدَّ هيرودس هذا الزّمان.”
العودة إلى الجذور
ويختتم حديثه لـ ملح الأرض بشكرٍ عميقٍ لما يُسمِّيه “نعمة الصمود”: “أنا أبٌ وجَدّ، وأشكر الله أنَّني لم أُجبَرْ على النّزوح وأشكره على نعمة التّفكير بغيري، هذه العظة ليسَتْ فقط عن الماضي، بل عن واقع اليوم في غزّة، عن كلِّ أمِّ فلسطينيّة تهرب بطفلها من القصف، إنَّهم يعيشون الإنجيل بأجسادهم… ولذا فإنَّ العودة ليسَتْ فقط جغرافيّة، بل نبويّة، تحمل معنى القيامة نفسها.”
وفي تصريحٍ خاصٍّ لـ ملح الأرض، قال الأستاذ عمر حرامي “اليوم، يبدو أنَّ الوقوف مع الحقِّ أمرٌ مثيرٌ للجدل ومُزعجٌ للكثير من أصحاب السُّلطة نحنُ نعيش في زمنٍ يشهد إبادةً جماعيّةً، وحروبًا، وفوضى، وغيابًا شبه تامٍّ للحرّيّة، هذا ليسَ وقتُ الجوائز أو الاحتفالات إنَّه وقت العمل.”
وتابع حرامي، في موقفٍ واضحٍ يرفضُ فيه التّواطؤ مع القوى المُتسبِّبة في المأساة الفلسطينيّة: “بسبب الحرب، واشتراك أمريكا في حرب الإبادة على شعبنا الفلسطينيّ، أنا أرفض السّفر إلى أمريكا، وسأبقى هنا في فلسطين سأقدِّمُ كلمتي عبر الإنترنت، ويستلم أصدقاء مركز السبيل في أمريكا الجائزة نيابةً عنّي.”
وأكّد حرامي أنَّ الجائزة ليسَتْ له، بل لكلِّ فلسطينيّ: “المُقاومة السّلميّة والصّمود ليسا جديدين على الشّعب الفلسطينيّ. لقد مارسناهما طوال حياتنا، معظم الانتفاضة الأولى كانت سلميّة، وغالبية المُقاومة الفلسطينيّة عبر التّاريخ كانت غير عنيفة هذه الجائزة هي لشعب فلسطين. هم قدوتنا في السّلميّة والمُقاومة. نحنُ فقط نُردّد تعاليمهم.”
وختم حرامي تصريحه مُشيرًا إلى الدّور العالميّ لمركز السّبيل: “يتركَّز عملنا على تثقيف إخوتنا وأخواتنا في المسيح حول العالم، وخاصّةً في أوروبا والولايات المُتّحدة وكندا، بشأن رواية شعبنا وأرضنا، نشاركهم الواقع على الأرض لرفع الوعي، وتمكين المواطنين حول العالم من التّأثير على حكوماتهم من أجل تحقيق العدالة، والالتزام بالقانون الدوليّ وحقوق الإنسان من خلال الكتابة، وتنظيم المؤتمرات، والوفود إلى القدس، نتيح للنّاس فرصةً أنْ يروا بأعينهم الواقع الّذي نعيشه.”
وفي ضوء هذا التّكريم، عبَّرتْ كايروس فلسطين عن فخرها العميق بعضوي مجلس إدارتها، مؤكِّدةً أنَّ صوتيهما يمثِّلان امتدادًا للرّسالة النبويّة في الدّفاع عن الحقّ، وأنّ جهودهما هي نداء مُستمرّ من أجل الكرامة والسّلام، مُتجذّر في الإيمان، ومُوجّه بالمحبّة.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!