السابق Cardinal Pizzaballa’s visits are providing a road map for Christian leadership
رابط المقال: https://milhilard.org/bfms
عدد القراءات: 551
تاريخ النشر: مارس 19, 2024 7:28 م
دمار الكنيسة في غزة والقسيس فارس ابو فرحة
رابط المقال: https://milhilard.org/bfms
الدكتور القس فارس أبو فرحة*
لقد عدت مؤخرا إلى الولايات المتحدة بعد أن أكملت جولة في الشرق الأوسط، شملت زيارات إلى فلسطين والأردن ومصر، ركزت أساسا على قيادة خدمة الصلاة من أجل السلام في وطني الحبيب. وكانت الجولة الى حد كبير عنصرا حاسما في عمل خدمتي المستمر في المنطقة. في كل مكان تقريبا ذهبنا إليه، أثناء اجتماعات الصلاة في بيت لحم وعمان والإسكندرية، واجهنا رفقائنا العرب المسيحيين بسؤال مستمر: أين تقف الكنيسة، وخاصة في الغرب، ردا على الظلم والمجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني البريء؟
أنا مسيحي فلسطيني أمريكي ولدت ونشأت في بيت ساحور، وزوجي ولدت وترعرعت في غزة. وكلانا يدعو إلى السلام، واسرتنا المحبة التي لا تزال تقيم في الضفة الغربية وغزة تشاركنا بنفس الموقف المؤيد للسلام الذي يشاطره الملايين من الفلسطينيين.
لقد كان من الصعب مواجهة هذه المسألة، مع العلم تماما أنه في حين توجد آراء مختلفة في معظم الكنائس الأمريكية والغربية، فإن مجموعة كبيرة إما لا تزال غير مبالية أو أنها تدعم بدون شروط دولة إسرائيل والعديد من سياساتها اللاإنسانية. بالإضافة الى هذا الاذى فقد استخدم بعض القادة المسيحيين الكتاب المقدس لتبرير الحرب في غزة وترشيدها، كما لو كانت صراعا بين اسرائيل المؤسسة على الكتاب المقدس وأعداء الله. وذهب البعض إلى حد تشجيع الأيديولوجيات السياسية وإخفائها بلغة الكتاب المقدس. وعلاوة على ذلك، فقد رفض البعض صراحة أصوات الفلسطينيين المسيحيين و شوهوا سمعتهم.
بيد أن الاجتماع الذي عقد مؤخرا بين رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي والقسيس الفلسطيني منذر إسحق كان بمثابة تغيير ملحوظ، حيث رفض رئيس الأساقفة في البداية اجتماعا أثناء زيارة إسحق للندن في شباط/فبراير، ولكنه دخل فيما بعد في حوار. وأظهر هذا التحول رغبة إيجابية من جانب رئيس الأساقفة في معالجة اهتمامات المسيحيين الفلسطينيين فيما يتعلق بالسلام والعدالة والحرب في غزة. وكان اللقاء رمزاً خطوة نحو تعزيز التفاهم والاعتراف بالتحديات الأليمة التي يواجهها الفلسطينيون بصفة عامة والمسيحيون الفلسطينيون بصفة خاصة.
فاللامبالاة ليست خيارا. كَمَا أَنَّنَا كَمَسِيحِيِّينَ، لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَبْقَى صَامِتَينَ فِي وَجْهِ كُلِّ غَضَبٍ. وسيُنظر الى صمتنا على أنه تواطؤ، وخصوصا من جانب الذين نسعى الى نيل محبة ورجاء يسوع المسيح.
إن معاداة السامية شر محض، والمسيحيين، يجب أن نكافحها ونندد بها. بيد أن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، خلافا للتصورات الخاطئة في الكنيسة الغربية وفي بعض وسائط الإعلام، ليس صراعا دينيا، بل نزاعا سياسيا معقدا متجذرا في انتهاكات حقوق الإنسان وعقود من الظلم. وإنني أؤمن بحق إسرائيل في الوجود والعيش بأمان، وأؤيد بالتأكيد حق شعبنا الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة قابلة للحياة. ولكن يجب علينا أن نرفض العنف وسفك الدماء وأعمال الإرهاب من أي جهة.
ولهذه الأسباب، يتحتم على المسيحيين أن يتكلموا بلا تحفظ ضد جميع أشكال الظلم، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي. واتخاذ موقف مبدئي ضد القمع والتمييز هو جوهر التعاليم المؤسسة على الكتاب المقدس والرسالة المسيحية.
لقد واجهت العديد من المشاق والآلام كفلسطيني من الاحتلال الاسرائيلي. أطلقت النار على أمي أمام منزلنا في بيت ساحور بينما كانت تحاول أن تقودنا إلى الأمان عندما كان الجنود الإسرائيليون يقتربون من المنطقة التي كنا نعيش فيها. كما تم اعتقال والدي، الذي آمن باللاعنف ورفض دفع الضرائب كجزء من حملة” لا ضرائب بدون تمثيل “في الانتفاضة الأولى، وصادر الجيش الإسرائيلي جميع ممتلكاتنا. كما وقد أطلق مستوطن إسرائيلي النار على صديق طفولتي سلام مصلح وقتله عندما كان في الرابعة عشرة من عمره. ولكن رغم كل الأعمال العدائية التي تحملتها عائلتي، اخترنا أن نستجيب لنداء المسيح أن يغفر للذين يخطئون إلينا.
إن ما شهدناه في الضفة الغربية لا يقارن بالحالة الراهنة في غزة. وبينما يدرك العالم الآن القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين، ويصر قادة العالم على ضرورة نجاتهم، فإن كثيرين، ولا سيما في الولايات المتحدة، لا يدركون أن المسيحيين الفلسطينيين هم من بين الذين قتلوا، وتم تجويعهم، وتركوهم بلا مأوى.
لطالما طرح المسيحيون سؤالا عما سيفعله يسوع اليوم. وفي الحرب الحالية، أعتقد بلا شك أن الرب يسوع، له المجد، يسحب جثث النساء والأطفال الأبرياء من تحت أنقاض منازلهم التي هُدمت وسيقوم بمساعدة وإطعام ولبس أكثر من مليونين من المدنيين الأبرياء الذين يبحثون عن الأمان والغذاء والمأوى.
من المرجح أن يزور الرب يسوع المسيحيين في غزة، بمن فيهم ٢٥ فردا من عائلة زوجتي، الذين لجأوا الى الكنائس للصلاة طلبا للحماية والخلاص من الموت. وسيواسي أقارب ضحايا الغارة الجوية الإسرائيلية المدمرة في أكتوبر 2023 والتي أودت بحياة 16 مسيحيًا وألحقت أضرارًا جسيمة بكنيسة تاريخية تعود إلى القرن الخامس.
لم يتوقف الموت والدمار الذي يواجه الفلسطينيين عند هذا الحد. tفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على معلمة الموسيقى وعازفة البيانو في الكنيسة إلهام فرح البالغة من العمر 84 عامًا، فقتلتها، وتركتها تنزف حتى الموت لمدة يومين مؤلمين أمام منزلها في غزة. ;كما وقعت ناهد خليل أنطون وابنتها سمر ضحية لهجوم بدم بارد شنه قناص إسرائيلي على أرض الكنيسة في السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول. وتعرضت الكنيسة المعمدانية في غزة، حيث نشأت زوجتي، للقصف والحرق. يجد ما يقرب من 1000 مسيحي لجأوا إلى الكنائس أنفسهم دون الحصول على الغذاء الكافي أو الرعاية الطبية أو حتى الصرف الصحي الأساسي.
ومع ذلك، فإنني على ثقة من أن إلهنا سيدافع بشغف عن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة وإعادتهم سالمين. بطبيعته الرؤوفة ستقوده إلى مواساة العائلات الحزينة في إسرائيل التي فقدت أبناءها في ٧ تشرين الاول (أكتوبر). علاوة على ذلك، فهو على الارجح سيكرز ويكرِّر الموعظة على الجبل، مشددا على اهمية صنع السلام بالكلمات: «طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون”.
وإذا تأمل في السؤال المستمر المتعلق بصمت الكنيسة، وجدت نفسي اعاني شعورها بالعار عندما حاولت أن أصرف مشاعر القلق التي أثارها إخوتنا وأخواتنا المسيحيون في الشرق الاوسط.
وإذ اعترف بإلحاح عصرنا الشديد، انا مقتنع اقتناعا راسخا أنه يجب علينا كمسيحيين أن نحطم حدود فقاعات اللاهوتية. إن القضية الإسرائيلية-الفلسطينية تتطلب تحولاً في نموذج تغيير زلزالي يرغمنا على تصورها من خلال عدسة مهووسة. ويجب أن نعترف بمدى إعاقة أي لاهوت مضلل انتشار الإنجيل في منطقتنا العزيزة.
وكما جسد يسوع الرحمة التي لا حدود لها، يجب علينا أن نعيد ضبط بوصلتنا اللاهوتية، ونعيد ترتيب أولوياتنا مع جدول أعمال الله الذي يتجاوز الانقسامات السياسية والعرقية والدينية. ومن خلال القيام بذلك، فإننا لا نردد تعاليم مخلصنا فحسب، بل نزرع أيضًا بذور المصالحة والتفاهم والمحبة في عالم يائس للحصول على لمسة نعمة الله التحويلية. ومع ذلك فقد أدركت مدى إلحاح هذه اللحظة؛ إن معاناتنا الحالية ليس لديها سوى القليل من الصبر على الخطاب اللاهوتي. وهكذا، فإن كل ما يمكنني تقديمه للكنيسة في الشرق الأوسط كان تأكيدًا بسيطًا: أن الله لم ينسنا في الشرق الأوسط؛ فيسمع صراخنا، ويشفي أرضنا.
****************************************************
- الدكتور فارس أبو فرحة هو مؤسس وقائد خدمة الجيل التالي اللي هدفها الأساسي هو تمكين الشباب والشابات حول العالم. هو كاتب وناشط في مجال العمل الكنسي والإنساني في الشرق الأوسط ومحاضر جامعي في علوم القيادة الاستراتيجية والتطوير المؤسّسي. تابع فارس على انستجرام @faresabraham
عن موقع the New Republic الأمريكي المقال الأصلي بالانجليزي هنا
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.