السابق متطوعون ينهون حملات تنظيف المقابر المسيحيّة في السلط
رابط المقال: https://milhilard.org/9e38
عدد القراءات: 656
تاريخ النشر: أكتوبر 30, 2021 8:49 ص
رابط المقال: https://milhilard.org/9e38
بقلم: منال عبدالله – خوري- سان فرنسيسكو، الولايات المتحدة
يصادف هذا الأسبوع الإحتفالات السنوية بعيد الهالوين في بعض الدول، حيث تتزاحم فيه الأفكار والإبداعات في أشكال وأنواع وطرق الزينة المتعددة والتي تحتوي على نوعين اساسيين: زينة على شكل ثمرة اليقطين وأوراق الخريف وألوانه، وزينة مخيفة ومرعبة تحتوي على مشعوذات وجماجم ودماء…
ومن الجدير بالذكر أن معظم المسيحيين يرفضون فكرة هذا الاحتفال القائم، معتمدين في ذلك على تاريخ وقصص ومعتقد قد يخالف في جوانبه الديانة المسيحية.
وهذا الأمر الذي دفعني كإمرأة تهتم بعقيدتها المسيحية، لقراءة بعض هذه القصص ومراجعة جزء من هذا التاريخ لفهم الصورة بشكل أوضح. فقد إعتدتُ دوماً ألاّ أعتمد في نهج حياتي على “القيل والقال” لبناء مواقفي الشخصية ووقفاتي في كل ما يخص ممارساتي اليومية. فكان التساؤل المطروح أمامي، هل كوني مسيحية يعارض شرعية ممارستي لهذا الاحتفال؟
بعد الدراسة والتصفح، وجدتُ بأن الكثير من الشعوب تمارس هذا الاحتفال، ولكن كل شعب قد إختار أن يحتفل به على طريقته وبحسب إيمانه ومعتقده.
فعلى سبيل المثال، في تراث الشعب الإيرلندي والإسكتلندي، يرتبط هذا الاحتفال بمواسم الحصاد. وفي القديم كان يتضمن الاحتفال ممارسة “التنبؤ بالمستقبل” فيما يتعلق بالموت والزواج وأمور شبيهة.
والموضوع لديهم له علاقة بعيد كلتي يسمى “سامهاين”، يرتبط ببداية البرد والظلام (اذ يقصر النهار ويطول الليل). فوفقاً للمعتقد الكلتي، يقع إله الشمس في أسر الموت والظلام يوم 31 أكتوبر/ تشرين الأول. وفي هذه الليلة تتجول أرواح الأموات في ملكوتها، وتحاول العودة إلى عالم الأحياء. فاعتاد الكهنة الدارويديون (كهنة أتقياء في بلاد الغال القديمة و بريطانيا و ايرلندا) على إقامة عيداً كبيراً، و كانوا يؤمنون أن إله الموت العظيم، و يسمى سامهاين، يدعو في هذه الليلة كل الأرواح الشريرة التي ماتت خلال السنة و التي كان عقابها بأن تستأنف الحياة في أجساد حيوانات، وبالطبع كانت هذه الفكرة كافية لإخافة الناس لذا كانوا يوقدون مشعلة ضخمة ويلتزمون بمراقبة شديدة لهذه الأرواح الشريرة.
ومن هنا في الواقع بدأت الفكرة بأن الساحرات والأرواح تكون هنا وهناك في الهالوين.
أما في النمسا، فيتركون بعض الخبز والماء ومصباحاً مضاءاً على الطاولة قبل الخلود للنوم في ليلة الهالوين، وهذا يهدف لاستقبال الأرواح الزائرة.
واذا ابتعدنا الى الصين نجد انهم يضعون الطعام والماء أمام صور الأعزاء الراحلين.
أما في جمهورية التشيك فيضعون الكراسي حول النار، واحد لكل فرد من أفراد العائلة الأحياء، وواحد لكل ميت.
ولعل أكثر الاحتفالات ثراء هي التي تقام في المكسيك ودول أمريكا اللاتينية، حيث يعد الهالوين عيد مرح وفرح ومناسبة لتذكر الأصدقاء والأحبة الذين رحلوا.
ومن مظاهر هذا الاحتفال أن تقوم العائلات ببناء مذبح في منزلها وتزيينه بالحلويات والزهور وصور من رحلوا، بالإضافة إلى مأكولاتهم ومشروباتهم المفضلة. كذلك ينظفون المقابر ويضعون الزهور عليها.
وفي بعض الأحيان يضعون شخصاً حياً في تابوت ويجولون به الحي أو القرية، بينما يلقي الباعة الفواكه والزهور في التابوت.
لكن في المسيحية يرتبط الموضوع بمعتقدات مختلفة تماما:
إذ تسبق ليلة الهالوين اليوم الذي يعرف في المسيحية بـ”عيد جميع القديسين”. وكلمة “قديس” لها مرادف هو “هالوماس”. وكانت هناك احتفالات مشابهة في الأيام الثلاثة التي تسبق أعياداً مسيحية أخرى، كعيد الفصح مثلا، وهي تتضمن الصلاة لأرواح الذين رحلوا حديثاً وزيارة قبورهم.
ومع هجرة الايرلنديين والأوروبيين في القرن التاسع عشر إلى الولايات المتحدة، اختلطت كل هذه العادات والتقاليد والمعتقدات، وظهر عيد الهالويين في شكله الحديث اليوم اذ يجمع ما بين موسم الخريف والحصاد وبين الموت.
كمسيحية تهتم بممارسة حياة تعكس صورة طيبة وملائمة عن مسيحيتها، راودني التساؤل: هل يجوز لي الاحتفال بالهالويين أم لا؟
هنالك آية من الإنجيل تقول:
“كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي.” (1 كو 10: 23).
أي بمعنى ان إيماني بالمسيح قد حرّرني وخلصني من قيود هذا العالم وأعطاني الشرعية في العيش، ومع ذلك، ممارستي لبعض الطقوس والعادات قد تؤذي وتشوّه نظرة الآخر لجمال وقداسة مسيحيتي وتهدم (لا تبني) أفكاره ونظرته لديانتي، لذا عليّ ألا أفعلها.
بالمقابل، وبحسب فكري الشخصي، أؤمن بأن خير الأمور الوسط في جوانب عدّة، وطالما انا أعكس مسيحيتي بشكل طيب، ذلك لا يمنعني من ممارسة هذا الاحتفال بالعقل والاتزان. اني افعل ذلك بشكل طيب ومهذّب يخلو من أشكال العنف الدموي والأرواح والأشباح. انه عيد أستقبل فيه بداية فصل الخريف وموسم الحصاد، فأستمتع جدا في تزيين أرجاء منزلي بأشكال اليقطين والشموع وأوراق الخريف الجميلة بألوانها الزاهية والجذابة. كما وأسمح لأطفالي باختيار ثياب تنكريّة وزينة “هالوينية” تخلو من كل انواع وأشكال العنف، تهدف للمتعة والضحك والأجواء اللطيفة، وبعيدة كل البعد عن رائحة الموت والشر…
لقد أعطانا الله حرية الاختيار في كل أمور حياتنا… ولي ان أختار العتمة والشر، ولي ايضاً ان أختار النور والخير… لي أن أمارس طقوس يملؤها الظلام والموت، ولي أن أختار ممارسة المحبة والسلام والحياة الجديدة بألوانها وأطيافها…
كل الأشياء تحلّ لي… فلأختر ما هو للبنيان ونشر السلام…
كل عيد هالوين وموسم حصاد والجميع بالف خير.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.