Skip to content

هل نرى عمل يسوع الفادي عبر ممارسات العيد؟

رابط المقال: https://milhilard.org/v22w
تاريخ النشر: أبريل 8, 2023 3:51 م
WhatsApp-Image-2023-04-02-at-3.20.33-PM
رابط المقال: https://milhilard.org/v22w

بقلم: بطرس منصورالناصرة

يرافق “العيد الكبير” (عيد الفصح) في شرقنا طقوس وعادات موروثة تضفي على العيد رونقًا خاصًا. فمثلا تتكاتف النساء في العائلات المسيحية في شرقنا في تجمعات عائلية أو حاراتية لصنع الكعك بالعجوة وهو يشير للاكليل الذي وضعوه على رأس يسوع على الصليب. ويجهزون ايضًا المعمول بالجوز وهو يشير إلى الاسفنجة التي قدّموها ليسوع حين صرخ “أنا عطشان” على الصليب. كما يصبغ الأهل البيض لأولادهم بواسطة الصفّير مع انها عادة قلّت كثيرًا مؤخرًا. ويقوم الأولاد بالتبارز “بالمفاقشة” فيمن البيضة التي بحوزته أكثر صلابة وتصدع قشرة البيضة التي مع رفيقه. إن “مفاقشة” البيض وكسرها ترمز لقبر المسيح وقيامته. كل ذلك ناهيك عن “صيد البيض” وأرنب الفصح (وهي كما يبدو عادات دخيلة على الفصح).

أما في المجال الكنسي فهناك ممارسات وفرائض شتى بحسب كل تقليد كنسي وأخر. فهناك الصوم الأربعيني (عن الزفر عند البعض وصوم كامل عند البعض آخر). وهناك “دورة الشعانين” والتركيز فيها على الأطفال كما في رواية دخول يسوع لاورشليم فيحمل الأطفال سعف النخيل والورد والشمع. وهناك “غسل الارجل” في خميس الأسرار وحتى تمثيله بغسل ارجل حقيقي في طقس خاص خلال خدمة الصلاة، وطبعًا جناز المسيح” والدورة الدراماتيكية الحزينة خلال صلوات الجمعة العظيمة و”الهجمة” (على ما فيها من رموز روحية) يوم أحد القيامة.

لا شك أن تلك الشعائر والطقوس والممارسات (التراثية أو الكنسية) ذات معنى واصل روحي  وانبثقت اصلًا من قصص أسبوع الآلام ومن الفهم الروحي جوهر ايماننا المسيحي المتمثل بالصلب والقيامة وذلك بتفاوت بين جزء منها وآخر.

ولا بدّ من القول صراحة انه ان كانت كل هذه الشعائر والعادات والممارسات لا تقرّب الناس الى يسوع ولا تزيد اكرامنا وتقديرنا لعمله لأجلنا، فعندها هي عديمة الفائدة و مجرد تمثيلية فارغة المضمون.

إن عملية الاستفادة الشخصية من معاينة هذه الممارسات أو الاشتراك بها ترتبط بتركيب شخصياتنا كبني آدميين. فالهدف هو إعادة إحياء المشهد الفصحى أو تذويت لما يثيره من مشاعر فينا لكي يتحول لعبادة أو ترسيخ للايمان في حياتنا. لذا فإن اختراقنا لهذه الممارسات الخارجية على أنواعها بمناسبة العيد وصولًا للتقرب ليسوع والتقدير عمله يتعلق بأمرين: تركيزنا وتذكّرنا.

في صخب هذه الفعاليات الشعبية والكنسية يحتاج المؤمن المخلص أن يركّز ويتذكر ما وراء هذه الممارسات.

لكن الحائل هو التشتيت فهو يمنع  التركيز بما هو هام ونبذ الهامشي و العبثي. فآفة العصر هي أن كل ما حولنا يسعى لإلهائنا وبالذات في وسائل التواصل الاجتماعي من دعايات واقتراحات ومعايدات وتبريكات وافلام معبرة أو صور ملفتة. ولقد أصبح التركيز عامة صعبًا للغاية.

فبالتالي يدخلنا الاشتراك بدورة الشعانين والترنيم والهتاف “اوصنا في الاعالي” الى مشهد مشابه لما اشتركت به الجموع في أورشليم حين دخل يسوع إليها. ولكن المؤمنون يشتركون اليوم في هذه التجمعات الكنسية الصاخبة وهم في أفضل حلّة لهم بملابس العيد الجديدة و الشعنينة المعبّرة والجميع يرغب بالتقاط الصور. فهكذا تصبح أجواء دورة الشعنينة ملهية ومشتتة. لكن بإمكانها تقريبا مشهد دخول يسوع للمدينة، لمن يركّز أفكاره ويوجه عبادته بالشكر بينما يشترك بالدورة. ويتطلب التركيز في برامج العيد على ما فيها من ممارسات وشعائر جهدًا خاصًا. انه يحتاج منهجية تفصل العابد  نفسه عن الأصوات المحيطة لكي يركّز المسيحي محبته بالمسيح وعظم عمله الفدائي لأجلنا.

ونعاني الأمر ذاته حين يلتهي الصائم مثلًا بما حول الصوم متناسيًا هدفه الأساسي وهو تذكّر ما عاناه يسوع في طريقه الشاقة حين سار طوعًا للصليب. فيلتهي الصائم بالممنوع والمسموح من مأكولات وبملائمة صومه في المجتمع غير الصائم أو بإيجاد البدائل للمكونات الممنوعة في الصوم او ينشغل بوجبة كسر الصوم والاطايب التي ستشملها أو حتى بتأثير هذا “الصوم” على الحميّة وخفض الوزن. وهكذا تصبح هذا الشؤون الشغل الشاغل ويضيع هدف الصوم…

 تأتي هذه العادات والممارسات التراثية والكنسية لإنهاض فكرنا بالتذكرة بشكل صوري وسمعي وحتى ذوقي مميز. فمثلًا يمكن للمشتركة بتنقيش الكعك بالعجوة في لقاء نسائي عائلي أن تستفيد روحيًا من هذه العادة التراثية الظريفة، بأن تتذكر وتذكّر بهدف هذا الرمز من الطحين والسميد على شكل إكليل الغار الذي وضِع على رأس المخلص.

كما تعود في موسم الفصح الترانيم والأناشيد الكنسيّة المرتبطة بالعيد التي طويت جانبًا باقي أشهر السنة. وهكذا نفرح بعودتها ونرددها ولكن بشكل ميكانيكي دون تعمق والتفات حتى لكلماتها إذ حفظناها غيبًا ونعيدها كل عام. نرنمها دون تفكير بمعناها ودون تقدير لما جاء فيها. فمثلًا – هل نتعمق بمعنى العبارة” المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ومنح الحياة للذين في القبور” او “أفاضت حاملات الطيب على القبر طيوبًا…”  أو ترنيمة “قام ربي … قام منتصرًا”. نحتاج أن نسعى بجد لكي نركّز ونتذمر لتعم الفائدة الروحية بالترانيم ايضًا.

ليت الله يشحذ همم مؤمنيه ويصقل وعيّهم ويزيد تركيزهم ويقوي ذاكرتهم لكي نتوجه بكل ذواتنا نحو عبادة الاله المستحق كل تمجيد من خلال الصلوات و العظات والترانيم وحتى الممارسات الكنسية والتراثية.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content