السابق 213 ألف زائر للمغطس العام الماضي
رابط المقال: https://milhilard.org/c053
عدد القراءات: 2729
تاريخ النشر: يناير 9, 2024 11:22 م
المطران جمال دعيبس
رابط المقال: https://milhilard.org/c053
داود كُتّاب– ملح الأرض
من المتوقع أن تعلن الفاتيكان، الجمعة 12 كانون ثاني، عن مجموعة من التنقلات والتعيينات الجديدة. وتشير عدد من التسريبات إلى قرار بنقل النائب البطريركي جمال خضر دعيبس، مطران الأردن، دولتي الصومال وجيبوتي في القارة الأفريقية التي لها عدد قليل من الكاثوليك؟ ويتساءل العديد من المهتمين، بما فيهم خوارنة الكنيسة اللاتينية والرعاية: لماذا تم اختيار المطران جمال والذي لم يكمل سنتان في الأردن؟
المعروف، حسب النظام الكنسي الكاثوليكي، أنه ليس من الملزم أن يقوم بابا الفاتيكان بتعيين أي من أبناء بلد في موقع متقدم لإدارة كنيسة ومطرانية أو حتى بطريركية. وطبعا في منطقتنا نحن نعلم ذلك جيدا حيث لم تحظ بطريركية اللاتين في القدس سوى كاهنان عرب. الأول الذي تم تعيينه في أوج الانتفاضة الأولى كان الأب الفلسطيني، ابن الناصرة، ميشيل صباح، وثم تم تعيين، ابن مادبا، الأب فؤاد طوال، وبعد ذلك عادت الفاتيكان لتعيين غير العرب حيث تم تعيين الإيطالي بيير باتيستا بيتسابالا بطريركًا، وثم أصبح كاردينال، كما وتم تعيين مطران غير عربي في الجليل.
إذًا فإن نقلا كاهن عربي في موقع متقدم إلى أفريقيا ليس مخالفًا للتقاليد الكنسية الكاثوليكية، ولكن رغم ذلك، هناك عدة تساؤلات تدور حول القرار الذي تم تسريبه والذي لم يتم نفيه. لقد أصدر الرعايا المسيحيين في فلسطين، الأردن والمهجر بيانا (يمكن متابعته هنا ) – ” أبناء كنيسة القدس، أفضل من يخدمها ” جاء فيه: إننا، المسيحيون العرب ابناء كنيسة القدس، فلسطينيين، وأردنيين، ومن كافة الدول والأقطار، ننظر إلى سيادة المطران جمال دعيبس، كأحد الشخصيات القليلة الموجودة بهذا المنصب، وهذه الرتبة الدينية، كشخصية دينية تتحدث لغتنا، وتفهم ألمنا، وتعاضد معنا كجزء أصيل من هذا الجسد، ونحن في أمسّ الحاجة إلى المزيد والمزيد من شخصيات مثل سيادة المطران دعيبس، لا أن ينقص من عدده، بل أن يكثر، ويزدهر، ويبقى مع أخواته وإخوته، وبناته وأبنائه، وأهله في كنيسة القدس: ممثلاً لنا، صوتاً حرّاً، ورئة نتنفس من خلالها موقفنا ووجودنا وصوتنا”. وقد وقع على البيان لغاية النشر اكثر من الف شخص غالبيتهم من فلسطين المحتلة.( ملف الموقعين في نهاية المقال)
أوساط رجال الدين اللاتين والرعية في الأردن منزعجين من القرار والذي اعتبروه إهانة لكل العرب. فما هو المنطق من نقل شخص في موقع متقدم ومسؤول عن عشرات الآلاف المؤمنين من طائفة اللاتين إلى بلد افريقيا عدد المسيحيين فيها لا يتجاوز ألف شخص؟ كما خلق الموضع بعض الخلافات الداخلية عبر عنها المحامي هيثم الربضي في مقال نشر في ملح الأرض جاء فيه أن قرار “نقل مطران عمان للاتين، لم يعترض عليه المطران نفسه، لكن ربما طلب من بعض اهله واقاربه واصدقائه توقيع عريضة تفيد بطلب إلغاء قرار نقله من الأردن إلى الصومال وجيبوتي .”
السؤال الأهم الذي يدور في أذهان الكثير يتمحور حول من بادر بالقرار؟ هل جاء القرار من روما أم من القدس؟ وإذا من روما هل تم استمزاج رأي بطريركية القدس أم تم فرض الأمر على البطريركية؟ وأخيرا ما هو السبب في البحث في ابرشية القدس لإيجاد بديل لمطران متقاعد من افريقيا؟ لماذا لم يتم اختيار مطران من افريقيا؟
الجواب البسيط قد يكون متعلقا بأن البلد الافريقي المعني – الصومال- عضو في الجامعة العربية حيث تعتبر اللغة العربية لغة رسمية في تلك البلد. ولكن هذا الجواب لم يكن كافيًا لإشباع الرغبة للعديد من المسيحيين من كهنة وغير كهنة لمعرفة خفايا القرار؟
بحث سريع عن رد فعل الكنائس الكاثوليكية لبعض ما قرره بابا الفاتيكان مؤخرًا قد تكون توضح ما يمكن أن يكون جزءا من حل هذا اللغز. ففي عشية عيد الميلاد الحالي وتحديدا في 22 كانون أول نشرت وكالة أنباء أسوشيتد برس خبرا مطولا حول معارضة قوية في القارة الأفريقية لقرار البابا فرنسيس السماح بمباركة الأزواج المثليين. وحسب الوكالة العالمية “يقول الأساقفة الكاثوليك في أفريقيا وبولندا وأماكن أخرى إنهم لن ينفذوا سياسة الفاتيكان الجديدة التي تسمح بمباركة الأزواج المثليين”. وتستمر الوكالة بسرد المواقف بالقول: “تظهر ردود الفعل مدى استمرار الاستقطاب في القضية وكيف أن الجهود التي بذلها فرانسيس على مدار عقد من الزمن لجعل الكنيسة مكانا أكثر ترحيبا بمجتمع المثليين أثار مقاومة بين الزعماء الكاثوليك التقليديين والمحافظين.
وتختتم وكالة أسوشيتد برس بالقول ان” بعض أقوى الردود جاءت من الأساقفة في أفريقيا، موطن 265 مليون كاثوليكي، أو ما يقرب من ربع الكاثوليك في العالم البالغ عددهم 1.3 مليار. يعيش العديد من هؤلاء الكاثوليك وتعمل كنائسهم في مجتمعات تدان فيها المثلية الجنسية وترفضها “.
وكانت عددا من كنائس الهند الكاثوليكية قد رفضت في شهر آب الماضي قرار الفاتيكان تطبيق القداس الموحد. وقد كان من بيت الكنائس الرافضة أبرشية إرناكولام أنغامالي هي أكبر كنيسة سيرو مالابار كاثوليكية، حيث يبلغ عدد أتباعها نصف مليون مؤمن هندي وهي عرضة لخطر الانقسام الوشيك. ومن المعروف أن عدد الكاثوليك في الهند يبلغ عشرين مليون.
وفي الولايات المتحدة رفض عدد من رجال الدين الكاثوليك تعليمات الفاتيكان حول القداس الموحد وقد تم فصل عدد منهم وإيقاف دفع بدل إيجار السكن الآخرين بسبب عصيانهم. وبعد قرار مباركة زواج المثليين نشرت النيويورك تايمز مقالا قالت فيه ان هناك انقسام في الولايات المتحدة بين معارض ومؤيد لقرار البابا فيما يخص المثليين. وقالت إنه فيما أعرب بعض المحافظين الكاثوليك عن خيبة أملهم من القرار، لكن المثليين الكاثوليك أشادوا بالقرار الجديد باعتباره لحظة تاريخية لقبول الكنيسة لمجتمع المثليين”.
إذا كان فعلا هذا السبب لنقل كاهن من الشرق الأوسط الى أفريقيا فيبدو ضروري أن يتم بديهيا طرح السؤال التالي، والذي لا علاقة له بقرار النقل، أين تقف بطريركية القدس للاتين وكهنتها وشعبها من موضوع المباركة على المثليين؟ يفيد مقربين من بطريرك اللاتين أنه يعارض القرار من ناحية المبدأ والتطبيق، ولكن إن كان ذلك صحيحًا فتلك المعارضة من البطريرك وممن حوله لم يتم الإعلان عنها. وللعلم تم التواصل عبر موقع البطريرك الجديد للمواعيد بطلب مقابلة ل ملح الأرض الا انه لم يتم التجاوب مع طلبنا.
يقول أحد كبار الكهنة اللاتين في الأردن أن بطريركية القدس، برئاسة الإيطالي بيتسابالا، مخلصة بالكامل لروما وولاء البطريركية بصورة عمياء البابا فرنسيس وكبار المسؤولين في الفاتيكان، وأهمهم رئيس وزراء دولة الفاتيكان وأمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، الكاردينال بييترو بارولين.
طبعا جزء من الولاء يتم بسبب فقر البطريركية الذي يعتمد بصورة كبيرة على الدعم المالي الخارجي وقد كان في الأسبوع الماضي وفد كبير من فرسان القبر المقدس في زيارة للأراضي الفلسطينية المحتلة وهو الداعم الأكبر لبطريركية اللاتين.
المعروف أن الغالبية العظمى لأعضاء كنائس بطريركية اللاتين هم من العرب. بطريركية القدس تشمل كنائس ورعاية فلسطين التاريخية والأردن وقبرص ويبلغ مجمل عدد المسيحيين التابعين للفاتيكان في الأردن وفلسطين التاريخية (أي الضفة بما فيها القدس وغزة ومناطق الـ 48) حوالي 220 ألفا تقريبا يتبع نصفهم تقريًبا لطائفة الروم الكاثوليك الملكيين والنصف الاخر لبطريركية اللاتين وغالبيتهم الساحقة هم عرب فلسطينيون وأردنيون أو حاملو الجنسية الإسرائيلية من المواطنين الفلسطينيين.
لم يقم أحد استفتاء الرعاية أو الخوارنة اللاتين برأيهم فيما يخص قرار بابا الفاتيكان حول مباركة المثليين، ولكن هذه ليست المرة الأولى الذي يتم اتخاذ القرارات في روما دون حتى استمزاج رأي المحليين كما حدث عندما تم تعيين المدير الرسولي آنذاك بيير باتيستا بيتسابالا إلى منصب بطريرك وثم كاردينال متجاوزا تقليد بدأ تعود الناس عليه بوجود بطاركة عرب في بطريركية اللاتين في القدس.
على أي حال يبدو أن قرار نقل كاهن كاثوليكي في موقع متقدم إلى دولة أفريقيا بدون استمزاج الرأي يشكل انزعاج وحتى إهانة للكهنة والعلمانيين العرب مع الكشف أن بطريركية اللاتين في القدس لم تعترض أو تعلق على موضع مباركة المثليين كما حدث في أفريقيا وبولندا والهند والولايات المتحدة.
(للعلم ملح الأرض طلبت مرارا معرفة موقف البطريرك والبطريركية من الموضوع ولكن دون جواب)
ويبقى السؤال: هل جاء ولاء بطريرك القدس لروما على حساب الثقافة والتقاليد العربية في موضوع حساس مثل موضوع التعامل مع المثليين؟ وكل ذلك يضاف لانتقادات للبطرك (وباقي رؤساء الكنائس) بسبب قبولهم، بدون أي تردد، لدعوة رئيس دولة الاحتلال تقديم التهاني في عيد الميلاد علما ان نفس الرؤساء طلبوا من رعيتهم عدم الاحتفال بالعيد. وكان رئيس دولة الاحتلال قال انه لا يوجد مدنيين أبرياء في غزة وحتى بعد اللقاء قام بالتوقيع على الصواريخ التي تقتل الشعب الفلسطيني في غزة.
وهنا يمكن لنا الخروج بالاستنتاج التالي: هل يمكن أن نعتبر أن بطريركية اللاتين في القدس هي من الأكثر الأبرشيات ولاء البابا فرنسيس في العالم هذه الأيام؟
فيما يلي قائمة الموقعون على بيان “ابناء كنيسة القدس افضل من يخدمها:
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.