
السابق أكاديميّة التّحالُف الأردنيّة في اليادودة تفوز في بطولة (دي لاسال) الماسيّة الثّامنة في كرة القدم
فيما يلي ترجمة مقال من موقع FAIR.org
تجاهلَتْ مقالات نعي البابا فرانسيس في الصّحف الأمريكيّة الرّائدة التزام الحبر الأعظم الرّاحل تجاه الشّعب الفلسطينيّ والمعاناة الحادّة في غزّة في السنوات الأخيرة من حياته. وقد نشرَتِ العديد منها مقالاتٍ مُنفصلةً سلَّطَتِ الضوء على اهتمام البابا فرانسيس بغزّة واستجابة الفلسطينيّين لوفاته، لكنَّها لم تذكر هذه الجوانب من بابويّته في مقالات النّعي المُطوّلة الّتي لخَّصتْ حياته.
وُلد خورخي ماريو بيرغوليو في الأرجنتين عام 1936، وكان فرانسيس أوّل يسوعيّ وأوّل أمريكيّ لاتينيّ يتولّى منصب البابا. عندما توفّي عن عمرٍ يُناهز 88 عامًا، تمَّ الإشادة بقيادته كحبرٍ أعظمٍ في مجال العدالة الاجتماعيّة على نطاقٍ واسعٍ.
قالَتِ المجلّة الكاثوليكيّة الأمريكيّة (4/21/25): ”بالنّسبة لفرانسيس، الفقراء هم ’في قلب الإنجيل‘، وطوال حبريّته، أكَّد ذلك بالفعل والكلمة“. وقالَتْ مجلّة سوجورنرز (4/21/25) إنَّ فلسفته اللّيبراليّة تناولَتِ العديد من القضايا المُلِحّة، ”من التّغيُّر المناخيّ إلى الفقر العالميّ والحرب والعنف، ومُجتمع الميم ودور المرأة في الكنيسة“.
وقُرب نهاية حياة فرانسيس، ركَّز رأس الكنيسة الكاثوليكيّة اهتمامه على الإبادة الجماعيّة المُستمرّة في غزّة. ”كان يتّصل بنا في السّابعة مساءً كلَّ ليلةٍ. وبغض النّظر عن مدى انشغاله، وبغض النّظر عن مكان وجوده، كان يتَصل بنا دائمًا”، هذا ما قاله جورج أنطون، المُتحدِّث باسم كنيسة العائلة المُقدّسة في غزّة، للإذاعة الوطنيّة العامّة (22/4/25). ونشرَتْ وكالة رويترز (22/4/25) عنوان ”مسيحيّو غزّة ’مفجوعون‘ على البابا الّذي كان يتّصل بهم ليلاً“. ووصفَتْ وكالة أسوشييتد برس (4/21/25) هذه الاتصالات بأنَّها ”طقوسه المسائيّة المُتكرِّرة“، مُشيرةً إلى أنَّ ”هذا العمل الصّغير من التّعاطف تركَ انطباعًا كبيرًا لدى المُجتمع المسيحيّ الصّغير في غزّة“.
كان فرانسيس مُتعاطفًا بشكلٍ عامٍّ مع مُعالجة الحقوق السّياسيّة والإنسانيّة للفلسطينيّين، وفي عهده اعترف الفاتيكان بدولة فلسطين (بي بي سي، 13/5/15). واقترح ”أنْ يدرس المُجتمع الدّوليّ ما إذا كانت الحملة العسكريّة الإسرائيليّة على غزّة تُشكِّل إبادةً جماعيّةً للشّعب الفلسطينيّ“ (رويترز، 17/11/24). وفي رسالته الأخيرة بمناسبة عيد القيامة، الّتي أصدرها قبل يومٍ واحدٍ من وفاته، دعا إلى وقف إطلاق النّار في غزّة لإنهاء الصّراع الّذي ”لا يزال يتسبَّبُ في الموت والدّمار، ويخلق وضعًا إنسانيًّا مأساويًّا ومؤسفًا“ (Truthout، 21/4/25).
رواية مُسيّسة بامتياز
بالإضافة إلى دعوته إلى التّحقيق في اتهامات الإبادة الجماعيّة في غزّة، لم يُعجِب صحيفة نيويورك بوست (21/4/25) أنَّ فرانسيس ”اتّخذ خطًّا يساريًّا معياريًّا جدًّا تجاه الرّئيس ترامب، حيث شجب خُططه للتّرحيل الجماعيّ للمُهاجرين غير الشّرعيّين“.
لم يوافق الجميع في الصّحافة على هذا الفعل من التّعاطف عند التّذكير بحياته وقيادته الكنسيّة. فقد انتقدت صحيفة نيويورك بوست في افتتاحيّتها (21/4/25) المواقف ”اليساريّة“ لهذه ”الشّخصيّة المحبوبة بجدارة“، واشتكت من أنَّ فرانسيس ”ذهب إلى حدّ الدّعوة إلى التّحقيق مع إسرائيل بشأن الإبادة الجماعيّة غير الموجودة في غزّة“.
وفيما يتعلَّق بدعم فرانسيس للسّلام في الشّرق الأوسط عمومًا، قالَتْ صحيفة جيروزاليم بوست (22/4/25) في افتتاحيّتها: ”أعربَتْ إسرائيل مِرارًا وتِكرارًا عن استيائها من ميل الفاتيكان إلى إعلاء الرّوايات الفلسطينيّة مع تجاهل المخاوف الإسرائيليّة“. واشتكت الصّحيفة من أنَّ ”موقف الفاتيكان في عهد فرانسيس كان يُفضل باستمرار نسخة مُسيّسة من الرّواية الفلسطينيّة على الواقع المُعقَّد على الأرض“.
ولكن بدلًا من انتقاد اهتمام فرانسيس بغزّة، تجاهلَتِ النّعي المُطوّل في أبرز الصّحف الأمريكيّة مُناصرته للحقوق الفلسطينيّة تمامًا.
”المُستعمرون في العصر الحديث
نيويورك تايمز: وفاة فرانسيس، أوّل بابا من أمريكا اللّاتينيّة، عن عمرٍ يُناهز 88 عامًا
بلغ عدد كلمات نعي صحيفة نيويورك تايمز (21/4/25) لفرانسيس ما يقرب من 7500 كلمة – ولكن لم يكن أيّ منها ”غزّة“.
أشار نعي صحيفة نيويورك تايمز (21/4/25) الّذي كتبه جيسون هورويتز وجيم ياردلي إلى أنّه ”أدان العنف مِرارًا وتِكرارًا، وبعد تردُّده في البداية في الانحياز إلى جانب طرف في الحرب في أوكرانيا، تحدَّث علنًا لدعم أوكرانيا“.
وذكرت أيضًا أنَّ رحلات البابا فرانسيس شملَتْ ”التّركيز على المناطق المُستغلَّة والّتي مزَّقتها الحروب في أفريقيا، حيث انتقد المُستعمرين في العصر الحديث وسعى إلى السّلام في جنوب السّودان“. وتابعت: في عام 2019، جثا البابا فرنسيس على يديه وركبتيه أمام القادة المُتحاربين في حكومة جنوب السّودان والمُعارضة في جنوب السّودان، وقبَّل أحذيتهم وناشدهم صنع السّلام. وفي عام 2023، سافر إلى العاصمة جوبا، وهو في حالةٍ صحّيّةٍ مُتدهورةٍ، ليوبِّخهم على عدم إحرازهم أيّ تقدُّم.
قال فرانسيس في حدائق القصر الرّئاسيّ في جنوب السّودان: ”لا مزيد من إراقة الدّماء، لا مزيد من الصّراعات، لا مزيد من العنف والاتّهامات المُتبادلة حول المسؤول عن ذلك“. ”اتركوا زمن الحرب وراء ظهوركم وليبزغ فجر السّلام!“
ومع ذلك، وفيما يتعلَّق باهتمامه الصّريح بغزّة، لم تجد صحيفة التايمز مجالاً لكلمةٍ واحدةٍ.
”اتخذ أحيانًا مواقف مُثيرةً للجدل
وول ستريت جورنال: وفاة البابا فرانسيس، المُدافع عن العدالة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، عن عمرٍ يُناهز 88 عامًا
قالَتْ صحيفة وول ستريت جورنال (21/4/25) إنَّ البابا فرانسيس ”سعى إلى إعادة تركيز الكنيسة الكاثوليكيّة على تعزيز العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة“ – لكنَّ تركيزه على غزّة لم يكُنْ معروفًا.
كما فشلَتِ النّعوات في الصُّحف الأمريكيّة الكُبرى الأخرى في إدراج تركيز فرانسيس على فلسطين. على سبيل المثال، أشار نعي مُطوَّل في صحيفة واشنطن بوست (21/4/25) إلى أنَّ أوّل رحلة رسميّة للبابا كانت إلى ”جزيرة لامبيدوزا الإيطاليّة، وهي محطّة مُثقلة باللّاجئين الّذين يبحثون عن ملاذٍ في أوروبا من الصّراعات في شمال أفريقيا والشّرق الأوسط“، في إشارةٍ إلى حقيقة أنَّه قدَّم منزلاً للمُهاجرين المُحتاجين. لكنَّها لم تذكُرْ غزّة.
ولم تذكُرْ صحيفة وول ستريت جورنال في نعيها (21/4/25) أيّ شيء عن الموضوع أيضًا، رغم أنَّها ذكرت أنَّ فرانسيس أعطى أولويّةً لتحسين العلاقات مع العالم الإسلاميّ، وغسل أقدام المُسلمين يوم الخميس المُقدّس، وزار تسع دول ذات أغلبيّة مُسلمة، وأصرَّ على أنَّ الإسلام دين سلام مثل المسيحيّة.
وينطبق الأمر نفسه على نعي وكالة أسوشييتد برس (21/4/25)، الّذي قال بالمثل إنَّه ”رسم علاقات جديدة مع العالم الإسلاميّ من خلال زيارة شبه الجزيرة العربيّة والعراق“. وجاء في نعي صحيفة يو إس إيه توداي (4/21/25) أنَّ فرانسيس ”اتّخذ أحيانًا مواقف تقدميّة أو مثيرة للجدل بشأن القضايا المُلحّة، مثل الزّواج من نفس الجنس والتّغيُّر المناخيّ“، لكنّها لم تذكُرْ غزّة.
وعلى النّقيض من ذلك، لم يكُنْ من الصّعب العثور على إشاراتٍ إلى غزّة في نعي فرانسيس في وسائل الإعلام الرّئيسيّة غير الأمريكيّة النّاطقة باللُّغة الإنجليزيّة. فقد أشارَتْ صحيفة الغارديان البريطانيّة (21/4/25) إلى أنَّه ”خلال الفترة الأخيرة الّتي قضاها في المستشفى، واصل اتصالاته الهاتفيّة بكنيسة العائلة المُقدّسة في غزّة، وهو روتين ليليّ منذ 9 أكتوبر 2023“. وأدرجَتْ صحيفة غلوب آند ميل (4/21/25) ومقرَّها تورنتو (4/21/25) فلسطين في قائمة الأماكن الّتي دمَّرتها الحرب الّتي صلّى فرانسيس من أجلها، وخصَّصت مُعظم فقرة من التّقرير لاتصالاته اللّيليّة بغزّة. وأشارَتْ وكالة رويترز (4/21/25)، الّتي تتّخذُ من لندن مقرًّا لها وتملكها عائلة تومسون الكنديّة، إلى أنَّ رسالة فرانسيس الأخيرة في عيد القيامة ”كرَّر دعوته لوقفٍ فوريّ لإطلاق النّار في غزّة – وهو الصّراع الّذي طالما انتقده“.
وعلى الرّغم من أنَّ الصُّحف الأمريكيّة الرّئيسيّة تجاهلَتْ جميعًا غزّة، إلّا أنَّ المنافذ الإعلاميّة نفسها نشرت مقالاتٍ مُنفصلةً عن فرانسيس وغزّة. نشرت صحيفة ”يو إس إيه توداي“ (21/4/25) مقالًا بعنوان ”البابا فرانسيس استخدم خطاب عيد القيامة الأخير للدّعوة إلى وقف إطلاق النّار في غزّة“. أمّا صحيفة ”وول ستريت جورنال“ (23/4/25) فنشرَتْ ”حافظ البابا فرانسيس على روتين الدّعوة إلى غزّة حتّى النّهاية“. أمّا صحيفة ”نيويورك تايمز“ (4/22/25)، فعنونَتْ ”حتّى في المرض، البابا فرانسيس يتواصل مع مسيحيّي غزّة“. وعرضت وكالة أسوشييتد برس (21/4/25) مقالًا بعنوان ”اتصالات البابا المُتكرِّرة بالكنيسة الكاثوليكيّة جعلته شخصيّة مُحترمة في غزّة الّتي دمَّرتها الحرب“، وهو مقالٌ ظهر على موقع صحيفة واشنطن بوست (21/4/25).
هذه المقالات المٌستقلّة هي موضع ترحيب، وتُسلِّط الضوء على أهمّيّة أزمة غزّة بالنّسبة لفرانسيس. إلّا أنَّ النّعي الرّسميّ في هذه المنافذ الإعلاميّة الرّئيسيّة يُفترض أنْ يكون بمثابة سجلٍّ دائمٍ لحياة فرانسيس ومسيرته المهنيّة. ومن خلال إزاحة تعاطف فرانسيس مع فلسطين إلى فقراتٍ جانبيّةٍ، كما لو كانت ذات أهمّيّة عابرة، فإنَّ وسائل الإعلام الأمريكيّة قد ألغتْ جانبًا مركزيًّا من جوانب بابويّته من ذلك السجلّ.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!