
السابق رسالة بطرس منصور في وداع المدرسة المعمدانيّة في النّاصرة
نظم المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، بالتعاون مع الجامعة الأميركية في مادبا، اليوم الاثنين، ندوة علمية بمناسبة مرور ستين عامًا على صدور وثيقة “في عصرنا – Nostra Aetate” الصادرة عن المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965، والتي فتحت الآفاق الواسعة أمام الحوار بين الأديان وتعزيز التفاهم المتبادل.
تحدّث في الندوة نيافة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين وعضو دائرة الحوار بين الأديان في الفاتيكان، وفضيلة الدكتور أحمد الخلايلة، إمام الحضرة الهاشمية، وذلك بحضور محافظ مادبا حسن الجبور، وعدد من الأساقفة والكهنة والراهبات، ورجال دين إسلامي من دائرة قاضي القضاة ودائرة الإفتاء العام ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، إلى جانب رؤساء الدوائر الرسمية والدينية في المحافظة وطلاب الجامعة.
وبعد السلام الملكي، أشار مدير المركز الكاثوليكي الأب الدكتور رفعت بدر إلى أنّ اللقاء لا يهدف إلى العودة إلى الوراء، بل إلى التطلّع نحو المستقل، مؤكدًا أنّ الأردن كان وما يزال رائدًا في إطلاق مبادرات الحوار والتعاون بين المسلمين والمسيحيين منذ ثمانينات القرن الماضي، ومثالًا حيًا في العيش المشترك واحترام التنوّع الديني.
وأعرب الأب بدر عن أمله بأن تسهم هذه الذكرى السنوية في تنشئة أجيال جديدة تسير على نهج جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظّم في تعزيز ثقافة الحوار والسلام، وتأخذ الحوار على محمل الجد، مركّزة على الحوار الحياتي قبل الفكري، لتواصل تصدير قصص النجاح والشهادة في الأردن على درب السلام والسلم المجتمعي وتعزيز القيم المشتركة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية.
من جهته، عبّر رئيس الجامعة الأميركيّة في مادبا، الأستاذ الدكتور مأمون عكروش، عن فخر الجامعة الامريكية لاستضافة هذا اللقاء الهام في وقتٍ يواجه فيه العالم تحدّيات جمّة تدعو إلى فهم أعمق وتعاون أوسع بين الناس، من خلفيّات دينيّة وثقافيّة متعدّدة. وأكد أنّ احتضان الجامعة في مادبا لهذا اللقاء يجسّد التزامها الراسخ بالحوار والانفتاح وبناء الجسور بين الثقافات والأديان.
وأضاف أنّ الكنيسة، عبر التاريخ وحتّى اليوم، كانت وما زالت صوتًا روحيًا وإنسانيًا وواحة سلامٍ تحتضن جميع الشعوب بروح الاحترام والانفتاح والقبول، وتنظر إلى الأديان وأتباعها بعين التقدير والمشاركة في القيم الأخلاقية والروحية التي توحّد البشرية. وختم بالتأكيد أنّ الكنيسة تؤدي دورًا محوريًا في تعميق التفاهم المتبادل والعمل المشترك من أجل العدالة الاجتماعيّة والخير العام والسلام الدائم بين الشعوب.
وفي كلمته الرئيسية خلال الندوة، عبّر الكاردينال بيتسابالا عن شكره للمركز الكاثوليكي والجامعة الأميركية على تنظيم هذه الندوة بمناسبة مرور ستين عامًا على صدور الوثيقة الفاتيكانيّة «في عصرنا – Nostra Aetate»، مؤكدًا أهميتها التاريخية في فتح صفحة جديدة من العلاقات بين المسلمين والمسيحيين على أساس الاحترام المتبادل والإيمان بالله الواحد.
وأشار نيافته إلى أن معرفة المجتمعات في الشرق الأوسط بهذه الوثيقة ما تزال محدودة خارج الأوساط الأكاديمية والدينية، إلا أن روحها ومضامينها تتجلّى عمليًا في مبادرات الحوار والعيش المشترك التي برزت في المنطقة، وفي مقدمتها مبادرات المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي جعل من الحوار والسلام ركيزة لرسالة الأردن الإقليمية والدولية.
وتوقف الكاردينال عند ما وصفه بـ«النماذج المضيئة» التي تجسّد رسالة الوثيقة وتؤكد أن الحوار ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة لحياة الشعوب واستقرارها، مشيرًا إلى المبادرات الأردنية الحوارية العالميّة، ومنها رسالة عمّان ومبادرة كلمة سواء وأسبوع والوئام بين الأديان، إضافة إلى الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، والعديد من المؤسسات الوطنيّة العاملة في مجال الحوار في الأردن.
وشدّد نيافته على أن الحوار بين الأديان هو «حجّ نحو الرجاء وبناء الثقة»، مؤكدًا أنّ الحوار لا يقتصر على إعادة قراءة التاريخ والعلاقات الماضية بين المجتمعات، بل يتطلّب ترسيخ ثقافة اللقاء في التعليم والمؤسسات الدينية، وتعزيز التعاون بين القيادات الدينية في مواجهة الانقسامات والصراعات، خصوصًا في ظل ما تشهده المنطقة من مآسٍ وآخرها حرب غزة.
وختم الكاردينال بتسابالا بالتأكيد على أن السلام في الشرق الأوسط يبدأ من الحوار الحقيقي بين أتباع الديانات، مشدّدًا على أنّ المجتمعات المسيحية، شأنها شأن سائر المجتمعات في المنطقة، تشكّل جزءًا أصيلاً من هذه الأرض، وأن العلاقة معها حيوية لبناء المستقبل، كما أنّ العلاقة المسيحية-الإسلامية أساسيّة لاندماج المنطقة في العالم الأوسع ولمواجهة التحديات العالمية التي تطال الجميع.
من جهته، أكد فضيلة الدكتور أحمد الخلايلة امام الحضرة الهاشمية، أنّ العلاقة بين الله الخالق والإنسان المخلوق فريدة لا مثيل لها، تقوم على الارتباط العميق والاحتياج الدائم إلى الخالق سبحانه وتعالى، مشيرًا إلى أنّ مَن أراد أن يعرف الله العظيم بصفاته الجليلة لا بدّ أن يعرف الإنسان في ضعفه واحتياجه إلى ربه.
وأشار فضيلته إلى أنّ من أراد محبة الخالق العظيم لا يجوز له أن يتجاوز صنعته الكبرى في الوجود، الإنسان، الذي يحمل الفكر والمشاعر، والذي يمثل المقياس الحقيقي لما يتمتع به من كرامة وسلوك راقٍ. ودعا إلى التواصل الإنساني بأحسن صورة في القول والعمل واحترام الآخر، مؤكدًا أن الإيمان لا يعني تطابق المعتقدات، بل الإيمان بحق الآخر في أن يعتقد، لأن الله خلق البشر مختلفين ليتفكروا في صنعته ويسعوا إليه من خلال هذا الوجود.
وشدّد على ضرورة الإحسان في القول والعمل، معتبرًا أن الحوار والنقاش والجدال الحسن من أرقى صور التفاعل الإنساني، وأن الظلم أو الإقصاء أو الإساءة تفسد هذا التوازن الإلهي في العلاقات بين البشر.
وثمّن فضيلته المبادرات الأردنية الرائدة في مجال الحوار بين الأديان، مثل رسالة عمّان ومبادرة كلمة سواء وأسبوع الوئام بين الأديان، إلى جانب ما قدمه الأردن من نموذج للعيش المشترك واستقبال المهجّرين من الموصل، مؤكدًا أن هذه المبادرات تجسّد رسالة الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني في تعزيز السلام والاحترام بين بني البشر، والدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة، وفي مقدمتها القدس والمقدسات.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!