
السابق ردود متفاوته حول دعوة مسيحيو فلسطين رفع صوتهم في واشنطن
ملح الأرض – ليث حبش
في مكتبه بمقرِّ وكالة الأنباء الأردنيّة “بترا”، استقبلنا رئيس مجلس إدارتها، الصحفيّ والنّائب الأسبق نبيل غيشان، الّذي فتح لنا أبواب تجربته الطويلة المُمتدّة بين قاعات التّحرير وقُبّة البرلمان، تحدَّثَ لنا بصدقٍ وصراحة عن رحلته المهنيّة من المسرح إلى الصّحافة فالنّيابة، وعن التحدّيات الّتي تواجه الإعلام الأردنيّ اليوم، والخطّة التطويريّة الطموحة الّتي تقودها “بترا” للتحوُّل إلى مِنصّة وطنيّة للمعلومة والخدمة.
من خشبة المسرح إلى كلّيّة الصّحافة في موسكو
يعود غيشان بذاكرته إلى أيّام الطفولة، قائلاً “لم أتوقَّع أنْ أُصبِحَ إعلاميًّا في بداياتي، فقد كانت هوايتي الأساسيّة في طفولتي هي الرّياضة، ثمَّ لاحقًا التّمثيل المسرحيّ. بدأتُ التّمثيل في مسرح مدرسة دير اللّاتين في مادبا خلال المرحلة الإعداديّة، واستمرَّ نشاطي حتّى الثّانويّة حيثُ أخرجتُ أعمالًا مسرحيّة جابت عدّة مدارس مسيحيّة في المملكة”.
ورغم رغبته في دراسة الإخراج المسرحيّ، إلّا أنَّ الظروف دفعته لاختيار الإعلام كخيارٍ بديل، فانتقل إلى موسكو، حيثُ التحق بكلّيّة الصّحافة وتخصَّص في الإعلام التلفزيونيّ، لينال عام 1985 درجة الماجستير.
محطّات في الصّحافة الأردنيّة…العرب اليوم كانت الحلم الأكبر
بدأ غيشان مسيرته المهنيّة في منتصف الثّمانينات، حيثُ عمل في عدّة صُحف أسبوعيّة مِثل “أخبار الأسبوع”، و”الوفاق”، ثمَّ في صحيفة “صوت الشعب”، لم تكُن تلك الأعمال مُستقرّة، ولم تكن الرّواتب موجودة أصلًا”، يقول غيشان لـ ملح الأرض.
وفي نهاية عام 1986، التحق بمجلّة “المُهندس الأردنيّ” التّابعة لنقابة المُهندسين، حيثُ استمرَّ حتّى 1993 ثمَّ انتقل إلى صحيفة “الأسواق”، ومنها بدأ مشواره المهنيّ الحقيقيّ، إلى أنْ التحقَ في عام 1997 بصحيفة “العرب اليوم”، الّتي يصفها بأنَّها تجربة لن تتكرَّر في الصّحافة الأردنيّة. “لم تكن مُجرَّد صحيفة، بل مشروع وطنيّ مُقاوم للخصخصة والفساد، وتبنَّت خطابًا نقديًّا ذا نبرة وطنيّة عالية منذ تأسيسها على يد د. رياض الحروب” عمل غيشان في “العرب اليوم” لسبعة عشر عامًا، وكان خلال ذلك كاتبًا يوميًّا ووجهًا إعلاميًّا معروفًا.
الطّريق إلى البرلمان…الصّحافة صنعتُ شعبيتي
يؤكِّد غيشان أنَّ خلفيّته الصّحفيّة مهَّدتْ له الطّريق إلى البرلمان: “كنتُ أكتبُ بشكلٍ يوميّ وأظهر على الفضائيّات والإذاعات، وهذا منحني حضورًا جماهيريًّا واضحًا ساعدني على الفوز في انتخابات 2016 عن المقعد المسيحيّ في محافظة مادبا، حيثُ حصلت على أعلى الأصوات مُقارنةً بكلِّ المُرشّحين، بمن فيهم المسلمون”.
مُضيفًا “كنتُ نائبًا للوطن رُغم أنني انتخبت لمقعد الكوتا المسيحيّة، لم أخشَ في الحقِّ لومة لائمٍ، وحجبتُ الثّقة مرَّتين عن الحكومة، ولم أمنح الثِّقة لأيّ قانون مُوازنة”.
تقيّيم صريح للبرلمان…تأثير محدود وثقة متآكلة
وعن تجربته النيابيّة، يقول لـ ملح الأرض “عملتُ صحفيًّا على شرفات مجلس النوّاب لمدّة عشر سنوات قبل أنْ أكونَ نائبًا، المجلس النّيابي لم يعدْ له التّأثير السَّابق في الحياة السّياسيّة الأردنيّة. هُناك تراجع في ثقة المواطنين بالمجالس المُنتخبة، وهذا ناتج عن الأداء المُتواضِع والاصطفافات غير المفهومة”. ويرى غيشان أنَّ المجلس الحاليّ أفضل من القادم، لكنَّه لا يتوقَّع تحسُّنًا كبيرًا إذا لم يتمّْ إصلاح المنظومة السياسيّة بعمق.
أزمة الإعلام…من الجُرأة إلى السّقف المُنخفض
وفي تقيّيمه للإعلام الأردنيّ، يقول غيشان “الصّحافة الّتي عرفتها حتّى 2013 لم تعدْ موجودة. الصُّحف اليوميّة بالكاد تطبع 10 آلاف نسخة، بعدما كانت تطبع 100 ألف. الصّحافة اليوم فقدَتْ جُرأتها ودورها الأساسي في التّحليل والتّحقيق، وأصبح الرَّقيب الدّاخليّ أقوى من أيّ وقتٍ مضى”.
ويرى أنَّ وسائل التّواصل الاجتماعيّ ساهمَتْ في ضرب الصّحافة التّقليديّة، بسبب سُرعة تداول الخبر، ممّا أضعفَ دور الصّحيفة في التفسير والتدقيق.
خطّة استراتيجيّة لـ “بترا” نحو وكالة تفاعليّة للمواطن
ينتقل غيشان للحديث عن “بترا”، ويشرح رؤيته بوضوح: وكالة بترا ليسَتْ مُجرَّد وسيلة إعلام، بل هي المنصّة الرّسميّة للدّولة، دورنا أنْ ننقل أخبار الحكومة والبرلمان والمُجتمع المدنيّ والمواطن بكلّ دقّة وصدق، ولا نبحث عن السَّبق على حساب المعلومة الدّقيقة.
وأعلنَ في المقابلة أنَّ الوكالة ستُطلِق موقعًا إلكترونيًّا جديدًا خلال أيّام، ضمنَ خطّة استراتيجيّة للفترة 2026-2028، قائلًا: “سنقدِّمُ خدمات جديدة للمُواطِن تشمل الصّحّة والتّعليم والسّياحة والعمل والفن والثّقافة، وحتّى معلومات خفيفة مثل أين تذهب هذا المساء؟، كذلك سندخل عالم البودكاست، والريلز، والمحتوى الموجَّه على السوشال ميديا”. كما أشار إلى أنَّ الوكالة ستتحوَّل إلى مصدر موثوق ومُتجدِّد يُخاطِب المواطن مُباشرةً.
قضايا المُجتمع المسيحيّ… من الإصلاح القانونيّ إلى الحضور في مؤسَّسات الدّولة
وفي الجزء الخاصّ من المُقابلة، الّذي خصَّصته ملح الأرض لقضايا المُجتمع المسيحيّ، أكَّد غيشان على أنَّه كان من أبرز المُدافعين عن تعديل قانون الأحوال الشخصيّة، وخاصَّةً المادّة الّتي كانت تُميِّز بين حضانة المرأة المُسلمة وغير المُسلمة، ونجح مع زملائه في شطبها.
كما طالَبَ بقانون إرث موحَّد للمسيحيّين، يُساوي بين الذّكر والأنثى الأنثى: “من حقِّها أنْ ترث كما يرث الذَّكر، وإذا اقتضى الأمر يمكن إلزامها بالإنفاق على الوالدين في حال عدم وجود أخ”.
وفيما يخص تراجع الحضور المسيحيّ في وظائف الدّولة، أوضح أنَّ هُناك انسحابًا طوعيًّا لا إقصاءً، ناتج عن الهجرة وتراجع جدوى الوظائف الحكوميّة ماديًّا، مُضيفًا: “عندما كنتُ نائبًا، سعى بعض المسؤولين إلى تعيين مسيحيّين. أحد مُدراء الأجهزة الأمنيّة طلب مني قائمة بأسماء شباب مسيحيّين، قائلًا: لديَّ عددٌ كافٍ من المُسلمين وأريدُ تنويع الطاقم”.
أوّل رئيس مجلس إدارة لـ “بترا” من خارج الحكومة
واختتم غيشان اللِّقاء بالإشارة إلى أنَّ تعيّينه جاء وفق تعديلٍ تشريعيّ صدرَ مؤخّرًا بطلبٍ من مجلس النوّاب، ألغى اشتراط أنْ يكون رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء الأردنيّة أو الإذاعة والتّلفزيون وزيرًا أو شخصيّةً حكوميّة.
“أنا أوّلُ رئيسٍ لمجلس إدارة وكالة بترا يأتي من القطاع الخاصّ، دوري هنا لا يشمل الإدارة اليوميّة، بل التّخطيط ووضع الاستراتيجيّات والإشراف على تنفيذها”.
*نبيل غيشان هو صحفيٌّ من طرازٍ خاصٍّ، ونائبٌ سابقٌ له باعٌ طويلٌ في الدّفاع عن الحرّيّات والإصلاح، واليوم، بصفته رئيسًا لمجلس إدارة وكالة الأنباء الأردنيّة، يقود مشروعًا طَموحًا لتحويل الوكالة إلى منصّة تفاعُليّة وطنيّة، تُراعي احتياجات المواطن العادي، وتُواكب العصر الرّقميّ بروحٍ مهنيّةٍ مسؤولة.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!