
السابق مقال رأي: لاهوتُ الاستبدال بدعة

بقلم: يزن ملكونيان
بعد سلسلة من الإساءات العلنيّة التي صدرت بحقّ الإنجيليّين في الأردن، ووصف زواجَهم بأنّه «زواج زِنى»، واعتباره أنّ المسيح «ليس فيهم» وأنّهم «هراطقة»، فضلًا عن التلميح المباشر إلى بعض الكنائس الإنجيليّة بالاسم، كان لا بدّ من انتقال الردّ من مستوى الانفعال والاستنكار إلى مستوى الحوار اللاهوتي العلني.
الفيديوهات التي انتشرت على صفحة «تساؤلات الشباب» لم تكتفِ بالنقد أو العرض اللاهوتي، بل حملت – بحسب ما ظهر فيها – لغة إقصاء وتشكيك بإنجيليّي الأردن وشرعيّة إيمانهم وكنائسهم. أمام هذا الواقع، بادرتُ بالتواصل مع القائمين على الصفحة، طالبًا مناظرة إنجيليّة–أرثوذكسيّة علنيّة، تُفتح فيها الملفات اللاهوتيّة بوضوح أمام الناس، بدل الاكتفاء بخطاب من طرف واحد.
من عمّان إلى بيروت: مناظرة من خارج الحدود
تبيّن بعد التواصل على الخاص أنّ صفحة «تساؤلات الشباب» تُدار من خارج الأردن، وأنها منصّة إعلاميّة ولاهوتيّة تنشر بشكل متكرّر محتوى ناقدًا للإنجيليّين. وبناءً على ذلك، كان من الطبيعي أن تتمّ المناظرة في الخارج؛ فتمّ الاتفاق على تصويرها في لبنان.
رشّحت الصفحة باسمها الطرفَ الأرثوذكسي في الحوار، وهو:
• الدكتور روني سعيد، حامِل دكتوراه في اللاهوت والفلسفة، ومحاضر في الجامعة الأمريكيّة، وقد قُدِّم على أنّه يمثّل العقيدة الأرثوذكسيّة كما تراها الصفحة.
أمّا عن الطرف الإنجيلي، فقد تمّ ترشيح:
• القس طوني سكّاف، راعي كنيسة بدارو المعمدانيّة الإنجيليّة في بيروت، ليمثل الرؤية الإنجيليّة المعمدانيّة في الحوار.
ثلاثة محاور رئيسيّة: الكنيسة، التقليد، الخلاص
استندت المناظرة إلى محاور مكتوبة ومحدّدة مسبقًا، جرى إرسالها للطرفين، كي يكون النقاش منضبطًا وواضحًا أمام المستمع:
1. المحور الأوّل: مفهوم الكنيسة
• المفهوم الإنجيلي للكنيسة.
• المفهوم الأرثوذكسي للكنيسة.
• ثمّ مناقشة مشتركة بين الدكتور روني والقس طوني حول معنى الكنيسة، ومعنى «الهرطقة»، والسؤال الصريح:
هل تُعتَبَر الكنائس الإنجيليّة – في ضوء التعريف التاريخي واللاهوتي للهرطقة – كنائس «مهرطقة» حقًّا؟
2. المحور الثاني: التقليد وعلاقته بالكتاب المقدّس
• النظرة الأرثوذكسيّة إلى التقليد الكنسي ومكانته إلى جانب الكتاب المقدّس.
• النظرة الإنجيليّة إلى التقليد، وحدود قبوله في ضوء سلطان الكتاب المقدّس.
• مناقشة مشتركة حول سؤال: ما هو معيار الإيمان؟ وكيف نميّز بين «التقليد الحيّ» و«التقليد المقيَّد للضمير المسيحي»؟
3. المحور الثالث: الخلاص
• الخلاص في المفهوم الإنجيلي: التبرير بالإيمان، عمل النعمة، علاقة الإيمان بالأعمال والسرائر.
• الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي: التألّه، الأسرار، الشركة الكنسيّة، وسير التقديس.
• حوار صريح حول سؤال جوهري:
هل يملك الإنجيليّون «خلاصًا» حقيقيًّا بحسب تعريف الكنيسة التاريخيّة، أم أنّهم – كما يُقال – خارج دائرة الخلاص؟
روح المحبّة والاحترام… وشهادة من الطرف الأرثوذكسي
على خلاف الخطاب الانفعالي الذي حملته بعض المقاطع المنتشرة، ساد في هذه المناظرة – بفضل الرب – جوّ من المحبّة والاحترام المتبادل بين الدكتور روني والقس طوني. كان الحوار حقيقيًّا، مباشرًا، دون مقاطعة جارحة أو لغة تجريح شخصي، مع مساحة عادلة لكلّ طرف ليعرض قناعاته ويفنّد اتّهامات الطرف الآخر.
ولم تقتصر الشهادة على انطباع الإنجيليّين فحسب، بل جاءت أيضًا من الطرف الأرثوذكسي نفسه؛ إذ قال الدكتور روني عن القسّ طوني خلال الحوار: «للأمانة، أسلوب القسّ طوني يُدرَّس؛ لا يستفزّ ولا يَستفِر، ولا يسعى إلى الانتصار على مُحاوِره، وفي الوقت نفسه يحاول أن يُظهِر فِكره بكلّ وضوح، مع كونه مُستمِعًا جيّدًا للآخَر».
وهي شهادة تُظهِر أنّ الحوار لم يكن معركة لكسر الآخر، بل مساحة حقيقيّة لعرض الإيمانين بوضوح واحترام متبادل.
لقد تركنا الحُكم للمستمع العزيز:
هل حقًّا الإيمان الإنجيلي هرطقة؟
هل حقًّا الكنيسة الأرثوذكسيّة هي وحدها فقط «الكنيسة الحقيقية»؟
وهل المسيح «ليس في الإنجيليّين» كما قيل على بعض المنابر الأرثوذكسيّة؟
المستمع هو من سيقارن بين لهجة الاتّهام في الفيديوهات، ولهجة الحوار في المناظرة، وبين مضمون الكلام اللاهوتي الموثّق من الطرفين.
«لجأنا إلى الخارج بعد أن أُغلقت أبواب الداخل»
أقولها بكل صراحة: «لجأنا إلى محاورة الخارج لأنّنا فقدنا الأمل – إلى حدّ بعيد – في فتح قنوات حوار حقيقيّة مع بعض القيادات الأرثوذكسيّة في الداخل. خمس سنوات من الخطاب التحريضي لم تُقابَل باستعداد جادّ للحوار، لذلك جاءت هذه المناظرة لتُسجَّل للتاريخ، وتضع الفكر الأرثوذكسي والإنجيلي وجهًا لوجه أمام الناس».
هذه الحلقة ليست معركة لكسب نقاط طائفيّة، ولا مناسبة لجلد الآخر أو الشماتة به، بل هي:
• أوّل ردّ لاهوتي مُصوَّر (صوتًا وصورة) حديث، ناتج عمّا قام به المطران خريستوفورس على امتداد خمس سنوات من التصريحات التحريضية المتتالية.
• فرصة نادرة ليستمع فيها شبابنا وأهلنا في الأردن والعالم العربي إلى عرض هادئ، مرئي، ومحترم للإيمان الإنجيلي، في حوار مباشر مع لاهوتي أرثوذكسي.
هل يستطيع الفكر الأرثوذكسي – كما يُعرَض اليوم على بعض المنابر – أن يصمد أمام حوار لاهوتي رصين مع الإنجيليّين الذين يُوصَفون بالهرطقة؟
الحُكم لكم أنتم، لا لنا.
دعوتي من القلب لكلّ قارئ، سواء كان إنجيليًّا أو أرثوذكسيًّا أو غير ذلك، أن يبحث عن هذه المناظرة، ( الشكر موصول لصفحة شي بيفيد الذين استضافوا هذه الحلقة بكل محبة). وأن يُشاهِدها بعقل منفتح وقلب صادق، وأن يطلب من الرب أن يقوده إلى الحقّ، بعيدًا عن لغة الاتّهام والتخوين، وقريبًا من لغة الصليب والمحبّة.
«لِيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِاللِّياقَةٍ وَبِحَسَبِ التَّرْتِيبِ» (1كورنثوس 14: 40)


تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!