
السابق المجامع الإنجيليّة في الأردن والجليل تُشارك في تعزية البابا فرانسيس
ترجمة غير رسميّة عن المقال الأصلي هنا
بقلم داود كُتّاب
(RNS) – خلال جلسةٍ للجنة الهجرة والاستيعاب وشؤون الشتات في الكنيست الإسرائيليّ يوم الاثنين (5 مايو)، دقّت عايدة توما سليمان، النّائبة المسيحيّة من شمال إسرائيل، ناقوس الخطر إزاء نمطٍ مُقلقٍ من مُضايقة المسيحيّين في البلاد. خلال أسبوع الآلام، مُنِعَ العديد من مسيحيّي الضفّة الغربيّة من دخول القدس، وفي سبت النّور، عشيّة عيد الفصح، مَنعَتِ الشُّرطة الإسرائيليّة المُصلّين من الوصول إلى الكنائس.
تُمثّل هذه الاضطرابات استمرارًا للزيادة الحادّة في الهجمات على المسيحيّين، والّتي وُثِّقَتْ في تقريرٍ صدر في مارس 2025 عن مركز روسينغ للتّعليم والحوار، والّذي أظهر تزايدًا في حوادث العُنف: بصق رجال الدّين، وتخريب مُمتلكات الكنائس، وتدنيس الصُّلبان، ومُضايقة الحُجاج. في كثيرٍ من الحالات، كانت الشُّرطة بطيئةً في الاستجابة – إنْ استجابَتْ أصلًا.
قالت توما سليمان: “لو كان هذا البلد يحترم جميع الأديان، لكان ما يحدث ضدَّ رجال الدّين المسيحيّين قد أثار ضجّةً هائلةً وقلب البلاد رأسًا على عقب”.
كما أدانَتْ توما سليمان فشل الحكومة الإسرائيليّة الصّارخ في الاعتراف بوفاة البابا فرنسيس. أرسلَتْ حُكومة رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو مُساعدًا من رتبةٍ أدنى إلى جنازة البابا فرنسيس، إلى جانب السّفير الإسرائيليّ لدى الكرسي الرّسوليّ، بينما حضر قادة نحو 130 دولة أخرى. أمّا الذّريعة الّتي ساقتها – أنَّ الجنازة صادفت السّبت اليهوديّ – فكانَتْ واهيةً، لا سيّما في ضوء حضور السّفير الإسرائيليّ في الجنازة.
لم تُرسِل الحكومة الإسرائيليّة سوى رسالة تعزيةٍ رسميّةٍ باهتةٍ في يوم وفاة البابا فرنسيس، بل حُذِفَتْ تغريدة سطحيّة من وزارة الخارجية بسرعةٍ تحت ضغطٍ من أعضاء الائتلاف اليمينيّ المُتطرِّف.
لم يكُنْ هذا الصّمت النسبيّ، لا سيّما من دولةٍ تُصنّف نفسها مُدافعةً عن الحرّيّة الدّينيّة، مُجرَّد سهوًا دبلوماسيًّا. كان هذا تصرُّفًا مُتعمّدًا ينطوي على عدم احترام، وتنازلًا لعناصر من ائتلاف نتنياهو، الّذين ينتقد الكثير منهم البابا لوضوحه الأخلاقيّ، وخاصّةً فيما يتعلَّق بالفلسطينيّين. وكما حذَّرَتْ توما سليمان، “فإنَّه يبعث برسالةٍ خطيرةٍ تُشجِّعُ المُتطرِّفين المجانين على مواصلة هجماتهم على المُقدّسات الدّينيّة”.
مُنذ بداية الصّراع في غزّة، دعا البابا فرنسيس أبناء كنيسة العائلة المُقدّسة في مدينة غزّة، وهي الكنيسة الكاثوليكيّة الوحيدة في القطاع، ليُقدِّم لهم العزاء وهم يحتمون من الهجمات الإسرائيليّة على تلك المدينة.
لكنَّه قدَّم أيضًا العزاء للمسيحيّين والمسلمين الّذين يُعانون من دمارٍ لا يُصدَّق. في عيد ميلاده الأخير في ساحة القديس بطرس، أشرف على مشهد ميلاد يسوع، حيث لُفَّ الطّفل يسوع بكوفيّةٍ فلسطينيّةٍ – في لفتةٍ هادئةٍ لكنّها مؤثّرة. وفي بادرة تضامنٍ استثنائيّةٍ، أهدى البابا سيّارته البابويّة إلى غزّة لتحويلها إلى سيّارة إسعاف.
أُقيم قدّاس مهيب في كنيسة العائلة المُقدّسة بمدينة غزّة، وحضر المسيحيّون والمسلمون لتأبين رجلٍ رأوه قائدًا غربيًّا نادرًا مُستعدًّا لقول الحقيقة للسُّلطة. قال ذات مرّةٍ: “مَن يُفكِّر فقط في بناء الجدران، لا في بناء الجسور، ليسَ مسيحيًّا. هذا ليسَ من الإنجيل”.
ومع أنَّه قد يُقال إنَّ هذه الأفعال نفسها دفعَتْ نتنياهو إلى حجب الاعتراف اللّائق بوفاة فرنسيس، إلّا أنَّ نتنياهو عبّر علنًا عن تعازيه للرّئيس الأمريكيّ جيمي كارتر، المُنتقد اللّاذع للسّياسات الإسرائيليّة.
وصف وديع أبو نصّار، وهو كاثوليكيّ من حيفا ومُنسِّق منتدى المسيحيّين في الأرض المُقدّسة، ردّ الحكومة على وفاة البابا بالخيانة: “كان زعيمًا لأهمِّ كنيسةٍ في العالم… لديه أتباع من بين دافعي الضّرائب الإسرائيليّين. يستحقُّ الرّجل بعض الاحترام”.
لا يقتصر الصّمت على البابا فحسب. إنَّ رفض الحكومة الإسرائيليّة حماية مواطنيها المسيحيّين، الّذين بنوا المدارس والمستشفيات والمؤسَّسات الثّقافيّة، هو أكثر من مُجرَّد إهمال. إنَّه تواطؤ. ردّ نتنياهو يُشير إلى تآكل أخلاقيّ أعمق يحدث مع تغليب القوميّة والهويّة الدّينيّة والمصالح السّياسيّة على المواطنة المُشتركة.
طالبَتْ توما سليمان يوم الاثنين بسياسة وطنيّة واضحة لمُكافحة الكراهية الدّينيّة والعنصريّة في إسرائيل، مُحمِّلةً الشُّرطة مسؤوليّة دورها في تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب. وقالَتْ: “يجب أنْ تتحمَّل الشُّرطة المسؤوليّة الكاملة عن ممارساتها العنيفة والتعسُّفيّة وسلوكها المُهين، لا سيّما في المناسبات الدّينيّة”.
لكن هذه ليسَتْ قضيّة إسرائيليّة فحسب. يجب على الكنيسة العالميّة والعالم أجمع ألّا يغضّوا الطَّرف، بل أن يُكرّموا فرنسيس بالاستجابة لدعوته: المُطالبة بالسّلام، والتمسُّك بالكرامة، ورفض تطبيع الكراهيّة، سواء ضدّ الفلسطينيّين أو ضدّ المسيحيّين الّذين يسعون لخدمتهم.
سيُخلِّد التّاريخ هذه اللّحظة. سيتذكَّر من دافع عن الاحترام ومن حذفها خوفًا. سيتذكَّرُ الحكومات الّتي اختارَتِ الصّمت على الحقيقة، والجدران على الجسور، والمصلحة على المبادئ. سيتذكَّر فرنسيس على طريقة عيشه: بجرأة، ورحمة، وثبات في صفّ المظلومين.
(داود كُتّاب، صحفيّ فلسطينيّ حائز على جوائز، هو مؤلِّف كتاب “دولة فلسطين الآن”، وناشر موقع إلكترونيّ للمسيحيّين في الأردن وفلسطين. تابعوه على X @daoudkuttab
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!