
السابق في حكم قضائي غير مسبوق…تثبيت نسب طفلتين من أب مسيحي وأم مسلمة في سجلات الأحوال المدنية
حاوره داود كُتّاب- ملح الأرض
قال مطران اللّاتين إياد طوال أنَّ لديه الشجاعة لعمل ما هو مطلوب للمصلحة العامّة للكنيسة والمُجتمع المسيحيّ.
أقوال المطران جاءت في حوارٍ حصريٍّ واسعٍ وصريح لـملح الأرض مع ابن مأدبا، الّذي حظي بثقةِ بطريرك القدس الكاردينال بيير باتيستا بيتسابالا بقرارٍ من البابا فرنسيس ليستلم موقع النّائب البطريركيّ العام مُطران اللّاتين في المملكة الأردنيّة الهاشميّة.
لم يتردّد المُطران طوال بالتّعليق على أمورٍ حسّاسةٍ في إدارة الكنيسة اللّاتينيّة ومؤسَّساتها التّعليميّة والإنسانيّة وحتّى في مجال النّقاش العالميّ الفكريّ في الكنيسة الكاثوليكيّة.
وردًّا على سؤالٍ حول وضع المؤسَّسات اللّاتينيّة التّعليميّة في الأردن، لم يُخفِ المُطران تراجعها، ولكنَّه ردَّ على السّؤال بطرحٍ أوسع: “أنا أطرح الموضوع بطريقة ثانية. التّعليم بشكلٍ عام يمرّ في أزمة بسبب ظروف العالم المُتغيّر والسّريع. الانترنت والتّكنولوجيا ومُتطلَّبات التّعليم المُعاصر تفرض علينا التّفكير العميق في مُستقبل التّعليم بشكلٍ عام”. وقال المُطران طوال أنَّ جائحة كورونا والتّعليم أون لاين، يفرض على إدارات المدارس ردًّا مُختلفًا “لاحظ أنَّ المناهج نتعب عليها وتُطبع بعد ثلاث أو أربع سنوات فتصبح متأخِّرة بسبب سرعة التّغيير ودور التّكنولوجيا” كما اعتبر الأبّ اللّاتينّي الّذي عَمِلَ في مجال إدارة تعليم المدارس التّابعة لبطريركيّة اللّاتين في فلسطين أنَّ هناك أزمة ماليّة مُتعدِّدة الأسباب. “هُناك مُشكلة في رواتب المُعلِّمين والمُعلِّمات والأقساط وتحويل التّعليم لتجارةٍ مُربحةٍ دخلَتِ المُنافسة والاستثمار ورؤوس الأموال فيما غابَتِ القيم”
وفيما يتعلَّق بالجامعة الأمريكيّة في مادبا قال النّائب الأسبق لجامعة بيت لحم أنَّ وضع الجامعة تحسَّن: “لقد قطعَتْ شوطًا كبيرًا ووضع الجامعة الآن أحسن بكثير من السّابق”
سيرة المطران إياد طوال
ولد المُطران إياد أكرم طوال الابن الثّالث لعائلة بسيطة عام 1973، وانضمَّ إلى المدرسة الخاصّة الوحيدة في مسقط رأسه التّابعة لدير اللّاتين، وهناك التقى وأصدقائه مع أحّد الكهنة واقتنع بإكمال دراسته الأساسيّة في المدرسة الدّاخليّة التّابعة لإكليريكيّة بطريركيّة اللّاتين في بيت جالا. ولكنَّه وأصدقاءه اضطروا للعودة للأردن بعد اندلاع الانتفاضة الأولى وقيام الحاكم العسكريّ بإغلاق كافّة المدارس، حيثُ أنهى الدّراسة الثّانوية في مدرسة عماد الدّين الزنكي الحكوميّة في مأدبا. “حصلْتُ على نتيجةٍ جيّدةٍ في التّوجيهي، وكنتُ أرغبُ بالعودةِ للسمنير في بيت جالا.” كما يقول إياد طوال إنَّ فكرة أنْ يبني الإنسان حياته على هدفٍ قويٍّ وسامي كانت مُشجعة له. “كانت تدفعني فكرة الانتماء للكنيسة والخدمة والعطاء هدف سامي ونبيل.”
تحدّي أنْ توفِّر الأمل للشّباب في جامعة بيرزيت
ويذكُرُ بفرحٍ العودة لبيت جالا والاستمتاع مع الزّملاء بمطعم قعبر الشّهير بالدّجاج المشوي في بيت جالا، وعند الذّهاب لكنيسة المهد كان لا بدَّ من التوقُّف في مطعم افتيم ابن يافا لتذوُّق الفلافل. وبعد ستة سنوات تخرَّج إياد طوال بشهادتي بكالوريوس، واحدة في الفلسفة وواحدة في اللّاهوت، وتمَّ تعيّينه شمّاسًا إنجيليًّا في كنيسة اللّاتين في يافا، والّتي تركَتْ أثرًا كبيرًا في حياته حيث تعرَّف أكثر على الحياة في المدينة وعُرِفَ بالتمييز ضدَّ أبناء شعبه، كما تعرَّف على النّاطقين بلغاتٍ مُختلفةٍ “إنجليزي وفرنسي وإيطالي”، وحتّى أنَّه أخذ بعض الحصص الدّراسيّة لتعلُّم اللّغة العبريّة. في عام 1998 تمَّ رسامة الأبّ إياد طوال وتعيّينه لرعية الكنيسة في قرية بيرزيت، والّتي شملَتْ أيضا الجامعة العريقة. وعانت رعيَّته في تلك الفترات من قرار منع التجوُّل وغيرها واستمرار الظُّلم على الشّعب الفلسطينيّ. يقول المُطران أنَّه في تلك الفترة كانَتِ التحدّيات كبيرة. “أنْ تكون راعي وتواجه تلك التحدّيات بصورةٍ مُباشرةٍ فالوعظُ والكلام صعبٌ أمام المُعاناة. من الصّعب تقديم الأمل للشّباب بالرّغم من الظُّلم، وكان عليَّ أنْ أكتشفَ الجواب لتلك الأسئلة حول غياب العدالة والظُّلم المرئيّ للجميع، وكان من الضروري أنْ أتألَّم معهم. كانت خمس سنوات صعبة وغنيّة”.
وفي عام 2003 انتقل الأبّ إياد للسِّمنير في بيت جالا وكان يُساعد الأب اميل سلايطة في إدارة مدارس البطريركيّة، وفي عام 2006 سافر الأبّ طوال إلى روما حيث أكمل الماجستير في الفلسفة والدّكتوراة في الفلسفة السّياسيّة ورجع كراعي كنيسة اللّاتين في بيت ساحور، وفي الوقت نفسه بدأ بالتّدريس في جامعة بيت لحم، ويُعلِّق المُطران إياد أنَّ التّفاعل مع طلّاب الجامعة والكنائس المحلّيّة كانَ فرصةً مُهمّةً للعمل المسكونيّ.
أهمّيّة المواطنة الأردنيّة للمسيحيّين
في ردٍّ على سؤالٍ حول النِّقاش الّذي جرى مؤخّرًا عن رسالة رئيس الوزراء بتحويل غالبيّة أمور المسيحيّين في الأردن لمجلس رؤساء الكنائس قال المُطران لـملح الأرض أنَّه يُتابع النِّقاش حول الموضوع. “أحترمُ قضيّة الهويّة والانتماء الوطنيّ. أنا جدًّا فخور وسعيد أنَّ هناك اتفاقٌ على المواطنة، فنحن أبناء الوطن ولا يوجد أي مُزايدة على انتمائنا ومحبّتنا للوطن، لذلك أرى النِّقاش إيجابيّ”.
وحول موضوع المرجعيّة المسيحيّة يقول المُطران طوال: “هُناك نظامٌ قانونيٌّ إداريٌّ موجودٌ في البلد، وهذا منذ سنوات التّأسيس ولغاية الآن، ودخل في عدّة مراحل. أذكرُ قبل سنواتٍ كان هناك محاولةٌ لإقامة حزبٍ يُنادي بالدّولة المدنيّة وكان جلالة الملك عبد ﷲ الثاني وضمن سلسلة الأوراق النّقاشيّة الملكيّة قد نشر الورقة النِّقاشيّة السّادسة، بعنوان: سيادة القانون أساس الدّولة المدنيّة”.
وصرَّح المطران أنَّه اجتمع مع عددٍ من رجالات الدّولة ومن المتوقّع أنْ يقوم قريبًا بجلساتٍ مع النوّاب والأعيان، واعتبر أنَّ المُمثّلين المسيحيّين من خلال الكوتا في البرلمان يعملون ضمن المجلس التّشريعيّ وهو السُّلطة الدُّستوريّة في البلد. وفي موضوع النِّقاش حول المُساواة في الإرث بين الجنسين قال المُطران: “الموضوع قطع شوطًا جيّدًا. أنا مع التوجُّه الّذي فيه المصلحة العامّة والاتّفاق الكامل بالتّراضي والتّوافق بين المسيحيّين. قد تحتاج فترةً إضافيّةً للنّضوج”
وردًّا على سؤالنا عن أهمّيّة زيادة الوعي المُجتمعيّ وخاصّةً زيادة وعي طلّاب المدارس المسيحيّة للمواقع المسيحيّة في الأردن مثل المغطس وجبل نيبو ومكاور وكنيسة الفسيفساء ومار الياس أجاب المُطران “أنا اوافق مئة بالمئة. إن شاء الله مع الكشّاف والشّبيبة سيتمّ العمل على ذلك، وهذا معنى إرتباط الإنسان المسيحيّ بالأرض”.
الشفافيّة في الكنيسة
وحول دعوة قداسة البابا فرنسيس إلى الشّفافيّة الماليّة وضرورة مُتابعة شكاوى في أمورٍ أخلاقيّة وماليّة قال المُطران أنَّه مُنذ أن أصبح مُطرانًا لم تصلْهُ أيّ شكوى، ولكنَّه مع كلام قداسة البابا. “المطلوب من المُطران أنْ يكون المُدافع الأوّل والمسؤول للكنيسة وبالتّالي أمام الله وأمام ضميري وأمام القانون، وأنا مستعدٌّ بكلِّ شجاعةٍ وبكلِّ إيمانٍ بنعمة ربّنا الّذي يقود الكنيسة. أنا شخصيًّا معروفٌ في الإدارات السّابقة الّتي استلمتُها سواء في الجامعة أو في إدارة المدارس، كان يُهمُّني كثيرًا المصلحة العامّة وأنْ تستمرَّ المؤسَّسة بالعمل بشكلٍ إيجابيّ وأنْ تتمَّ المحاسبة وهذا أمرٌ إيجابيّ، لأنّها علامةُ نُضجٍ وعندما يكون عملًا جيّدًا يستحقُّ أيضًا الثّناء. نقوم بتبنّي هذا المبدأ عند الأفراد وعند المؤَّسسات ونُصلّي لله أنْ يُعطينا النِّعمة والشجاعة”.
الصّراع الفكريّ اللّاهوتيّ في الكنيسة الكاثوليكيّة
وفي النّهاية علّق المُطران إياد طوال على النّقاش العالميّ في الكنيسة الكاثوليكيّة بين المُحافظين والأكثر انفتاحًا بالقول أنَّ “هذا أمرٌ إيجابيّ وأنا أشجع هذه الدّيناميكيّة في الحوار والتّفاعُل بين المُحافظ والمُتحرِّر أو التقدُّمي. أنا أحبُّ هذا التّفاعُل لأنّه خلفيتي في الجانب الفكري، وأحبُّ المُناظرات لأنَّه قد ينتج عن هذا الحوار لغة جديدة ومُصطلحات جديدة ومُمكن يكون طقوس جديدة أيضًا، ولكن هذا ليس مفروض أبدًا أنْ يُعارِض الأساسيّات وجذور الإيمان المسيحيّ فطبيعي أن يكون تغيّير في العالم كما هناك تغيّير في العمليّة التّعليميّة. مَن كان يتوقَّع أنْ أعمل صلاة وأنشرها على الفيسبوك؟ مَن كان يقول إنَّني أستطيع أنْ أقوم بقدّاس وأبثّه بصورةٍ مُباشرةٍ ويُصلّي بالبيت المريض أو كبار السنّ الّذين يصعُب عليهم الحضور للكنيسة. أنا لا أعارض إنْ كان القدّاس يونانيّ أو لّاتينيّ إذا ساعدك على الصّلاة فلا مانع أنْ تكون وسائل جديدة وأفكار جديدة، ولكنَّ الهدف الأوّل والأخير هو جذور الإيمان المسيحيّ”.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!