
السابق كهنة مدينة الفحيص يقرعون ناقوس الخطر: هويّتنا ليسَتْ للبيع
ملح الأرض – ليث حبش
نظّمَتْ رابطة مسيحييِّ المشرق في الأردن ندوةً حواريّةً بعنوان “الحضور المسيحي في الأردن: من جذور التّاريخ إلى شراكة الحاضر”، وذلك على مسرح المدرسة المعمدانيّة في العاصمة عمّان، بحضورٍ شبابيٍّ واسعٍ من مختلف الخلفيّات والطّوائف.
استهلّ اللِّقاء المُدّرب الشّاب خليل هلسة، مُرحِّبًا بالحضور ومُعرِّفًا بمحاور الجلسة الّتي تمحورت حول دور المسيحيّين في التّاريخ الأردنيّ، وهويّتهم ضمن المُجتمع الحديث، وأهمّيّة العيش المُشترك. كما قدَّم المُتحدِّثين في الندوة: الأبّ الدُّكتور رفعت بدر، والمهندس داني سمارنة، والمهندس والإعلامي أحمد فايز الكركي، إلى جانب ترحيبه بالإعلاميّة لينا مشربش، رئيسة الرّابطة، الّتي قدّمَتْ تعريفًا بالرّابطة بوصفها مُبادرةً شبابيّةً مسيحيّةً من مختلف الطوائف، تهدف إلى إبراز الدّور الإيجابيّ والحيويّ للمسيحيّين في المشرق العربيّ.
الأب رفعت بدر: المسيحيّون في الأردن مُنذ فجر التّاريخ
في مستهلّ الحوار، تحدَّثَ الأب الدُّكتور رفعت بدر عن عمق الحضور المسيحيّ في الأردن، مؤكّدًا أنَّ هذا الوجود ليسَ طارئًا بل مُمتدٌّ منذ فجر المسيحيّة، والدّليل على ذلك وجود عددٍ كبيرٍ من الكنائس الأثريّةِ الّتي تعودُ إلى القرون الأولى، منها ما بُني حتّى في ظلّ الحكم الإسلاميّ، ما يعكس متانة العيش المُشترك في الأردنّ وأضاف بدر أنَّ الكنيسة ليسَتْ مجرَّد بناءٍ حجريٍّ، بل كيانٌ روحيٌّ واجتماعيٌّ فاعلٌ يُسهم في صناعة الحياة.
الكركي: الرّابط العشائريّ أساس الوحدة
أمّا المهندس أحمد الكركي، فتحدَّث عن مفهوم العيش المُشترك في الأردن، مُشيرًا إلى أنَّ الوحدة المُجتمعيّة الأردنيّة قائمة على الرّابط العشائريّ أكثر من الدّينيّ، ممّا يُعزّز من روح التّآخي وأشار إلى أنَّ الأردن احتضن أوّل كنيسةٍ كهفيّةٍ وطينيّةٍ في التّاريخ، وأنَّ نهر الأردن كان مُنطلقًا لرسالة المسيحيّة، ما يعكسُ مكانة المملكة التّاريخيّة والدّينيّة كما استعرض أمثالًا شعبيّةً تراثيّةً تدلُّ على علاقات القربى والتّعاون بين المسيحيّين والمُسلمين في المجتمع.
سمارنة: الهويّة المسيحيّة دعوةٌٌ للمحبّة والانفتاح
بدوره، تناول المهندس داني سمارنة مسألة الهويّة المسيحيّة، مُعتبرًا أنَّ الوقت الرّاهن يشهد حالةً من تشتُّت الهويّة بين الشّباب، ممّا يستدعي استعادة القيم الأساسيّة الّتي تقوم عليها المسيحيّة، وعلى رأسها المحبّة والتّسامح والانفتاح على الآخر واعتبر أنَّ المسيحيّ الحقيقيّ هو من يُسهم في خدمة مجتمعه ويكون أفضل نسخةٍ من نفسِه.
النّاشط الاجتماعيّ فادي سمارنة لـ “ملح الأرض”: النّدوة ألهمتني، ولكن كنت أتمنّى أنْ تُطرح التحدّيات بجُرأة أكبر
في تعليقٍ على النّدوة، عبّر الناشط الاجتماعيّ فادي سمارنة عن تقديره الكبير لمضمون الجلسة، واصفًا إيّاها بأنَّها كانت “ورديّة ورومانسيّة” في طرحها، وسلَّطَتِ الضّوء على العلاقة التّاريخيّة بين المُسلمين والمسيحيّين، مُشيدًا بالقصص الّتي رواها الإعلاميّ أحمد الكركي، والّتي قال إنَّه يتمنّى أنْ تُنشر على أوسع نطاق عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، لجهله المُسبق بها.
وأضاف سمارنة لـ ملح الأرض: الأب رفعت بدر قدّم معلوماتٍ مُهمّةً عن تاريخ الكنيسة، والمهندس داني سمارنة تناول الموضوع من زاويةٍ فلسفيّةٍ عميقةٍ كعادته، لكنّني شخصيًّا كنت أتمنّى أنْ نضع أيدينا على التحدّيات الّتي تواجه الوجود المسيحيّ في الأردن والشّرق الأوسط عمومًا”.
وأكَّد أنَّ حديثه لا يُشير إلى تهديداتٍ أمنيّةٍ، مُشدِّدًا “نحن نعلم أنَّ الأردن بيئةٌ آمنةٌ، وأنا أدعو المسيحيّين من أنحاء العالم لزيارة الأردن لما يتمتَّع به من خصوصيّةٍ أمنيّةٍ وتسامحٍ دينيٍّ، لكن التحدّيات الّتي تواجه المسيحيّين اليوم لا تتعلَّق بالأمن، بل بالهجرة والواقع الاجتماعيّ والاقتصاديّ”.
وأوضح أنَّ هجرة الشّباب المسيحيّ قد تُحدث تغييرًا ديمغرافيًّا ملحوظًا في المُجتمع الأردنيّ، بخلاف هجرة عددٍ مُماثلٍ من الشّباب المسلمين وأضاف: “المسيحيّ الشّاب اليوم يهاجر لتحسين ظروفه، كما يفعل الجميع، لكنّنا لا نستطيع تجاهل الأصوات المُتنمِّرة أو المُتطرِّفة الّتي تظهر في بعض المناسبات والتّعليقات، وهذا واقعٌ يجب ألّا نغضَّ الطّرف عنه”.
وأشار سمارنة إلى ضرورة تكثيف العمل على الجوانب الإعلاميّة والتّعليميّة والقانونيّة لمواجهة هذه التحدّيات، وقال: “يجب أنْ نتحدَّث بوضوحٍ عن واقع المسيحيّين في العراق وسوريا، وكيف أنَّهم رغم التّهديدات لم يطلبوا أيّ حماية خارجيّة، بخلاف طوائف أخرى. وهذا يُحسب للمسيحيّين في المشرق العربيّ”.
وختم سمارنة تعليقه بالقول: “رغم امتناني العميق للجلسة، كنت أودّ أن تتناول أيضًا تنامي الجماعات المُتطرِّفة في المنطقة، وأنْ نطرح بصراحةٍ ما يواجهه الوجود المسيحيّ من تحدّياتٍ حقيقيّةٍ، القصص الّتي ذُكرت كانتْ جميلةً، لكنّها بحاجةٍ لأن تُنشر، كما نحن بحاجةٍ للحوار حول ما لم يُذكر أيضًا”.
نقاشٌ مفتوحٌ يؤكّدُ عمق التّعايش الدّينيّ
وفي ختام النّدوة، فُتح بابُ النّقاش أمام الحضور الّذين عبّروا عن اهتمامهم بقضايا التنوّع الدّينيّ والهويّة والانتماء، وتعدَّدتِ المُداخلات حول مفاهيم التّعايش والاندماج وأهمّيّة تعزيز قيم التّسامح كما تطرّق المُشاركون إلى نماذج تاريخيّةٍ وشعبيّةٍ تُجسّدُ روح الشّراكة بين مكوّنات المُجتمع الأردنيّ.
تأتي هذه الفعاليّةُ في إطار جهود رابطة مسيحييّ المشرق في الأردن لتعزيز الحوار المُجتمعيّ، وترسيخ الهويّة الوطنيّة الجامعة، والمُساهمة في بناء مجتمعٍ قائمٍ على المحبّة، والاحترام، والكرامة المتبادلة.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!