Skip to content
Skip to content

مدارس البطريركيّة اللّاتينيّة في الأردن: تاريخٌ عريقٌ ورسالةٌ تربويّةٌ مُستمرّةٌ- تاريخٌ بدأ من السَّلط عام 1869

تاريخ النشر: سبتمبر 4, 2025 6:36 م
الاب د. فراس نصراوين-  المدير العام لمدارس البطريركيّة اللّاتينيّة

الاب د. فراس نصراوين-  المدير العام لمدارس البطريركيّة اللّاتينيّة

  • الأب د. فراس نصراوينالمُدير العامّ لمدارس البطريركيّة اللّاتينيّة

تُعدُّ مدارس البطريركيّة اللّاتينيّة إحدى أعرق المنارات التّعليميّة في الأردن، إذْ جمعَتْ مُنذ نشأتها بين التميُّز الأكاديميّ وخدمة المُجتمع، وحرصَتْ على تنمية الإنسان علميًّا وأخلاقيًّا وانفتاحًا على الآخر. وقد أسهمَتْ هذه المدارس في صياغة أجيال من الطّلبة الّذين تَصدّروا مراتب التفوّق، وتسنّموا مواقع مؤثرة في مجالات العلم والاقتصاد والخدمة العامّة.

النّشأة والجذور التّاريخيّة
سعى البطريرك الأوّل يوسف فاليرغا عام 1854 لبداية تأسيس مدارس البطريركيّة اللّاتينيّة في أبرشيّة القدس، وكان الهدف الرّئيس لإنشائها المحافظة على الوجود المسيحيّ في الأرض المُقدّسة، والمُساهمة في تطوير التّعليم في المُجتمع المحلّيّ في وقتٍ قلَّ فيه التّعليم وندرَتْ فيه المدارس، وهكذا بدأتْ مدارس البطريركيّة اللّاتينيّة رسالتها التّعليميّة في فلسطين منذ تأسيس البطريركيّة اللّاتينيّة في القدس عام 1847، وتضمُّ ما يُقارب 6000 طالب وطالبة، موزَّعين على 13 مدرسة وروضة في أرجاء فلسطين كافّةً، منها 10مدارس في الضفّة الغربيّة: الزبابدة، ونابلس، ورام الله، وعابود، والطّيبة، وجفنا، وبيرزيت، وعين عريك، وبيت جالا، وبيت ساحور، ومدرستين في غزّة: مدرسة العائلة المُقدّسة، ومدرسة لاتين غزّة، وروضة في جنين. ولديها ما يقارب 500 مُعلّم ومُعلّمة. ويتخرَّج من المدارس سنويًا أكثر من 250 طالبًا وطالبةً.

بدأ الوجود المدرسيّ للبطريركيّة اللّاتينيّة في الأردن عام 1869 بافتتاح أوّل مدرسة في مدينة السّلط؛ خطوة مُبكّرة سبقَتْ نشوء كثير من المؤسَّسات التّعليميّة الحديثة في المنطقة، ورسَّخَتْ حضورًا تربويًّا متينًا امتدّ لاحقًا إلى مدن وبلدات المملكة. وقد احتُفِلَ عام 2019 بمرور 150 عامًا على هذا الحضور التّعليميّ الرّاسخ، في إشارةٍ رمزيّةٍ إلى عمق التّجربة وامتدادها.

التّوسُّع والانتشار
تطوّر عمل المدارس من “مدارس رعويّة” مُلحقة بالرعايا إلى شبكةٍ تعليميّةٍ مُنظّمةٍ تُشرِفُ عليها الإدارة العامّة للبطريركيّة. واليوم تنتشر في الأردن شبكة تضمُّ نحو 42 مدرسة وروضة، تقدّم تعليمًا نوعيًا للبنين والبنات ومن خلفيّاتٍ اجتماعيّةٍ ودينيّةٍ متنوّعةٍ، مع عناية خاصّةً بالمناطق الطرفيّة ودعم الطّلبة غير المُقتدرين. كما تُعدُّ منظومة المدارس جهة توظيفٍ رئيسةٍ في قطاع التّعليم الأهليّ.

د. فراس: نسعى إلى تقديم تعليمٍ مُتميِّزٍ يتماشى مع تطوّرات العصر، في بيئةٍ تربويّةٍ آمنةٍ تدعم وتُعزّز الإبداع

الرّسالة والقيم التّربويّة
تنطلق رؤية المدارس من إيمانٍ بأنَّ التّعليم الجيّد حقٌّ للجميع، فتوفّر منحًا ومساعداتٍ وتُبقي أبوابها مفتوحةً أمام أبناء المُجتمع كافّةً، مع احترام الخصوصيّات الدّينيّة والثّقافيّة للطّلبة، وبما يُعزّز قيم المواطنة والتّعدُّديّة والعيش المُشترك داخل الأسرة المدرسيّة الواحدة.

رؤيتنا التّربويّة:
مُستنيرون بمحبّة الله، نرعى مُجتمعًا ينمو فيه الطّلّاب والمُعلّمون والعائلات في معرفته من خلال إيماننا وتعليمنا وخدمتنا.

رسالتنا التّربويّة:
نسعى إلى تقديم تعليمٍ مُتميّزٍ يتماشى مع تطوّرات العصر، في بيئةٍ تربويّةٍ آمنةٍ تدعم وتُعزّز الإبداع، وتحتفل بالتّعدّديّة، وتطوّر الكوادر البشريّة، وتغرس قيم الإيمان، والمواطنة، والإنسانيّة، والرّوحانيّة.

إنجازاتٌ أكاديميّةٌ لافتة
حصد طلبة مدارس البطريركيّة اللّاتينيّة مراتب مُتقدّمة في امتحان الثّانويّة العامّة (التّوجيهيّ) على مرّ السّنوات. ومن النّماذج المشرقة الطّالب أحمد فايز الجَعالين في الفرع العلمي بمعدّل 99.75%، وهو إنجاز عَكَس جودة المنظومة التّعليميّة وكفاءة هيئاتها التدريسيّة. كما تُكرّم الإدارة العامّة سنويًا أوائل الثّانويّة العامّة تثمِينًا للجدّ والتميُّز.

شراكات وجسور إلى التّعليم العالي
امتدّ الأثر التعليميّ للبطريركيّة إلى التّعليم الجامعيّ بتأسيس الجامعة الأميركيّة في مادبا (AUM) عام 2005، الّتي باتَت تضمّ كُلّيّات وبرامج متنوّعة. وتوثّقت الصّلة بين الجامعة ومدارس البطريركيّة عبر مبادرات منح وحوافز خاصّة لطلبتها المتفوّقين، ما يخلق مسارًا واضحًا من المدرسة إلى الجامعة ويُعزّز فرص الارتقاء الأكاديميّ.

أثرٌ مجتمعيٌّ وتنموي
إلى جانب التّحصيل العلمي، تنشط المدارس في مجالات الخدمة المجتمعيذة، والأنشطة اللّامنهجيّة، وبناء مهارات القرن الحادي والعشرين لدى الطّلبة، مع اهتمامٍ خاصٍّ باللُّغات والعلوم والتّقنية والفنون، الأمر الّذي يسهم في صقل شخصيّة الطّالب وتهيئته للجامعة وسوق العمل. وتشير بيانات البطريركيّة إلى أنَّ منظومتها التعليميّة في الأردن تخدم عشرات الآلاف تاريخيًّا وتؤمّن مئات فرص العمل للمُعلّمين والإداريّين.

خريجون متميّزون
تخرّج من مدارس البطريركيّة اللّاتينيّة في الأردن طيفٌ واسعٌ من الكفاءات: أطباء ومُهندسون وروّاد أعمال ومربّون ومسؤولون في الخدمة العامّة، إضافةً إلى شخصيّاتٍ كنسيّة وأكاديميّة بارزة. وعلى المستوى الطُّلّابي الحديث، يُعدّ تفوّق أحمد فايز الجَعالين مثالًا صريحًا على ما تنتجه هذه المدارس من طاقات واعدة. كما تُنظّم الإدارات حفلات تكريم دوريّة للأوائل والخريجين، تعزيزًا لثقافة التميُّز والاقتداء.

خاتمة
على امتداد أكثر من قرنٍ ونصف، صاغت مدارس البطريركيّة اللّاتينيّة في الأردن قصّة تعليمٍ ورسالةٍ إنسانيّةٍ تتجدّدُ. تاريخٌ بدأ من السّلط عام 1869، وتوسُّع إلى شبكةٍ واسعةٍ تُخرّج كلّ عام دفعاتٍ جديدة من القادرين على صناعة الفرق في وطنهم وفي العالم. ومع استمرار الشّراكات والمُبادرات، تبدو هذه المسيرة مؤهّلة لمزيد من الإبداع والرّيادة التّربويّة في قادم السنوات.

*الأب نصراوين، مواليد عمّان عام 1975، وحاصل على الدُّكتوراه في العلوم التّربويّة من جامعة القديس يوسف في بيروت

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment