Skip to content
Skip to content

محاكمٌ بلا رقيبٍ وفجواتٌ في العدالة لدى المحاكم الكنسيّة

تاريخ النشر: أغسطس 22, 2025 1:05 م
المحامي خلدون سلايطة

المحامي خلدون سلايطة

بقلم: المحامي خلدون سلايطة

بموجب الدُّستور الأردنيّ، تتمتَّع الطّوائف الدّينيّة الواردة أسماؤها في الملحق الخاصِّ بقانون مجالس الطّوائف المسيحيّة لسنة 2014، بحقِّ تشكيل مجالس الطّوائف، والّتي تُعدُّ “المحاكم الكنسيّة” المُختصّة بالنَّظر في قضايا الأحوال الشّخصيّة لأتباعها، ضمن الحدود والصَّلاحيّات الّتي يُحدِّدها القانون. ويُفترض أنْ يعكس هذا التّنوّع القضائيّ احترام الخصوصيّة الدّينيّة، ويضمن العدالة وفق مرجعيّات الطّوائف المُختلفة.

إلّا أنَّ الواقع يكشف عن إشكاليّةٍ قانونيّةٍ وهيكليّةٍ خطيرةٍ، تتمثَّل في غياب أيّ شكلٍ من أشكال الرَّقابة القضائيّة أو التّفتيش على أعمال هذه المحاكم، على عكس القضاء النِّظاميّ، حيثُ يخضع القضاة لإشراف جهاز التّفتيش القضائيّ التّابع للمجلس القضائيّ الأردنيّ، ضمانًا للنّزاهة والشّفافيّة وحمايةً لحقوق المُتقاضين.

في المقابل، يمارس بعض القضاة في المحاكم الكنسيّة صلاحيّاتهم دون أيِّ رقابةٍ مؤسَّسيّةٍ، ممّا يُتيح الانحراف أو التّقصير دون مساءلةٍ. وقد برزت شواهد مُقلقةٌ، منها:

  • إصدار قراراتٍ دون عقدِ جلساتِ محاكمةٍ أو تقديم بيِّناتٍ.
  • المُماطلة في إصدار قراراتٍ مُستعجلةٍ دون أيِّ مسوِّغٍ قانونيٍّ.
  • حرمان المُتقاضين من درجات التّقاضي، وإخضاعهم لمزاجيّة القاضي دون ضماناتٍ للمُحاكمة العادلة.

إلى جانب ذلك، يسود فهمٌ خاطئٌ للعطلة القضائيّة، حيث يمتنع بعض القضاة عن إصدار القرارات حتّى في المسائل المُستعجلة، مثل منع السَّفر أو قضايا الحضانة والنّفقة والمُشاهدة، ممّا يُعرِّضُ المُتقاضين لأضرارٍ جسيمةٍ تمسُّ أهمَّ جوانب حياتهم.

هذا الامتناع لا يقتصر على تعطيل العدالة، بل يحرم المُتقاضي من الانتقال إلى الدّرجة التّالية من درجات التّقاضي، وهو ما يُنقض حقَّ التّقاضي ومبدأ المحاكمة العادلة.

إنَّ هذا الواقع يقوّض سيادة القانون، ويحوّل بعض المحاكم من ساحات عدلٍ إلى أدواتِ حكمٍ، في غياب أيّ مُساءلةٍ أو مُحاسبةٍ، وهو أمرٌ لم يعد يحتمل التّغاضي أو التّأجيل.

من هنا تبرز الحاجة المُلحّة لإصلاحٍ جذريٍّ يشمل:

  1. تعديل قانون مجالس الطّوائف المسيحيّة لسنة 2014 بما يضمن إخضاع المحاكم الكنسيّة لرقابةٍ قضائيّةٍ مُستقلّةٍ أو جهاز تفتيشٍ مُتخصِّصٍ، يتابع الأداء القضائيّ، ويتعامل مع شكاوى التّقصير أو التّعسُّف.
  2. إقرار مدونةِ سلوكٍ قضائيٍّ مُلزمةٍ لقُضاة المحاكم الكنسيّة تُحدِّد معايير النّزاهة والاستقلاليّة وسرعة الفصل، وتفرض مساءلةً تأديبيّةً عند الإخلال بها.

فالحقوق والحرّيّات لا تتجزّأ، وسيادة القانون يجب أنْ تشمل جميع أنماط القضاء بلا استثناء. وغياب الرّقابة لا يُمكن تبريره بالخصوصيّة، لأنَّ العدالة لا تُبنى على الثّقة وحدها، بل على الشّفافيّة والمُساءلة والرّقابة الفاعلة.

إنَّ فتح هذا الملف أصبح واجبًا وطنيًّا وأخلاقيًّا، فعدالةٌ بلا رقابةٍ… هي عدالةٌ بلا سندٍ.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment