Skip to content
Skip to content

مازن مرجي الحصناوي: حارس التُّراث ومُحِبُّ الأرض

تاريخ النشر: مايو 7, 2025 3:26 م
475773764_10163603340509739_76175564609789158_n

الحصن- محمّد العرسان

(اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ) لوقا 6:45، (وَأَحسِنوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِين) البقرة- الآية 19…آيات تعكس جوهر، ابن حوران د.مازن مرجي، ابن مدينة الحصن، المدينة الواقعة شمال  العاصمة عمّان.

“أنا ابن مدينة الحصن”، هكذا يُعرِّفُ مرجي نفسه ببساطةٍ، كمن يُلخِّصُ عُمرًا من الانتماء في جملةٍ قصيرةٍ. نشأ بين أطيافها المُتنوِّعة من المُسلمين والمسيحيّين، من العشائر والطبقات، وتعلَّم منذ طفولته أنَّ التعدُّد ليس مصدر خوفٍ بل جزءٌ حيّ من النّسيج الاجتماعيّ.

في خزانته أرشيفٌ ضخمٌ: صورٌ قديمةٌ، فيديوهات، شهاداتٌ لأهالي الحصن، وثائق لا تُقدَّر بثمن. لكنَّه لا يجمعها بدافع الحنين فقط، بل بقناعةٍ راسخةٍ بأنَّ من لا يوثِّقُ قصّته، سيفقدها أو يراها برواية الآخرين.

مرجي إلى جانب أنَّه اقتصاديّ، إلّا أنَّه شغوفٌ في الموسيقى وعزف ولحَّن وراء الفنّان الكبير الرّاحل توفيق النّمري ابن الحصن، الّذي حمل تُراث الشّمال إلى الوطن العربيّ، يقول مرجي “كانت الأغاني تُعبِّرُ عن كلّ شيء؛ الفرح بالحصاد كان يرافقه صوت المنجل وهو يلمع في ضوء الشّمس، والدّموع كانت تسيل عندما يتحدَّث الشّاعر عن الفراق”.

يقول ” لحَّنتُ وكتبتُ عشرات الأغاني الخاصّة والّتي كان من أشهرها “أردن يا أردن يا حبّة عيني” كذلك عزفتُ وشاركتُ مع الفنّان الكبير توفيق النّمري في أكثر من مُناسبة إذ تربطني به صلة قرابة”.

جمعَتِ الحصن على مرّ الزّمن بين البساطة في العيش، والتنوّع في البشر، والثّراء في التّاريخ. لم يكُنْ الدّكتور مازن مرجي مُجرَّد شاهدٍ على هذه التعدُّديّة، بل كان ساعيًا لتوثيقها، واستثمارها، والبناء عليها.

وُلِدَ الدُّكتور مرجي في الحصن عام 1957 على وقعِ تنوُّعٍ طائفيّ دينيّ، أثَّر على حياتِه ودوره في إبراز اسم المدينة كنموذجٍ للتّعايُش والمحبّة من خلال مُبادرات مُجتمعيّة ثقافيّة فنّيّة.يقول “لا مكان في العالم يُشبه الحصن.. لا شيء يملأ قلبي شوقًا كما تفعل هذه الأرض”.

عمل مرجي مُدرِّسًا في جامعة العلوم الإسلاميّة في عمّان، كمُدرِّسٍ لمادة الاقتصاد، ليُعدَّ أوّل أستاذٍ مسيحيّ يدرس في الجامعة ويحظى باحترام زملائه وطُلّابه.

رغم تقاعده من سلك التّعليم الجامعيّ مُنذ عشر سنوات، لم يُغادِرْ الدّكتور مازن مرجي موقعه كمربٍّ وصانعُ أثرٍ. بقي حريصًا على دوره التّربويّ، مُتخطّيًا جُدران الصّفوف، ليُقدِّمَ نموذجًا حيًّا في التّعليم عبر الثّقافة والهويّة والتّراث. يرى أنَّ “التّعليم كعمليّة مُمتدّة، لا تقف عند الكتاب أو الامتحان، بل تتغلغل في التّفاصيل اليوميّة، في الذّاكرة الشّعبيّة، وفي العلاقات المُجتمعيّة”. كما يقول لمجلّة ملح الأرض.

يقول “مُنذ سنواتٍ طويلةٍ وأنا أُوثِّقُ حياة أهل الحصن، ليسَ لمُجرَّد الأرشفة، ولكن لأحافظ على ذاكرتنا. لديّ أرشيفٌ من الصور والفيديوهات يعود لعقودٍ، يروي قصّة مدينةٍ بأفراحها وأحزانها وتنوُّعها.”

“أنا لم أتقاعد من رسالتي التّربويّة. صحيح أنّني تركتُ الوظيفة الرّسميّة، لكنّني مُستمرٌّ في التّعليم من خلال المُتحف، ومن خلال اللّقاءات مع النّاس، ومع الطّلبة، لأنَّ التّربية لا تنتهي بخروجك من الصّفّ.”

يُشرِفُ مرجي منذ 2007 على المُتحف البلدي في الحصن، من مخزنٍ للقطع الأثريةّ إلى فضاءٍ للتّربية والتّسامح والحوار. جعل من المكان مركزًا ثقافيًّا يعكس تنوُّع المُجتمع الأردنيّ، حيث تعايش المُسلم والمسيحيّ، من كافّة فئات المُجتمع: العشائريّ والمدنيّ، المُعلِّم والفلّاح، في نسيجٍ واحدٍ يعكس هويّة مدينة الحصن بتمازُج كنائسها ومساجدها.

قام بتطوير هذا المتحف الفنّان سامح الحتاملة، و تُشرف على المُتحف ، مؤسَّسة إعمار الحصن بإدارة د. مازن مرجي، ويُعدُّ المُتحف ثمرةً لجهود عدّة قطاعات أثريّة وتراثيّة، ويحتوي على أكثر من 4000 قطعة تاريخيّة وأثريّة تعود إلى مئات السّنين، ممّا يجعله مركزاً هامًّا للحفاظ على التُّراث المحلّيّ.

حين تولّى إدارة مُتحف الحصن، لم يرضَ أنْ يكون مُجرَّد قاعةٍ تُعرض فيها القطع الأثريّة. برؤيةٍ تربويّةٍ وثقافيّةٍ، أعاد صياغة دور المُتحف كمؤسَّسةٍ مُجتمعيّةٍ فاعلة، وجعل منه منصّةً للحوار والانفتاح والتّربية على التنوُّع.

“عندما تولَّيتُ إدارة مُتحف الحصن، كنتُ أرى أنَّه لا يجب أنْ يكون مُجرَّد مكانٍ لعرض القطع الأثريّة، بل يجب أنْ يكون مساحةً حيّةً للتّواصل بين الأجيال، ومركزًا لنشر قيم التّسامح والتّعايش والانتماء، أجمل ما في عملي أنَّ النّاس بدأت ترى المُتحف كمكانٍ يخصّهم، وليسَ فقط كمكانٍ رسميّ. يأتون، يروون قصصهم، يتبرَّعون بصورهم القديمة، ويشعرون بأنَّ لهم دورًا في حفظ تاريخهم.” حسب مرجي

باتَ المُتحف مكانًا يستضيف الزوّار من مختلف الدّيانات والمناطق، ويُقدّم نموذجًا حيًّا للتّسامح والوئام. فبالنسبة له، المُتحف ليسَ فقط لحفظ القطع، بل لحفظ القيم أيضًا.

يقيم المُتحف بشكلٍ أسبوعيّ، جلساتٍ تتضمَّنُ معزوفاتٍ تراثيّة، إلى جانب مأكولات من الذّاكرة الشّعبيّة الحصناويّة، مع حواراتٍ في الشّأن العام المُجتمعيّ، كجزءٍ من نشط مرجي، للحفاظ على التُّراث والهويّة، فقد بدأ منذ سنواتٍ طويلةٍ في أرشفة الحياة اليوميّة في الحصن: أعراس، مدارس، احتفالات، شخصيّات، وحتّى مشاهد الزّراعة والشّتاء. كان يفعل ذلك قبل انتشار ثقافة التّوثيق الرقميّ أو وسائل التّواصل الاجتماعيّ.

حسب مرجي “التعدُّديّة الأردنيّة ليسَتْ شعارًا، بل مُمارسةً عمرها قرون. الهويّة الأردنيّة لا تُختزل في مذهب أو منطقة، بل تُبنى من التنوّع، من العيش المُشترك، من القصص الّتي لم تُكتب بعد”.

و يقول “أنا ابن مدينة الحصن، نشأتُ فيها وعشتُ بين أهلها من مختلف الأديان والطوائف والعشائر. هذا التنوّع علَّمني أنَّ التّعايش ليسَ خيارًا بل هو جزءٌ من هويّتنا اليوميّة،كثيرًا ما نستقبل طلّابًا من مُختلف المدارس، ومن كلِّ المناطق، مسلمون ومسيحيّون، ويكتشفون بأنفسهم أنَّ التعدُّد الّذي نعيشه هو مصدر غنى لا تهديد. المُتحف أصبح منصّةً تعليميّةً وتربويّةً وليسَتْ فقط سياحيّة.”

حتّى بعد تقاعده، يواصل الدّكتور مرجي تقديم محاضراتٍ وجولاتٍ تعليميّةٍ للطُّلّاب في المُتحف وفي الحقول المُحيطة به. يؤمن أنَّ التّعليم الحقيقيّ يحدث عندما يرى الطّالب نفسه جزءًا من التّاريخ والجغرافيا.

“التّربية بالنّسبة لي ليسَتْ فقط مناهج وامتحانات، بل هي بناءُ هويّةٍ وانتماءٍ. الطّالب الّذي يعرف تاريخ مُجتمعه، ويحترم تنوّعه، سيكون إنسانًا أفضل ومواطنًا أقدر، لذا ألقيتُ العديد من المحاضرات والدُّروس في التّعايش، والتُّراث”

الدّكتور مازن مرجي ليسَ حالةً فرديّةً مُنعزلةً، بل تجربةً قابلةً للتّكرار في مُختلف مُدن وقرى الأردن. نموذجٌ لمُثقَّفٍ مُجتمعيّ، مُتجذرٌ في بيئته، لكنَّه مُنفتحٌ على العالم، يوظِّفُ أدوات العصر لخدمة ذاكرة المكان، يختمُ مرجي بكلامٍ يعمُّ بالمحبّة: “السّعادة ليسَتْ في الأخذ، بل في العطاء. العطاء يعني أنْ تُساعد الآخرين، أنْ تُخلِصَ في عملك، وأنْ تحترمَ الكبير والصّغير، وأنْ تُقدِّم كلّ ما تستطيع من أجل مُجتمعك ووطنك.”

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment