Skip to content

لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ – قصة القديسة بربارة

رابط المقال: https://milhilard.org/guik
تاريخ النشر: ديسمبر 4, 2024 10:39 ص
-49
رابط المقال: https://milhilard.org/guik

بقلم أ. سامية وديع عطا

”لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ .“

إنَّ مفهوم هذه الآية أنَّ كلمة الله تُحيي الإنسان. فمَن خَلقنا هو الذي يُحيينا والأكل وحده لا يُحيي. فكما نعرف أنَّ الخبز وحده غذاء جسدي فقط ليُمكِّننَا من الحياة على الأرض، وأما كلمة الله فهي غذاؤُنا الرّوحي. والاثنان متكاملان. فطالما أنَّ الغِذاء الجسدي ّ والروحيّ مُرتبطان فلن تكونَ هناك حياة سعيدة بالاستغناء عن أحدهما.

سامية وديع عطا

هذا يذكرنا بقصّة ”القدّيسة بربارة“ التي كانت من شهداء المسيحية الـمُبكِّرة كما يذكرها التاريخ. ففضَّلت الاستشهاد باستجابتها إلى كلام الله على عيشها أميرة في القصر.

والاسم ”بربارة“ في اللاتينية تعني ”الغريبة الجميلة“ والقصّة طويلة. وبالاختصار فإنَّ بربارة ولدت في مدينة ”نيقوديما“ شمال العراق، وكانت باهرة الجمال. ويُقال أنها رفضت كل مَنْ تقدَّم لخطبتها. لذلك بنى لها أبوها قصراً وأغلق عليها جميع الأبواب سوى نافذتين خوفاً عليها من الـمُتطفّلين. فكان مكاناً بلا حريَّة.

أما الوالد فكان مُتعصِّباً شديد البطش والتَّمسُّك بالوثنية والتعبُّد للأصنام. ولم يكن يرُقْ هذا لبربارة، فهي لم تكن تملك السَّلام الداخلي رغم ثقافتها ودراستها لمختلف العلوم. كانت تبحث دائماً في الروحانيات وعن إله حقيقي تعبده. وفي يومٍ ما عندما سافر أبوها في مهمَّة، تعرَّفت ”بربارة“ على عالـمِ كبير في الإسكندرية يُدعى أوريجانوس كانت سمعتْ عنه أنه أستاذ عالـمِ كبير في المسيحية. فأرسلتْ له تستفسر منه عن العِبادة والصَّلاة وعن الإله الواحد. ومن كلامه شعرَتْ بسعادة غامِرة في الإيمان والصَّلاة للخالق والذي تفوَّق على إيمان والدها بالوثنية. فنزلت إلى ردهات القصر وحطّمت جميع الأصنام.

وحين عاد والدها من السَّفر رأى تغيراً في سلوكها وابتعادها عن الوثنية وعبادة الأصنام، فاستشاط غضباً وضربها ومنع عنها الطعام. ففكرت في إيمانها بالله الذي اعتنقته أخيراً، وهربت مع خادمتها عبر حقولِ القمح وكانت تأكل القمح المسلوق بمساعدة من المزارعين.

كانت ”بربارة“ أسطورة في الإيمان. فقد كانت مُلتزمة بالصَّلاة والتَّواصل مع الله، وكانت تتناول القمح  من الحقول كلما احتاجت الأكل. وتقول القصَّة إنَّ ”بربارة“ مشتْ طويلاً إلى أن وصلت إلى فلسطين واختبأت في مغارة على تلٍ قريب شمال غرب بلدة ”عابود“ بالقرب من رام الله.

إلا أنَّ والدها لحق بها مع رجاله وبحث عنها حتى وجدها وحبسها في كهف مُظلم. لكنه وعدها أنْ تكون أميرة في القصر إذا تركت المسيحية وعادت إلى عبادة الأصنام. لكنها لم تستجب له بل تثبتت في إيمانها بالله وبيسوع المسيح. فأمر والدها بقطع رأسها. فاستشهدت في 4 كانون الأول عام 303 ميلادي. أما عقاب الوالد فكان سريعاً إذْ أنَّه عند عودته من الكهف إلى قصره، ضربته صاعقة فأحرقته في مكانٍ يُدعى ”جلزون.“ (ويعني السرعة والخِفة في الحركة)

وبعد استشهاد ”بربارة“ أجمعت الكنائس تكريسها قدِّيسة، شهيدة الإيمان بالله. وسُميتْ ذكرى ذلك اليوم بـ ”عيد البربارة.“

”والبُربارة“ أكلة شعبية يشترك في إعدادها وتناولها المسيحيون والمسلمون. وهي تُصنع من القمح المسلوق رمزاً لحياتها، وتوضع في صحون التقدمة وتُزيَّن بالسُّكّر والقَطر وجوز الهند والقِرفة والـمُكسّرات والزَّبيب والرُّمان. وتوزَّع حصص من طبق البربارة على الأصحاب والجيران وأفراد العائلة بالطَّبع.

أما المغارة التي اختبأتْ فيها بربارة فقد رُمـِّمَتْ في بلدة” عابود“ حيث تُعتبر اليوم مَزاراً تُضاءُ فيه الشُّموع. وتُعتبر القدِّيسة بربارة شفيعة الأوبئة الخطرة وشافية الحُمَّى ومرض العيون وحامية الإنسان من الشَّدائد والأخطار.

وهنالك بلدان كثيرة أطلق عليها إسمها كجامعة سانتا بربارة في كاليفورنيا، وكنيسة بربارة في لبنان، واخرى في مصر، وفي إيطاليا، بالإضافة إلى المزار الأصلي في بلدة عابود هنا في الأراضي المقدَّسة، حيث يَحتفِل أهاليها بهذا العيد، يُنشدون الأغاني والأهازيج مثل:

يا قدِّيسة بربارة         عند ربِّك مُختارة

بعيدك تطلع الـمَي      من قدوح الفارة

وكل عام وأنتم بخير

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content