Skip to content

ليأت ملكوتك 75 عامًا على النكبة… والصمود – عظة القس منذر اسحق

رابط المقال: https://milhilard.org/6uw4
عدد القراءات: 462
تاريخ النشر: مايو 15, 2023 9:04 ص
القس منذر اسحق

القس منذر اسحق

رابط المقال: https://milhilard.org/6uw4

مختصر من عظة القس الدكتور منذر اسحق، راعي كنيسة الميلاد اللوثرية في بيت لحم بمناسبة يوم النكبة:


عظة الأحد: بيت ساحور وبيت لحم 14-5-2023

لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. (متى 10:6)


نحيي هذه الأيام في أرضنا ذكرى النكبة الأليمة. 75 عامًا على هذه الكارثة التي حلّت بنا نحن شعب هذه الأرض؛ 75 عامًا والنكبة مستمرة. نحن لا نحيي النكبة، نحن نعيشها. فما زلنا نعيش واقع التهجير؛ ما زالت حقوقنا تُنتهك. ما زال اللاجئون يحلمون بحقّ العودة؛ ما زال الاستيطان يمزّق أرضنا؛ ما زال الاحتلال يقتل شبابنا. ويأسرهم. نحن لا نحيي النكبة، نحن نعيشها.

كي نحيي النكبة، وكي لا ننسى، علينا أن نصف ما حصل بمسميّاته. ما حصل قبل 75 عامًا هو تطهير عرقي لأهل الأرض. إسرائيل لم تقم على أرضٍ فارغة كما يدّعون. إسرائيل لم تجعل الصحراء تزدهر كما قالت رئيسية الاتحاد الأوروبي مؤخرًا مهنئة إسرائيل على قيامها. نحن كنّا هنا. وما زالت مدننا وقرانا المدمّرة حيّة في مذكرتنا.

لنا كمسيحيي هذه الأرض ما حدث كان نكبة حقيقيّة. 50 ألف مسيحي كانوا بين ال 800 ألف لاجئ هُجّروا من بيوتهم، وهناك اليوم عدد كبير من المسيحيين ما زالوا في المخيمات في لبنان وسورية والأردن. هذا بالإضافة إلى مئات الآلاف اليوم من مسيحيي المهجر الذي تحرمهم إسرائيل حتى من حقّ زيارتهم لبيوتهم وعائلاتهم، لأنهم لم يُحصوا عند احتلالها. هناك عدد كبير من القرى المسيحية دُمّرت بالكامل في النكبة. هناك حوالي 30 كنيسة أغلقت في بيسان ويافا والقدس وصفد واللدّ وعين كارم والمنصورة وسحماتا والبروة والبصّة والمجيدل وإقرت وكفر برعم والشجرة. ونكبتنا استمرت إذ أصبحنا مُهمّشين من قبل مسيحيي العالم، الذين انصبّ اهتمامهم على إسرائيل و”خلاص اليهود” وعودة المسيح إلى الأرض، لا على كنيسة الأرض المقدسة.

نحن اليوم بحاجة إلى قراءة واعية لما حصل عام 1948، وأقول من جديد تسمية الأمور بمسمّياتها. إسرائيل دولة استعمارية؛ نشأت في ظلّ الاستعمار البريطاني ولخدمة منظومة الاستعمار، من قبل مستعمرين أوروبيين. أتوا إلى أرضنا هاربين من بطش العنصرية الأوروبيّة، واحتاجوا الدين والكتاب المقدس لإعطاء هذا الاستعمار شرعيّة. وصدقهم العالم، لا بل واحتفل معهم، وما زالوا يحتفلون معهم على أجسادنا وأرضنا.

إسرائيل استعمار. والحركة الصهيونية في جوهرها هي أيديولوجية استعمارية إقصائية. واليمين الإسرائيلي المتطرف اليوم ليس حالة شاذة عن الصهيونية، بل هو النتيجة الطبيعية لهذه الحركة. هم يريدون كلّ الأرض. قانون القومية واضح. في نظرهم، كلّها “أرض إسرائيل”. هم لا يرون لنا وجودًا. واليوم، إسرائيل جسّدت واقع الفصل العنصري – الأبارثايد – في أرضنا. جزأونا إلى جزيئات جغرافية، أعطونا بطاقات هويّة مختلفة، فصلونا، بنوا الجدار، استثمروا المليارات (من أموال أمريكا والعالم) في سياسة الفصل، ورسخوا واقعًا جديدًا.

وها نحن اليوم والأوضاع على شفير الهاوية. ولكننا لم ولن نفقد الرجاء. نعم هي 75 عامًا من النكبة، ولكنها أيضًا 75 عامًا من الصمود الفلسطيني، والتمسّك بحقنا وعدالة قضيّتنا. 75 عامًا ونحن نتكلّم عن السلام العادل. هذا يعطيني أمل. نحن هنا. نحن موجودون. ونحن لم ننسى. حاولوا تحييد القضيّة. طبّعوا مع إسرائيل. احتفلوا بها ومعها. وما زلنا هنا. أبناء القدس وغزة وبيت لحم والناصرة ويافا وكلّ أبناء فلسطين اليوم يذكّرون العالم بأننا هنا باقون ولن نذهب إلى مكان.

واليوم أجد الرجاء في أنّ قضيّتنا هي قضيّةٌ عادلة، ولأننا أصحاب حقّ. هو ليس اختلاف على أمور متنازعة، كما يزعمون. قضيّتنا أيضًا هي قضيّة إنسانيّة. فلن نفقد الرجاء. واليوم نقول: إيماننا بإله الحقّ والعدل هو رجاؤنا. نستمر اليوم بالصراخ إليه لأننا نؤمن أنه يسمع لنا، ولأننا نؤمن بعدله وصلاحه. ولأننا نؤمن بانحيازه مع المظلوم! هذا ما يعلّمه إينا الكتاب المقدس:

  • قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ يُجْرِي حُكْمًا لِلْمَسَاكِينِ وَحَقًّا لِلْبَائِسِينَ. (مزمور 12:140)
  • الْمُجْرِي حُكْمًا لِلْمَظْلُومِينَ، الْمُعْطِي خُبْزًا لِلْجِيَاعِ. الرَّبُّ يُطْلِقُ الأَسْرَى. الرَّبُّ يَفْتَحُ أَعْيُنَ الْعُمْيِ. الرَّبُّ يُقَوِّمُ الْمُنْحَنِينَ. الرَّبُّ يُحِبُّ الصِّدِّيقِينَ. الرَّبُّ يَحْفَظُ الْغُرَبَاءَ. يَعْضُدُ الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ، أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَيُعَوِّجُهُ. (مزمور 7:146-9)

لأننا نؤمن بهذا، لن نفقد الرجاء. ولأننا نؤمن بوعود المسيح: طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ (متى 4:5-6)، لن نفقد الرجاء.

أيها الأحباء، في الصلاة الربانية التي نتلوها كمسيحيين والتي علّمنا إياها يسوع، نصلي ونقول: “ليأت ملكوتك… لتكن مشيئتك… كما في السماء كذلك على الأرض”.

اليوم إذًا، لنصلي ونسترشد بهذه الصلاة. لنصرخ إلى الله كي تتحقق إرادته الصالحة في أرضنا وعالمنا. هذه الطلبة، ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك” هي ليست صرخات استسلام للواقع. هي ليست إرجاء الأمور إلى المستقبل والحياة الأخرى. بل هي دعوة كي تتجسّد إرادة الله الصالحة في واقعنا الآن وهنا – ومن خلالنا نحن أتباعه في هذه الأرض. نعم هي صرخة إيمان كي يتدخل الله في عالمنا. وهي أيضًا قبول لدعوة الله كي نكون نحن بدورنا بتجسيد إرادة الله الصالحة في محيطنا. بفعل الخير. بنشر ثقافة المحبة والسلام. بمدّ يد العون للمحتاج. وبمقاومة الظلم والشرّ.

اليوم، نستمر بالصراخ إلى الإله الذي يسمع صراخ المسكين والمظلوم، والصلاة من أجل البرّ والعدل، واليوم أيضًا نلتزم بالعمل بالشراكة مع الله لتحقيق العدل والحق، كي يتحقق الملكوت في أرضنا.

ما المطلوب منا؟ الصمود أولاً. لا تفقدوا الرجاء. لا تستسلموا لليأس. لا تقبلوا أن تكون الكلمة الأخيرة للمستبد والقوي والظالم. مجرّد بقاؤنا في هذه الأرض مقاومة وصمود. تمسكنا بثوابتنا مقاومة وصمود. والمطلوب أن نستمر نرجو واقعًا جديدًا، ومستقبلاً أفضل لأولادنا وبناتنا؛ مستقبلاً لا يوجد فيه في إقصاء أو تمييز. لا نريد محو أحد. لا نكره أحد. لسنا ضدّ دينٍ ما. ونرفض وضع الأديان وأتباعها في موقع نزاع وعداء. نريد أن نعيش بسلام مع جيراننا دون احتلال وجدران وتمييز. هذه أرض الله. وهي ليست حكرًا على أحد. هذه ثوابتنا.

لكنائس العالم والمجتمع الدولي نقول – لعلّهم يسمعون – ما نحتاجه اليوم هو حماية. لا تعظوا لنا عن السلام. لا يوجد صراع، أو نزاع، يحتاج إلى تسوية، بل يوجد استبداد وفصل عنصري وموت. نريد حماية… نريد حياة… نريد نهاية للظلم…

ندعو جميع هذه الكنائس لمراجعة مفهوم ولاهوت صنع السلام. أحب جدًا مصطلح تعلمته من أصدقائنا في جنوب أفريقيا، وتحديدًا ألا نكون “كنيسة بلا أسنان”. فالحياد موقف. والسلبيّة موقف. والمواقف الخجولة هي موقف. كلّها تدعم وتقوّي المستبد. والله ينحاز مع المظلومين والمقهورين، والكنيسة يجب أن تنحاز كذلك. نقول للكنائس، حان وقت المواقف الجريئة، والتضامن المكلف، والأفعال الملموسة.

75 عامًا، وصمودنا مستمر. من أرض القيامة، أرض المعجزات، فإننا نؤمن أنه ومهما طالت جمعة أحزاننا فإن فجر القيامة آتٍ لا محال. فالمسيح قاسى من التطرّف واستبداد الاحتلال، ومات ضحيّة لعنف المستعمر والتطرّف الدينيّ. ولكنّ الكلمة الأخيرة كانت للعدل، لا للظلم. للحرية، لا للعبودية. للمحبة، لا للعنصرية والطائفية. للحياة، لا للموت. هذا هو الانجيل.

أختم عظتي باقتباس من وثيقة كايروس: “أرضنا هي أرض الله، كباقي بلدان العالم، وهي مقدّسة بحضور الله فيها، لأنّه وحده القدّوس والمقدِّس. فمن واجبنا، نحن الساكنين فيها، أن نحترم مشيئة الله فيها وأن نحرِّرها من شرِّ الظلم والحرب الذي فيها. هي أرضٌ لله فيجب أن تكون أرضًا للمصالحة والسلام والمحبّة. وهذا أمر ممكن. بما أنّ الله وضعنا فيها، شعبَيْن، فإنّه يمنحنا أيضًا المقدرة، إن شئنا، على أن نعيش معًا ونُقِرَّ فيها العدل والسلام، ونجعلها فعلاً أرضَ الله: “لِلرَّبِّ الأرضُ وَمَا فِيهَا، الدُّنيَا وَسَاكِنُوهَا” (مزمور 1:24) ” (كايروس فلسطين)

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content