Skip to content
Skip to content

لماذا يُطلق اسم (الروم) على الكنائس الأرثوذكسيّة العربيّة في الأردن وبلاد الشام ؟

عدد القراءات: 2445
تاريخ النشر: أكتوبر 19, 2025 1:22 م
المحامي إحسان سلايطة

المحامي إحسان سلايطة

المحامي إحسان سلايطة- خاص ل ملح الأرض

هذا السؤال طُرح علينا كثيرًا من بعض إخواننا المسلمين إخوة الأرض والتراب فطالما رعايا هذه الكنائس عربٌ أردنيّين فلماذا يُطلق على كنائسهم رومية!

لهذا الأمر ارتباطٌ تاريخيٌّ دينيٌّ لا يُخرجنا عن قوميّتنا العربيّة.. فكلمة “روم” أُطلقت على رعايا الكنائس القديمة الخمس (روما ، القسطنطينيّة، الإسكندرية، إنطاكية، أورشليم) لأنَّ هذه المدن كانت المراكز الكبرى الإداريّة والروحيّة للإمبراطوريّة الرومانيّة، وهي لا تعني بالضرورة أنَّ أبناء هذه الكنائس هم رومان أو يونان بل تدلُّ على أنَّهم تبعوا إيمان الكنيسة الجامعة الّتي كانت حينها ضمن إطار الإمبراطوريّة الروميّة الّتي اعتنقت المسيحيّة في حينها، وقد ازدادت الحاجة إلى استعمال هذه الصّفة (روم) بعد انقسام الإمبراطوريّة غربيّة وشرقيّة-بيزنطيّة.

كنيسة الروم الأرثوذكس في مادبا التي تحتوي على أقدم فسيفساء خارطة الأراضي المقدسة

وكما فعل العثمانيّين حين أطلقوا لقب “عثمانيّ” على كافّة رعايا الدول الّتي خضعَتْ لحكمهم، فهو انتماءٌ حضاريٌّ وليس قوميّ، فلا يُعقل أنْ يكون الأردنيّ والسوريّ والفلسطينيّ واللُّبنانيّ عثمانيٌّ بقوميّته، بل هو عربيٌّ بلسانه ونسبه وثقافته!!

فاستقلال الكنائس الشرقيّة القديمة أخذت طابعًا قوميًّا كالكنائس الأشوريّة، السريانيّة، القبطيّة الأرمنيّة والحبشيّة إلخ .. لتمييزهم عن بقيّة رعايا الكنائس الروميّة الأخرى.

فقبل العهد العثمانيّ، كان المسيحيّون العرب في بلاد الشام من أتباع كنيسة الروم الأرثوذكس، وتخضع بطريركيتهم لبطريرك أنطاكية المقيم في دمشق. وكان من المألوف أنْ يكون البطريرك عربيًّا محليًّا، امتدادًا للتقاليد الكنسيّة الّتي حافظت على الطابع العربيّ منذ الفتح الإسلاميّ.


قبل العهد العثمانيّ، كان المسيحيّون العرب في بلاد الشام من أتباع كنيسة الروم الأرثوذكس وتخضع بطريركيتهم لبطريرك أنطاكية المقيم في دمشق وكان من المألوف أن يكون البطريرك عربيًّا محليًّا


غير أنَّ هذا الواقع تغيّر في القرن السابع عشر حين فرض اليونان سيطرتهم على البطريركيّة بمساندة وتفاهماتٍ مع العثمانيّين، فبدأت مرحلةٌ من التّغريب الكنسيّ على حساب الهويّة العربيّة الأصيلة.

‏في الأصل، كان هؤلاء المسيحيّون يُعرفون باسم الملكيّين، أي أتباع “الملك”، تمييزًا لهم عن الجماعات الّتي رفضَتْ مجمع خلقيدونيّة. ومع مرور الزمن، تراجع استخدام هذا الاسم، ليُعرفوا ببساطةٍ باسم الروم، وهو اسمٌ يعبّر عن انتمائهم الطقسيّ، لكنّهم ظلّوا عربًا في لسانهم وثقافتهم وجذورهم.


“طالب الشيخ عوده القسوس بعودة البطريركيّة الأنطاكيّة إلى العرب، بعد قرونٍ من السيطرة اليونانيّة”


‏منذ القرن السابع عشر، ومع بروز النهضة والوعي القوميّ العربيّ، نهض الروم الأرثوذكس والكاثوليك العرب في الشام بحركةٍ ثقافيّةٍ ونهضويّةٍ كان زعيمها بالأردن الشيخ عوده القسوس تطالب بعودة البطريركية الأنطاكيّة إلى العرب، بعد قرونٍ من السيطرة اليونانيّة. كانت هذه الحركة خطوةً رائدةً في ترسيخ الهويّة العربيّة المسيحيّة، وأسهمَتْ في تشكيل ملامح النهضة العربيّة الحديثة.

ما يهمّنا هو التّشديد على أنَّ كلمة “روم” لا تعني انتماءً قوميًّا، بل هي انتماءٌ حضاريٌّ، كون الحضارة “الرومانيّة” أو “الروميّة” بشكلٍ خاصٍّ هي البيئة الّتي احتضنت كنائسنا العربيّة القديمة وأخذت منها طابعها الثّقافيّ والحضاريّ الأوّل، باللّحن والتراتيل والصّلاة والطقس البيزنطيّ، وروعة التراث الحضاريّ القديم الّذي إليه ننتمي، فتساعد المؤمنين على التخشع، حيث تأثّرنا بالطابع الهليني بفن بناء كنائسنا العربيّة الّتي بنيت بأيدي أجدادنا العرب الأردنيّين وليس بأيدي الروم كما يظنّه البعض فالحضارة العربيّة الغسّانيّة طُمست أمام الحضاره الروميّة للأسف.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment