Skip to content

لا تقتل

رابط المقال: https://milhilard.org/ogu8
تاريخ النشر: أكتوبر 17, 2024 6:48 م
th (2)
رابط المقال: https://milhilard.org/ogu8

بقلم: الأبّ إبراهيم فلتس – نائب حارس الأراضي المقدّسة

“لا تَقْتُلْ”، هي الوصيّة الخامسة الّتي تضعنا أمام الاحتمال اللّإنسانيّ واللّأخلاقيّ بأنَّ الإنسان يمكن أن يقرِّر إنهاء حياة أخيه الإنسان والقضاء عليه.

 وبالتالي، نجد أنّ الوصايا العشر تُشدِّدُ على ضرورة أن نراعي محبّة الله ومحبّة القريب في كلّ ما نفعله ونقوم به من أعمال، وذلك لكي نسير على طريق الخلاص. هذا هو واقع الحال فيما يتعلّق بالمسيحيّة وبكلّ مؤمن مسيحيّ، ولكنَّ الأمر صحيح أيضاً فيما يتعلّق بالبشريّة جمعاء، فالقتل لا يمكن أن يكون قانوناً أخلاقيّاً، بل يبقى جريمةً نكراء.

لا يمكن لصاحب الضّمير الحيّ أن يفهم أو يستوعب الافتقار إلى التّعاطف الإنسانيّ، أو اللّامبالاة الّتي تبقى بنظره غير إنسانيّة الأبّ إبراهيم فلتس

الموت هو عكس الحياة. القتل هو عكس الحياة. إعطاء الحياة هو عكس أخذ الحياة. من لديه القدرة على إزهاق الأرواح؟ من يستطيع أن يقتل أبناء جنسه أو قام بالفعل بقتل أبناء جنسه؟. من يسمح لهذا العدد من القتلى أن يزداد يوماً بعد يوم، ومن يمتلك القدرة على وقت نزيف الدِّماء، ولكنَّه لا يُحرِّك ساكناً لفعل أيِّ شيء؟ أعتقد أنَّ الإجابة على هذه الأسئلة الّتي يطرحها الكثيرون في العالم على أنفسهم، واضحة ولا تحتاج إلى تفسير، لكن للأسف لا يتقدّم أحد للإجابة عنها بشجاعة. هذه أسئلة يطرحها كلّ ضميرٍ حيّ يشعر بانعدام الحقيقة والعدالة. إنَّ موت إنسان واحد هو حدث أليم، فما بالك بموت البشر الأبرياء والعُزَّل! إنَّه يؤلم أكثر من أيّ شيء.

لا يمكن لصاحب الضّمير الحيّ أن يفهم أو يستوعب الافتقار إلى التّعاطف الإنسانيّ، أو اللّامبالاة الّتي تبقى بنظره غير إنسانيّة. الكراهيّة هي عكس الحُبّ، والانتقام هو عكس المغفرة. من أين يأتي هذا القدر الهائل من الكراهيّة؟ ما الّذي يدفع الرّجل إلى جعل رجل آخر يعاني؟ يبدو أنَّنا عاجزون عن وقف العنف الّذي لا نجد له مثيلاً حتّى في عالم الحيوان، لأنَّنا نجد في عالم الحيوان الكثير من التّضامن بين أبناء الفصيلة الواحدة. 

الوفيّات في غزّة هي للأسف إحصائيّات في عمليّة تزايُد متواصلة دون توقُّف

تتواصل في الأرض المقدّسة عمليّات قتل المدنيّين العُزَّل، والعنف ينتشر وأعداد القتلى في لبنان والضفّة الغربيّة وسوريّا في ارتفاع، في حين أنَّ الوفيّات في غزّة هي للأسف إحصائيّات في عمليّة تزايُد متواصلة دون توقُّف، وإن لم تعدْ للأسف تتصدَّر نشرات الأخبار. يعيش آلاف النّازحين في خيام ويعانون المصاعب الجمّة، فآلاف النّاجين يواجهون الجوع والعطش ويعانون من الحرارة والبرد الّذي عاد بعد عام كامل على بدء المأساة.

 المساعدات لا تصل، وإن وصلت فهي لا تسدُّ الحاجة، ومع ذلك فما زالت محظورة. وأصبحَتْ عمليّة إنقاذ الحياة مهمّة صعبة للغاية، في ظلّ نقص الأدوية وزعزعة النظّام الصحّيّ في المستشفيات جرّاء استهدافها المتواصل. دُفِنَ الكثيرون تحت الأنقاض، والكثيرون غيرهم لم يُدفنوا بعد بشكل مناسب. يتمُّ زرع الموت والدّمار، وتختفي حياة البشر، والمنازل، والطرقات، وأماكن دعم الجسد والرّوح، ويتمُّ تدمير عجائب الطّبيعة الّتي أعطاها الله للبشريّة الجاحدة غير المسؤولة. النّاس يقتلون ويدمّرون أنفسهم من أجل المصلحة والسلطة. يتمُّ ارتكاب جريمة القتل في ظلّ تجاهلٍ تامٍّ وعدم اكتراثٍ بالاحتياجات الأساسيّة لجارنا، تُرتَكَبُ أعمال القتل دون مبالاة، وفي ظلّ غياب أيّ إجراءات حاسمة لوقف الحرب، رغم وجود الإمكانيّات لوقفها. كان الله رحيماً بقايين وغفر له وحماه من أولئك الّذين أرادوا إيذاءه.

الحاجة الفوريّة الآن وعلى التوّ تكمن في العمل الحازم والجّاد على وقف الحرب

إنَّ عدم ارتكاب جرائم القتل لا يعني فقط التّوقّف عن دعم الحرب وعن إرسال السلاح، بل بوقف زرع القتل في الفكر والعقل أوّلاً، وبوقف مدِّ الأطراف بالسّلاح ثانيّاً. وهذا لن يحصل إلّا من خلال اعتماد نهج جديد يبدأ مع نعومة أظفار الأطفال في البيت والمدرسة والشّارع، نهج يعتمد على زرع قيم المحبّة والحقّ والعدل واحترام الإنسان بصفته عطيّة من الله تعالى ليس للإنسان فضل فيها. وبالطرف الآخر يتحقّقُ ذلك من خلال التّوقّف عن خلق النّزاعات لتصبح ميداناً لتسويق الأسلحة الجديدة الفتّاكة والّتي يصبح البشر الأبرياء حقل تجاربها. ولكن، وبعيداً عن هذا الحلم الوردي وهذه المثاليّة الّتي تتعارض مع نزعة الطّمع والسّلطة لدى بعض أسياد هذا العالم، فالطّلب والحاجة الفوريّة الآن وعلى التوّ تكمن في العمل الحازم والجّاد على وقف الحرب، وبعد ذلك نبحث في كيفيّة عدم تكرارها. كيف لهذا العالم المتحضِّر، الّذي تتنافس دُوَلُه وتتباهى في إلغاء عقوبة الإعدام من دساتيرها، أن تفشل في وقف هذه الحرب؟ ألا يستحقُّ الأبرياء دستوراً بشريّاً كما الدّستور الإلهيّ، بأنَّ واهب الحياة هو وهو فقط صاحب الحقّ باسترجاعها؟ كفانا حرباً، كفانا إزهاقاً للأرواح البريئة، فشلّال الدّم هذا لن يحقِّقَ نصراً أو إنجازاً سوى زيادة رصيد أسياده من وِزرِ خطيئتهم وثقل ذنبهم أمام أنفسهم وأمام النّاس، والأهم: أمام الله تعالى، الّذي أوصانا ب: “لا تَقْتُلْ”!

عن صحيفة القدس المقدسيّة

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content