Skip to content
Skip to content

كيف نصون الحقّ في التعلّم دون سحق الأُسر!!! رؤى لنهضة ممكنة

تاريخ النشر: سبتمبر 9, 2025 2:57 م
د موفق الزيادات

د موفق الزيادات

كتب: د موفق الزيادات- لـ ملح الأرض

في بيتٍ أردنيٍّ بسيطٍ على أطراف أحد المحافظات، تُطالع أمٌّ كشف الرسوم المدرسية لابنها، وتقارنُه بفاتورة الكهرباء، وبدفعات الإيجار، وتكاليف وصفة الدواء الشهرية. بين سطرٍ وسطرٍ، تنهزم كل محاولات الأفكار للبحث عن مصدر لباب جديد كلما فكرت من خلاله بحل، تصفع رياحه كل فكرة محتملة أمام دراسة ذك الأبن الطامح باستكمال مراحل دراسته حيث تتكثّف معادلةٌ صعبة لا تطال حال بعينها بل تحتاج من قبل الجميع للإجابة: كيف نصون حقّ أبنائنا في التعلّم دون أن نسحق الأسر تحت وطأة الكلفة؟ كيف ننفذ من “دلف” تكاليف مرحلة دراسية، وألا نقع تحت “مزراب” مرحلة أكثر كلفة؟ هذا السؤال لم يعد فردياً؛ إنه سؤالٌ وطنيٌّ يلامس جوهر العدالة الاجتماعية وقدرة الأردن على تحويل ثروته الديمغرافية إلى نهضةٍ معرفية واقتصادية.

إن الاستثمار في التعليم يعد منطقة الراحة بالنسبة لمختلف الأطراف بدء بالمواكن، مرورا بالأسرة، وانتهاء بالمجتمع برمته، وإن حماية ذك الاستثمار يعد أولوية تتربع على هرم احتياجات الفرد الأردني متخطيا هرم ” ماسلو” الاعتيادي بالتعلم أولا وثانيا وسابعا.

لو ألقينا نظرة سريعة على التعليم وسط تحوّلات ديموغرافية واقتصادية مستقبلية فإن استشراف المستقبل بالقطاع التربوي يسير بنا نحو سيناريو أكثر تعقيدا (يصعب علي تسميته سيناريو مظلم/ أسود) حيث تشير أنماط / اتجاهات الأرقام الإحصائية وفق تقديرات دائرة الإحصاءات العامة إلى أنّ عدد سكان المملكة الذي يقدر بحوالي 11.7 مليون نسمة في 2024، وما يشكله قطاع الشباب بسن (15 –24 عاما) نحو خمس السكان (قرابة 2.3 مليون شاب/ة) بأنها كتلة بشرية حرجة تعلماً وتشغيلاً وصنعاً للمستقبل.  

أما الفقر بوصفه ضغطاً مالياً مباشراً على قرارات التعليم، فقد قُدِّرت نسبته بنحو 24.1% وفق إعلانٍ رسمي في 2022، وهو رقم يذكّر بأنّ ربع المجتمع تقريباً يعيش عند أو دون خط الكفاية. كما تشير الأرقام الإحصائية على أن التحاق المرحلة الثانوية في الأردن مرتفع نسبياً (نحو 92 % في 2023)، لكن التحاق التعليم العالي يدور حول 33 % في 2023 — أدنى من المتوسط العالمي وأعلى بقليل من متوسطاتٍ إقليميةٍ عديدة.  

أين يختنق الطلبة؟ معادلة الكلفة والدخل

الإنفاق العام على التعليم رافعة عدالةٍ أساسية. فعلى الصعيد الدولي توصي اليونسكو بأن تخصّص الحكومات 4 – 6 % من الناتج المحلي و/أو 15 – 20 % من الإنفاق العام للتعليم. في الأردن سُجّل الإنفاق العام على التعليم قرابة 3.16 % من الناتج المحلي في 2022 — أقل من العتبة المرجعية؛ وهذا ينعكس على سعة الدعم وقدرته على تخفيف العبء عن الأسر.

وفي واقع الرسوم الجامعية، تُظهر قوائم رسمية أن رسوم الساعة في برامج صحية وتقنية قد تكون مرتفعة جداً قياساً بمداخيل الأسر:

في جامعة العلوم والتكنولوجيا (JUST) تصل رسوم الساعة في الطب البشري إلى نحو 257 ديناراً، وفي طب الأسنان إلى 210 دنانير بحسب جداول الرسوم.  Just.edu.jo، كما تظهر وثائق القبول في جامعة اليرموك رسوم ساعة للتخصصات الهندسية ضمن البرنامج الموازي تتراوح تقريباً بين 75 و141 ديناراً.  

ضع هذه الأرقام مقابل قيمة مرجعية للأجر المعيشي في المدن لعام 2022 تقدّر بنحو 361 ديناراً شهرياً للعامل/ة (صافي 334 ديناراً)؛ أي 4332  ديناراً سنوياً — ما يعني أن سنةً جامعيةً واحدة بعددٍ منطقي من الساعات في تخصصاتٍ مكلفة قد تستهلك معظم دخل أسرةٍ عاملة أو تتجاوزه.  

إقليمياً وعالمياً، يلفت تقرير تقدم التعليم إلى أنّ نصيب البلدان منخفضة الدخل من الإنفاق العالمي على التعليم عام 2022 كان 0.45 % فقط، فيما تتحمّل الأسر نسبةً أعلى من التمويل مقارنةً بغيرها — وهو سياق يفسّر لماذا تتجذّر الفجوات المالية التعليمية حتى عندما تبذل الحكومات جهداً محدود الموارد.  

تدير وزارة التعليم العالي برامج المنح والقروض عبر صندوق دعم الطالب، وتعلن دورياً عن صرف الدفعات وردّ المبالغ، ما يمثّل شبكة أمان ضرورية لكنهـا ما تزال دون الطلب الكلّي في ظلّ ضغط الكلفة واتساع قاعدة المستحقين.  

من المعالجة إلى الابتكار: باقة حلول عملية ومبدعة

لنفكر بحل المشكلة معا من خلال جملة من المقترحات القابلة للحوار الجمعي والتطبيق بخطواتٍ تشريعية وإجرائية واضحة، والأثر المتوقَّع — إذا اقترن بالحوكمة الرشيدة كالقياس الصارم والشفافية — ستُترجم سريعاً في جيوب الأسر، وفي كفاءة التعلّم، وفي قدرة الشباب على عبور الجسر من المدرسة والجامعة إلى العمل الكريم.

أولا: التشريعات والسياسات العامة التمويلية

  1. رفع الإنفاق العام على التعليم تدريجياً إلى 4–6% من الناتج و15 – 20 % من الموازنة خلال ثلاث سنوات، مع ربط الزيادة بمؤشرات أداء (تحسّن التحصيل، خفض تسرّب، توسّع منح). هذه عتباتٌ دولية مرجعية، ومواءمتها وطنيّاً ضرورةٌ للاستدامة.  
  2. صكوك تعليمية (Sukuk for Education): أداة تمويل سيادي/بلدي موجّهة لبناء قاعات ومختبرات وصناديق منح؛ تُسدَّد عبر تدفقاتٍ مستقبلية (رسوم مخفّضة، مساهمات الخريجين، حصة من إيرادات التدريب المهني).
  3. صندوق وطني للمطابقة: كل دينارٍ يقدّمه القطاع الخاص أو المجتمع المدني للمنح يطابقه دينارٌ حكومي (1:1) ضمن سقوفٍ عادلة، لتحفيز تعبئة الموارد.

ثانيا:  دالة الرسوم وآليات سداد مرنة

  • سُلَّم رسوم بحسب الدخل (Sliding Scale): تُربط الرسوم الصافية بالشرائح العشرية لدخل الأسرة وفق (HEIS/DoS) مع دعمٍ أعلى للفئات الدنيا، وأتمتة التحقّق (Open Banking/وزارة التنمية).
  • اشتراكٌ تعليمي شهري بدل الدفعات الفصليّة: تحويل كلفة الفصل إلى اشتراكٍ أقرب لرسوم الاتصالات، مع خصمٍ تلقائي ورسوم تأخير صفر — يحمي السيولة الأسرية ويقلّل الانسحاب.
  • تقسيط بلا فوائد + عفو غرامات: إلزام الجامعات بإتاحة خطة 12–18 شهراً دون فوائد، مع عفوٍ دوري عن الغرامات للطلبة المنتظمين أكاديمياً.
  • سقوف للبرنامج الموازي: ضبط الارتفاعات غير المبررة وربط أي زيادةٍ بمسوّغات تكلفة فعلية (مختبرات، سريري، معدات) مع نشرٍ علني لوحدات التكلفة.

ثالثا: أدوات تمويل طلابية مبتكرة

  • اتفاقيات دخل مستقبلية محسّنة (ISAs-Lite): تمويل يغطي جزءاً من الرسوم مقابل نسبةٍ صغيرة من الدخل لمدّةٍ محدودة بعد التخرج (سقف/أرضية/سقف شهري، وباستثناءٍ صريح لرواتبٍ دون الأجر المعيشي).
  • منحٌ مصغّرة فورية (Micro-Grants): قسائم رقمية بقيم 100–300 دينار تُصرف خلال أسبوعين لسد فجوات طارئة (مواصلات/كتب/رسوم مختبر). تُموَّل من الصندوق الوطني للمطابقة.
  • قرضٌ حسن عبر التكافل والزكاة: شراكة مع صندوق الزكاة/جمعيات اعتمادٍ صغير لتقديم قروضٍ بلا فوائد للطلبة الأشدّ حاجة، مع متابعة سدادٍ بعد التوظيف.

رابعا: ربط التعلّم بسوق العمل والدخل

  1. تعلّم تعاوني مأجور (Co-op): فصلٌ تعليمي يعادله فصل عملٍ مأجور لدى شركاء صناعيين/رقميين، يغطّي 20–40% من الرسوم تلقائياً.
  2. مسارات مهنية قصيرة موازية داخل الجامعة ( (Cloud, Data, QA، مهارات صحية مساندة بشهاداتٍ معتمدة وأجرٍ جزئي أثناء الدراسة.
  3. منح مشروطة بخدمةٍ اجتماعية: تغطية 25–50% من الرسوم مقابل 100 – 200 ساعة خدمة (تعليم تطوعي، رقمنة أرشيف، عيادات مجتمعية) — يعود نفعها للمجتمع وتثري السيرة المهنية.

خامسا: حوكمة البيانات والإفصاح

  1. سجلّ وطني للأهلية المالية (Privacy-by-Design): يدمج — بموافقة الأسرة — مؤشرات الدخل والإنفاق ويتيح تسليم الدعم تلقائياً والحد من الازدواجية.
  2. لوحة شفافية للرسوم والتعلّم: إفصاحٌ موحّد على مواقع الجامعات (تكلفة الساعة، فرص المنح، معدلات التوظيف حسب التخصص) لتمكين قراراتٍ واعية.
  3. آلية إنذار مبكر للتسرّب المالي: تتبّع مؤشرات متكررة (تأخر دفعات، غياب، طلب تقسيط) وتدخّل إرشادي ومالي سريع يمنع الانسحاب.

سادسا: تمويل مجتمعي طويل الأمد

  1. أوقاف تعليمية رقمية: منصات وقف شفافة تموّل مقاعد دائمة للطلبة الأشد حاجة، وتعلن الأثر سنوياً.
  2. تحالف (خريج لاثنين): التزام رمزي بأن يموّل كل خريج عند استقراره المهني دراسةَ طالبين خلال عشر سنوات، عبر اقتطاعٍ طوعي صغير — يعظّم أثر رأس المال الاجتماعي.

إنّ نافذة العائد الديمغرافي لا تنتظر. فلدينا قاعدة شبابية كبيرة، لكن دون استثمارٍ ذكيّ ومبتكر في التعليم وتمويله، تتحوّل هذه القاعدة من فرصةٍ ذهبية إلى كلفةٍ اجتماعية. فالإصلاح المالي التعليمي — حين يُصمَّم بعدالةٍ وشفافية — ليس إنفاقاً إضافياً، بل استثمارٌ في نموٍّ أعلى، وبطالةٍ أدنى، ومجتمعٍ أكثر مناعة.

استشاري التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل

د موفق الزيادات

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment