Skip to content
Skip to content

كنيسة “فلسطين” بدل “الأراضي المُقدّسة”

تاريخ النشر: نوفمبر 12, 2025 1:26 م
فلسطين لوجو

بقلم: داود كُتّاب

كثيرًا ما نسمع ونقرأ عن مؤسّساتٍ دينيّةٍ، بل وكنائس، تستخدم عبارة “الأراضي المُقدّسة” بدلًا من “فلسطين”. قد يكون في الماضي مبرر براغماتي لمثل هذا الاستخدام، خصوصًا في فترات كانت فيها الظروف السياسيّة صعبة، وكان ذكر فلسطين بالاسم قد يعرّض المؤسّسة أو أتباعها لمخاطر وجوديّة.

لكن اليوم، وبعد أنْ أصبح العالم بأسره تقريبًا يعترف بدولة فلسطين، لم يعد هناك ما يبرر استمرار هذا النهج اللّغويّ. ومع اقتراب الاحتفال بأعياد الميلاد في مدينة الميلاد الفلسطينيّة – بيت لحم، تبرز الحاجة إلى أن يتحلّى القادة الكنسيّون بالشجاعة الكافية لتحديث وتسوية هذه التسميات بما ينسجم مع الواقع والكرامة الوطنيّة.

على سبيل المثال، ما زالت الكنيسة اللّوثريّة في الأردن والأراضي المُقدّسة تحمل هذا الاسم، رغم أنَّ مقرّها في القدس. الأمر ذاته ينطبق على كنيسة الاتحاد الإنجيليّة الّتي تتخذ من عمّان مقرًّا لها، وتعرّف عن نفسها بأنَّها “في الأردن والأراضي المُقدّسة”، وكأنَّ في هذا التوصيف تمييزًا ضمنيًا بين الأردن وفلسطين على أساس “القداسة”، رغم أنَّ العديد من المواقع المذكورة في الكتاب المُقدّس تقع في الأردن أيضًا.

فهل من المنطقي أن تُسمّى المؤسَّستان معًا بـ”الأردن والأراضي المُقدّسة”، بينما العدل والدقّة يقتضيان إمّا تسمية كل بلد باسمه، أو الإشارة إلى كليهما بأسماء واضحة ومتكافئة؟

كما نلاحظ أنَّ المجمع الإنجيليّ في فلسطين وكنائسه في رام الله وبيت لحم والقدس وغزّة، لا تزال تُعرّف نفسها أيضًا باسم “المجمع الإنجيليّ في الأراضي المُقدّسة”، بدل أنْ تستخدم اسم فلسطين. أليس الأجدر بها أنْ تفتخر باسم بلدها الّذي يحتضنها؟


أليسَ من الأفضل والأوضح أنْ نقول: الكنيسة اللّوثريّة في الأردن وفلسطين أو المجمع الإنجيليّ في فلسطين ونبتعد عن التهرُّب بعبارة الأراضي المُقدّسة


في أحد النّقاشات الكنسيّة، حاول أحد رجال الدّين في الأردن التَّقليل من أهمّيّة الإشارة الجغرافيّة في أسماء الكنائس، رغم أنَّها أمرٌ كتابيٌّ.

إنَّ الكنيسة هي جماعة المؤمنين، لا المكان. وهذا صحيح من النّاحية اللّاهوتيّة، لكنَّ الإشارة الجغرافيّة لا تنتقص من ذلك، بل تساعد على التَّعريف العمليّ. فالرُّسل أنفسهم استخدموا هذا الأسلوب في العهد الجديد: فلدينا رسالة بولس إلى أهل كورنثوس، ورسالة إلى أهل غلاطية، وإلى أهل أفسس، وإلى أهل رومية، وغيرها. هذه التّسميات أصبحَتْ جزءًا من الكتاب المُقدّس ذاته، وتشير بوضوحٍ إلى جماعات المؤمنين في أماكن محدّدة.

واذا تصفَّحنا العهد الجديد والكنائس الّتي أشار لها الرسل نرا أنَّ كلّها تشير إلى منطقة جغرافيّة . فمثلًا هناك تحيّة ل 28 شخص في كنيسة روما (الّتي أصبحَت الآن عاصمة إيطاليا) و كورنثوس الّتي أصبحَتْ جزءًا من دولة اليونان غلاطية وأفسس وكولسي وهي الموجودة في آسيا الصغرى وهي تركيا اليوم وتسالونيكي وهي في اليونان اليوم.

أذكر كلّ هذه التّسميات والبلاد الّتي تكمن فيها تلك الكنائس للتَّوضيح أنَّه لا مانع بل مُحبَّذ أن يتمَّ الإشارة لجماعة الله في أيّ بلد أو دولة باسمها كما هو معروف لدى الجميع. فهناك على سبيل المثال لا الحصر كنيسة عمّان المعمدانيّة، أو كنيسة رام الله المحلّيّة.


اذا تصفَّحنا العهد الجديد والكنائس الّتي أشار لها الرسل نرا أنَّ كلّها تشير إلى منطقة جغرافيّة


الأمر نفسه نراه في تسميات المجامع الأرثوذكسيّة. فهذه بطريركية أورشليم وبطريركيّة قسطنطينيّة وهناك الكنيسة الروسيّة أو البولنديّة أو الأوكرانيّة الأرثوذكسيّة. وفي طائفة اللّاتين نرى أمرًا مُماثلًا فهناك أبرشيّة سانتاغو وأبرشيّة بروكسل وهناك تسميات مثل كنيسة قلب يسوع اللّاذقيّة أو قلب يسوع في تلاع العلي وغيرها من تسمية تشمل الجغرافية.

إذًا، ما المانع من أنْ تُسمّى الكنائس والمؤسَّسات الدّينيّة بأسماء البلدان الّتي تعمل فيها؟ أليسَ من الأفضل والأوضح أنْ نقول: الكنيسة اللّوثريّة في الأردن وفلسطين أو المجمع الإنجيليّ في فلسطين ونبتعد عن التهرُّب بعبارة الأراضي المُقدّسة.

لقد اعترفَتْ حتّى اليوم 161 دولة بدولة فلسطين على حدود الرّابع من حزيران عام 1967. وبعد فكِّ الارتباط الإداريّ الأردنيّ مع الضفّة الغربيّة عام 1988، لم يعد هُناك مبرِّر لتجنّب تسمية الكنائس والمجامع باسمها. فكما نقول كتيسة الأردن، أو مصر، أو لبنان، وسوريا، ينبغي أنْ نقول فلسطين دون تردُّد. رأينا دار الكتاب المُقدّس في القدس تضيف كلمة الفلسطينيّة ولم يتمّْ إغلاقها أو معاقبتها لإنّها عكسَتِ الواقع المعروف عالميًّا في تسميتها.

من هنا، فإنَّ استخدام اسم فلسطين لا يحمل أيّ بعد سياسيّ ضيّق، بل هو تأكيد لهويّة كنسيّة وإنسانيّة ووطنيّة أصيلة. وهو أيضًا فعل إيمان وشهادة حقّ، بأنَّ أرض الميلاد هي فلسطين، أرض المسيح، أرض السّلام والعدل والكرامة.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment