Skip to content

كلمة القسيس د. منذر اسحق في حفل تخريج مدرسة الفرندز في رام الله

رابط المقال: https://milhilard.org/tirk
تاريخ النشر: يونيو 19, 2024 3:32 م
Munther-300x200friends
رابط المقال: https://milhilard.org/tirk

قال يسوع: “طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ.”

بداية اسمحوا لي أن أعرب عن فخري واعتزازي بأن أكون اليوم في وسطكم في هذا الصرح التعليميّ الفلسطيني المتميّز والعريق، والذي كان وعلى مدار سنين عديدة منارة للعلم والتفوّق ورائدًا في مجال التعليم في فلسطين. أشكركم من أجل دعوتي لأكون خطيب حفل تخريجكم هذا، الفوج ال ١١٨، ومما زادني سعادة وجود ابنة اختي ضمن فوج الخريجين – مبروك ديانا. عندما طلبت منها نصيحة عما أقوله لكم في كلمتي، أجابت بأن لا أطيل عليكم. طبعًا من الصعب على واعظ ألا يطيل كلمته، لكن سأحاول.

ظروفنا اليوم غير اعتياديّة، وحفل تخريجنا اليوم غير اعتيادي، فهو تخريجٌ في ظلّ حرب إبادة – هذه الحرب البشعة التي نعيش كلنا اليوم في ظلّها، ولن نعود كما كنّا بسببها، شعبًا وأفرادًا. بكلّ المعايير، ما نمرّ به اليوم هو غير مسبوق، حتى بمعيارنا كفلسطينيين حيث الاعتيادي هو غير الاعتيادي، هي حربٌ غير مسبوقة. إنها حرب إبادة بكلّ معنى الكلمة. هي حربٌ على كل الفلسطينيين، لكن أهلنا في غزة هم من يدفعون ثمنًا قاسيًا جدًا. مهما قلنا ومهما تكلّمنا، يبقى لا شيء أبدًا مقابل ما يعانيه ويتعرّض له أهلنا في غزة من القصف المستمر، إلى التهجير، والتهجير مرة أخرى، إلى القتل بالمجاعة، إلى إطلاق النار، إلى المعاناة من برودة الطقس، والموت من حرارة الشمس، إلى دفن الأحبة واحداً تلو الآخر (هذا لمن حالفهم الحظّ باستعادة جثث من فقدوا من أعزاءهم)، والتعذيب، وجمع الأشلاء، وانتشال الجثث من تحت الأنقاض… كل هذا بعد 17 عامًا من الحصار.


“لا يمكننا إلا أن نتكلّم عن غزة وأن تبقى غزة محور كلّ ما نقوم به ونتكلّم عنه إلى أن تنتهي هذه الحرب ونعود لبناء غزة من جديد” القس د. منذر اسحق


واليوم لا ننسى بنات وأبناء غزة الطلاب الذين لن يتخرجوا والذي قُتلوا وقُتلت معهم أحلامهم ورؤياهم، ليسلّمونا إياها نحن الناجين من الإبادة. فلنرسل التحية لطلاب غزة. مدارس دُمرّت ومعلمين استشهدوا وتعرّض القطاع التعليمي بكلّ ما فيه إلى الدمار. لذا لا يمكننا إلا أن نتكلّم عن غزة وأن تبقى غزة محور كلّ ما نقوم به ونتكلّم عنه إلى أن تنتهي هذه الحرب ونعود لبناء غزة من جديد، وسنبنيها. هذا عهدنا: سنساند ونعضد أهلنا في غزة في بنائهم لغزّاهم من جديد. ولتكن البداية بلحمتنا وتضامننا ووحدتنا كشعب واحد. الوحدة اليوم مطلوبة اكثر من أي وقت مضى.

هذه الحرب كشفت رياء العالم الذي يسمّي نفسه بالمتحضّر، والذي يتغنّى بالمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، بينما يصمت على موت الأطفال وهذا الدمار. هي حربٌ رسّخت لنا عنصريّة قادة الغرب السياسيين والعسكريين. ما نواجهه اليوم هو استعمارٌ عنصري وثقافة الفوقية الاستعلائية التي لا تبالي بالأرواح. وأنتم اختبرتم بأصعب الطرق وأقساها عنصريّة الغرب، بالاعتداء الآثم في الولايات المتحدة على خريجيكم هشام وكنان وتحسين، لمجرّد ارتدائهم الكوفيّة الفلسطينية، رمز عزّتنا وكرامتنا.

وهذه الحرب كشفت لنا من هم أصدقاؤنا الحقيقيّون. التضامن الحقيقي اليوم نجده في الشعوب التي عانت من الاستعمار والابارثايد. نوجّه التحيّة اليوم لحنوب افريقيا ولا ننسى الجزائر إيرلندا وكلّ من يقف معنا. هناك المعيار الأخلاقي والمصداقيّة الحقيقيّة. ولا ننسى حراك الجامعات الأمريكية. تشرفت بمخاطبة أحد احتفالات التخريج الشعبية لمن قاطعوا تخريج جامعاتهم، وتحديدًا في جامعة هارفرد الشهيرة. إن كان قادة العالم صامتون، فشوارع العالم غير صامتة. الشارع قال كلمته، واليوم جامعات اليوم تقول كلمتها. ما يحصل في جامعات الولايات المتحدة وفي أماكن كثيرة حول العالم هو فعلاً أمر غير مسبوق. تذكروا: في التاريخ، الجامعات كانت دائمًا على الجانب الصحيح من التاريخ. هذا هو سبب غليان السياسيين من هذا الحراك. والعالم الذي يتغنى بحرية التعبير عن النفس نراه يغلى ويثور، بل ويرسلون الأمن ليقمع هذه التظاهرات. يتغّنون بالحريات، ولكن عندما يتعلّق بالأمر بحرية فلسطين وحتى حرية التعبير عن فلسطين، يكون الردّ بالعنف. هو النفاق بحدّ ذاته، وهو الخوف والإدراك أن هذه هي بداية النهاية.

فيديو كامل لحفل التخرج لمدرسة فرندز رام الله 2024

غزة حربٌ رسّخت أمام العالم قوّة الإنسان الفلسطيني وصموده، مذكّرة إيانا بكلمات شاعرنا سميح شقير: إن عشتَ فعش حرًّا، أو مُتْ كالأشجار وقوفًا، وقوفًا، وقوفًا، وقوفًا كالأشجار. قوّة الإنسان الفلسطيني تجلّت أمام العالم بأسره، في بسالة أبطالنا في الدفاع المدنيّ الذين يهرعون إلى موقع القصف، ويخاطرون بكل شيء، للبحث عن الناجين، وفي الصحفيين، الذين يخاطرون بكل شيء للتأكد من أنه لا يمكن لأحد أن يدّعي أنه لم يعرف هول الإبادة وما يحصل في غزة. أرى ألمهم من حقيقة أنه بعد 8 أشهر من المخاطرة بحياتهم، لتوثيق قتل أطفال غزة، لم تتوقف هذه الإبادة الجماعية. وتجلّت قوة الإنسان الفلسطيني في العاملات والعاملين في القطاع الصحيّ، 8 أشهر عمل دون توقف لإنقاذ الأرواح في أصعب الظروف مع الحد الأدنى من الأمان والموارد. منهم من استشهد، ومنهم من قتل تعذيبًا. لقد انهار القطاع الصحي، لكن ليس أطباؤنا. إنهم أبطالنا. لا ينهارون أبدًا. الدفاع المدنيّ، الصحفيين، الأطباء، وغيرهم من المتطوعين في مخيمات التهجير… كثيرون منهم فقدوا حياتهم، “ولم يكن العالم مستحقًا لهم”، فهم أكثر شرفًا وعزّة ليعيشوا في عالمٍ كعالمنا.


قوّتنا كفلسطينيين تكمن في عدالة قضيتنا. قوتنا في أننا أصحاب حقّ. قوّتنا في تجذّرنا في هذه الأرض


قوّتنا كفلسطينيين تكمن في عدالة قضيتنا. قوتنا في أننا أصحاب حقّ. قوّتنا في تجذّرنا في هذه الأرض. وقوتنا في قوة إيماننا بإله العدل والحقّ. نؤمن أن الكلمة الأخيرة هي للحق، للبرّ، للعدل والسلام. هي للحياة لا للموت. قد يأخذوا منا كلّ شيء، لكنّ كل جيوش العالم لا تقدر أن تسرق منّا إيماننا. إيماننا اليوم وصلاتنا مقاومة.

واليوم بإيماننا نتذكر أن الله ينحاز مع المظلومين. قال يسوع إن كل ما فعلتموه بالجائع، والعطشان، والفقير، والعريان والنازح، والسجين… “فبي فعلتموه”، أي بالمسيح. يوصينا الكتاب المقدس: “تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ.” لذا قلتُ في عيد الميلاد، لو ولد المسيح اليوم، فسيولد تحت الأنقاض في غزة، تضامنًا مع المهمشين والمظلومين. وانحياز الله هو انحيازنا اليوم.

أيها الخريجون. هذه رسالتي لكم. أن تكونوا منحازين مع الحقّ. كونوا ممّن يتمسكوا بالحقّ. كونوا أصحاب مبادئ. كونوا أصحاب رسالة. لهذه المدرسة إرثٌ مميّز في الدفاع عن المظلومين وتحقيق العدالة الاجتماعية. فمؤسسو هذه المدرسة العريقة الكويكرز كانوا من أوائل من حارب نظام العبوديّة في المسيحيّة الغربية، وممّن رفضوا العنف بشكلٍ مطلق ومن آمنوا برسالة السلام. وكانوا من السباقين في تمكين المرأة هنا في فلسطين. فعلاً سبقوا عصرهم. واليوم نشكرهم من اجل دعمهم المستمر لحقوق شعبنا. لقد كان الكويكرز رائدين وراديكاليين في إيمانهم بأنهم يقدرون على تغيير واقعهم بل والعالم. واليوم أنتم تكملون هذا الإرث العريق

قبل رسامتي قسيسًا في الكنيسة الانجيلية اللوثرية، أرسل لي صديقٌ صلاةً أو بركة لحياتي، هي بركة فرنسسكانية، أثرت فيّ بشكلٍ كبير، وسأشارككم ببعض ما ورد فيها:

ليعطيك الله غضبًا على الظلم والقهر واستغلال الناس، حتى تعمل من أجل العدالة والحرية والسلام. ليعطيك الله دموعًا تذرف من أجل من يعاني الألم والرفض والجوع والحرب، لكي تتمكن من مد يدّ العون لتريحهم ولتحول آلامهم إلى فرح. ليباركك الله بما فيه الكفاية من الحماقة للاعتقاد بأنك تستطيع أن تصنع فرقًا في العالم، حتى تتمكن من القيام بما يدّعي الآخرون بأنه لا يمكن القيام به…

ليباركك الله بما فيه الكفاية من الحماقة للاعتقاد بأنك تستطيع أن تصنع فرقًا في العالم، حتى تتمكن من القيام بما يدّعي الآخرون بأنه لا يمكن القيام به… هذا ما أصليه لكم اليوم. ان يكون بينكم اليوم من يؤمن فعلا انه قادر على ان يصنع فرقا في عالمنا. تحديات فلسطين كثيرة. نظام فصل عنصري، تطهير عرقيّ، وإبادة. هذا واقعنا. خيارتكم بسيطة: الهجرة والبحث عن الذات والنجاح الفرديّ خارج فلسطين، أو الصمود والثبات في الأرض، وتحقيق الذات في خدمة الآخر والوطن من خلال المشاركة في تحقيق الحلم الفلسطيني، والمصلحة المشتركة الوطنيّة والقومية والمتمثّلة بتحرير فلسطين. قال يسوع: بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا. اتبعوا هذا النوع من العظمة، المتمثّل في التضحية والشجاعة والبناء.


خذوا اليوم معكم هويّة ورسالة هذه المدرسة: “كلٌّ يعيش من أجل الآخر، والجميع يعيشون من أجل الله”


عادة في حفل التخريج يعطي خطيب الحفل نصائح عن النجاح الفرديّ والتقدّم في الحياة، وأتمنى هذا للجميع. لكنني اليوم أتكلّم عن نوع آخر من النجاح والريادة – المتمثّل في خدمة المجتمع والإنسان. لقد سلحتكم هذه المدرسة بأفضل تعليم، وما هو أكثر من التعليم، حبّ الله والوطن والعدل. خذوا اليوم معكم هويّة ورسالة هذه المدرسة، وتحديدًا: “كلٌّ يعيش من أجل الآخر، والجميع يعيشون من أجل الله” (“each lives for the other and all live for God”). هذا الإرث أهم من كلّ تعليم وشهادة. هذا ما سيبني الوطن، وهذا ما سيبنيكم. في هذا تحققون ذاتكم اكثر من أي شيء، عندما تعملون فرقا في عالمكم ومحيطكم.

رسالتي لكم اليوم هي الصمود لا الهجرة، البناء لا الانعزال. كيف نحلم بغربٍ نعيش فيه ونبنيه بينما هو يساهم بإبادتنا؟ فلسطين اليوم تناديكم. فلسطين تحتاجكم.

افتخروا بهويتكم. اليوم كل العالم أصبح فلسطين. لن أنسى ما حييت الآلاف المؤلفة في شوارع لندن والتي توشحت بالكوفية الفلسطينية والعلم الفلسطينيّ، أو كاثدرائية كاب تاون الشهيرة في جنوب افريقيا في صلاة الأحد كيف لبست الكوفية والعلم. خلال زيارتي للندن، كان لي الشرف أن أخاطب التظاهرة الأسبوعيّة لمناصرة فلسطين هناك. تكلّمت أمام أكثر من 200 ألف إنسان. أمام مشهد التضامن، قلتُ بأنّه لم يسبق لي أن شعرت بالفخر والتشرف لكوني فلسطينيًا أكثر من هذه الأيام. وأقول لكم اليوم، وأنتم تواجهون معارك الحياة: افتخروا بهويتكم. افتخروا بمن أنتم.

كلمة أخيرة: ستبدؤون غدًا مرحلة جديدة من حياتكم، هي مرحلة ستشكل حياتكم ولا نبالغ عندما نقول هي مرحلة ستحدّد وجهة وطنٍ بأسره. هي رحلة ستأخذكم إلى المجهول، ونصيحتي لكم أن تكونوا منفتحين على عمل الله في حياتكم، ومستعدين لمفاجئات تأخذكم حيث لا تتوقعون. حين كنت في مكانكم قبل 27 عامًا، بدأت حياتي بدراسة الهندسة في جامعة بيرزيت وشهادتي الأولى في الهندسة المدنية. لم أخطّط أن أكون قسيسًا أو لاهوتيًّا، وقطعًا لم أتوقع أبدًا أن أكون منخرطًا في الشأن العام المجتمعيّ والسياسيّ أو أن أجد نفسي مناصرًا للعدالة وحقوق شعبنا في أروقة الكونجرس والبرلمانات العالمية والميادين المختلفة. فهي رحلة تأخذكم إلى المجهول، ونصيحتي أن تتبعوا شغفكم، وأن تذهبوا إلى حيث تجدون أنفسكم. كونوا صادقين مع أنفسكم، وعيشوا كلّ لحظة من هذه الرحلة.

هذه كلماتي لكم اليوم، أنتم خريجو هذه المدرسة العريقة. لكم أن تفرحوا. لكم أن تفتخروا بإنجازكم الشخصيّ. لكم أن تحلموا. وأدعوكم اليوم أن تفتخروا بهويّتكم الفلسطينيّة وأن تعملوا من أجل غدٍ أفضل، فأنتم الحاضر والمستقبل. أدعوكم لتكونوا من أهل الصمود والبناء، وأن تعيشوا الشعار: “كلٌّ يعيش من أجل الآخر، والجميع يعيشون من أجل الله”. ألف مبروك والى المزيد من النجاح وتحقيق الذات.

المجد لشهدائنا الشفاء لجرحانا الحرية للأسرى وعاشت فلسطين حرة أبية

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content