
السابق شخصيّاتٌ مسيحيّةٌ من الأردن وفلسطين تُعلّقُ على تصاعدِ التوتر بين إيران وإسرائيل
بقلم يوحنّا كتناشو*
يُطلِقُ البعض على الحرب الإسرائيليّة الإيرانيّة الحاليّة اسم “عمليّة الأسد الصاعد”. وقد ورد أنَّ السيّد نتنياهو استشهد بسفرِ العدد، قائلاً: “هُوَذَا شَعْبٌ يَقُومُ كَلَبْوَةٍ، وَيَرْتَفِعُ كَأَسَدٍ. لاَ يَنَامُ حَتَّى يَأْكُلَ فَرِيسَةً وَيَشْرَبَ دَمَ قَتْلَى”. (سفر العدد ٢٣: ٢٤). وتُكرِّرُ وسائل الإعلام الإسرائيليّة هذا الاقتباس باستمرار، مُلخِّصةً إيّاه بكلمةٍ عبريّةٍ واحدةٍ “كلافي؟” (مثل لبوة). مع أنَّ بعض الأصوات اليهوديّة قد تؤيِّد هذا التّفسير، إلّا أنَّه لا يتوافق مع السّياق الكتابيّ أو لاهوته.
ما هو سياق هذا النّص؟ هل تطبيق أو تفسير السيّد نتنياهو ووسائل الإعلام الإسرائيليّة صحيح، مقبول، أو مفيد؟ دعونا أوّلًا نستكشف سياق هذه الآية. يُخبرنا الكتاب المُقدّس أنَّ بني إسرائيل هزموا الأموريّين وهم الآن يُخيّمون في أريحا. استأجر بالاق، ملك موآب، بلعام، وهو مُتخصِّص في اللّعن، ليلعن بني إسرائيل (العدد ٢٢-٢٤). تدخّل الله، وأبلغ بلعام أنَّ بني إسرائيل أُمّة مُباركة. بدافع الرّبح الماديّ، حاول بلعام أنْ يلعن بني إسرائيل، لكنَّ الرّبَّ أصرَّ على أنْ يُباركهم. تتكرر استعارة اللّبوة في سفر العدد ٢٤: ٩ برسالةٍ واضحةٍ: “جَثَمَ كَأَسَدٍ. رَبَضَ كَلَبْوَةٍ. مَنْ يُقِيمُهُ؟ مُبَارِكُكَ مُبَارَكٌ، وَلاَعِنُكَ مَلْعُونٌ!”.
وبعبارةٍ أخرى، كان بنو إسرائيل تحتَ الحماية الإلهيَة. إلّا أنَّ بلعام أشارَ (العدد ٣١: ١٦؛ قارن رؤيا ٢: ١٤) إلى أنَّ هذه الحماية يُمكن أنْ “تُنزع” بسبب خطيئتهم وعصيانهم. في الواقع، زنى بنو إسرائيل مع بنات موآب وعبدوا آلهةً غريبةً (العدد ٢٥: ١-٢). ونتيجةً لذلك، عاقب الله بني إسرائيل بالطّاعون الّذي أودى بحياة ٢٤ ألف شخص (العدد ٢٥: ١-٩).
يُقدِّمُ السّياق الأوسع للأسفار الخمسة هذا النّصَّ الشّعريّ كجزءٍ من استراتيجيّة تُشكِّل الشّكل النهائيّ للأسفار الخمسة. تظهر هذه المقاطع الشّعريّة (سفر التكوين ٤٨-٤٩؛ سفر الخروج ١٥؛ سفر العدد ٢٣-٢٤؛ سفر التثنية ٣٢-٣٣) في منعطفاتٍ مهمّةٍ، غالبًا على أطراف النّصوص السّرديّة و/أو القانونيّة.
تُشير هذه المقاطع باستمرار إلى شخصيّة ملكيّة مُستقبليّة تحكم الأمم (راجع سفر التكوين ٤٩: ١٠؛ سفر العدد ٢٣: ٢١؛ سفر العدد ٢٤: ٧: ١٧). وترى قراءةً قانونيّة أُخرى أنَّ هذه الأسفار جزء من تسعة أقسام (سفر التكوين – سفر الخروج – سفر اللّاويين – سفر العدد + سفر التثنية + سفر يشوع – سفر القضاة/سفر راعوث – سفر صموئيل – سفر الملوك). أربعة أسفار تسبق دخول الأرض، وأربعة أسفار أخرى تتبعه. في مركزها العهد مع الله. في البداية بركة الله، لكنَّ النّهاية هي السّبي. في السّياق المُباشر والسّياقات الأوسع، يجدُ بنو إسرائيل أنفسهم بعيدين عن بركة الله بسبب عصيانهم وخطاياهم. الرّسالة الواضحة للنّصّ ليسَتْ تشجيع الحروب، بل تعزيز طاعة العهد. فالبركة ليسَتْ مضمونة خارج العهد، بل العكس هو الصحيح. فمن يعصي الله سيُصاب بغضبه. علاوةً على ذلك، فإنَّ مسألة البركة ليسَتْ ذاتيّة أو غير آليّة. بل يجب أنْ تكون آليّة وكونيّة، تمتدُّ إلى جميع الأمم، بل إلى العالم أجمع.
يرتبطُ لاهوت البركة في الكتاب المُقدّس ارتباطًا وثيقًا بسفر التّكوين والعهد الإبراهيميّ. لا يُمكن أنْ تكون بركة إسرائيل أداةً للعن الأُمم، بل يجب أنْ تكون وسيلةً لمباركة الأمم. إنّها ليسَتْ لحمايةٍ أنانيّةٍ أو لاستخدام القوّة الإلهيّة لشنِّ الحروب. علاوةً على ذلك، لن تتحقّق هذه البركة بوسائل عسكريّة. يُثير سياق العهد القديم شُكوكًا جديّةً في إمكانيّة تحقيق بركة الأُمم بوسائل عسكريّة. تضمَّنَتْ أحلام الأنبياء نهاية الحروب والأسلحة. ويُمكن رؤية هذه الرّؤية بعمقٍ في عمل ربّنا يسوع المسيح، أمير السّلام. أصبحتِ الأمم، من خلاله، إخوة وأخوات، أبناء العهد الإلهيّ، ومواطنين مُشاركين في مدينة الله (راجع مزمور 87).
باختصار، أخشى القول إنَّ السيّد نتنياهو ووسائل الإعلام الإسرائيليّة، في هذه الحالة، يُسيئون استخدام النّصّ التوراتيّ لأغراضٍ سياسيّةٍ. فالنّصُّ المُقتبسُ لا يُفسِّر البركة على أنَّها ذاتيّة فحسب، بل يبدو أيضًا أنَّه يُبرِّرُ نهجًا عنيفًا ودمويًّا للحصول على بركةٍ إلهيّةٍ. من الواضح أنَّ شُرب الدّمِ ليسَ فعلًا مقبولًا في العهد القديم (لاويين ١٧: ١٠-١٤؛ تثنية ١٢: ٢٣). بل هو في الواقع مُحرَّم صراحةً. وبينما تُشير الصورة إلى قهر العدو بطرق مُبرحة، فإنَّ السّياق الأوسع يُشكِّكُ في هذا النّهجِ العنيف، بل ويُشير إلى أنَّ النّتيجة النهائيّة للعنف ستكون معاناة جميع الأطراف المعنيّة. إنَّ أفضل طريقة للحصول على البركة الإلهيّة هي الولاء للعهد الإلهيّ. وأفضل طريقة لتحقيق هذا الولاء هي معرفة يسوع المسيح ومراقبته.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!