
السابق من عمّان إلى بيروت: مناظرة من خارج الحدود — حوار إنجيلي–أرثوذكسي علني

بروفيسور سليم منّير
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة منذ عام 2023 واتساع نطاق الدمار والضحايا، برز سؤال ملحّ: لماذا تلتزم العديد من الكنائس في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية الصمت، فيما تتحدث الكنائس في الجنوب العالمي بوضوح عن المأساة الإنسانية؟
هذا السؤال طغى على نقاشات مؤتمر التحالف الإنجيلي العالمي الذي عُقد في سيول بكوريا الجنوبية في أكتوبر/تشرين الأول 2025، حيث لمس قادة مسيحيون من مختلف أنحاء العالم حجم الضغوط التي تتعرض لها الكنائس الغربية عندما يتعلق الأمر بانتقاد إسرائيل أو إبداء التضامن مع الفلسطينيين.
ترتبط دول غربية كبرى—بينها الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وبريطانيا—بعلاقات استراتيجية راسخة مع إسرائيل. ويقول قادة كنسيون إن هذه التحالفات تُترجم على شكل توقعات غير معلنة بأن تتجنب الكنائس أي خطاب ينتقد السياسات الإسرائيلية، خشية أن يُنظر إليها على أنها تخرج عن “الإجماع الوطني” أو تُضعف العلاقات مع الدولة.
ويزداد هذا الضغط على الهيئات المسيحية العاملة في إسرائيل، والتي تعتمد على التأشيرات والتسهيلات الحكومية وموافقة السلطات لفتح حسابات مصرفية أو تلقي الدعم. أي موقف حاد تجاه سياسات تل أبيب قد يُعرّض وجودها على الأرض للخطر.
الهاجس الأكبر الذي يطارد الكنائس الغربية هو الاتهام بمعاداة السامية. ففي دول مثل ألمانيا، يحمل التاريخ الثقيل للهولوكوست وزنًا هائلًا، يدفع المؤسسات الدينية نحو التأييد الحذر لإسرائيل خوفًا من سوء الفهم أو الاتهام.
ويؤكد عدد من رجال الدين أن مجرد استخدام توصيفات مثل “الإبادة الجماعية” أو “جرائم الحرب” قد يُعرّضهم لحملات تشويه، أو قد يفهمه البعض على أنه استهداف لليهود لا نقدًا لسياسة دولة.
يكشف قادة كنسيون وأكاديميون أن ضغوط المانحين من أبرز أسباب التردد. فبعض الجهات الداعمة، خاصة في أميركا الشمالية، تحمل قناعات صهيونية واضحة، وتعتبر أي انتقاد لإسرائيل خروجًا غير مقبول.
ويقول قساوسة إن مجرد ذكر غزة على المنبر يهدد بسحب التبرعات، خصوصًا من الأعضاء الأكبر سنًا الذين يشكلون العمود المالي للكنيسة.
أما الجامعات والمعاهد الدينية فتخضع لضغوط سياسية ومالية مشابهة، تصل إلى حد التدخل المباشر من بعض أعضاء الكونغرس في المناهج والخطاب العام، ما يؤدي إلى تضييق نطاق النقاش الأكاديمي.
أسهمت التغطية الغربية—قبل وبعد 7 أكتوبر—في ترسيخ رواية إسرائيلية أحادية، تركز على “الدفاع عن النفس” وتُغفل السياق التاريخي الممتد. أي محاولة من قس أو قائد كنيسة لتقديم رواية بديلة أو الإشارة للقانون الدولي تُواجَه سريعًا باتهامات “التسييس” أو “التطرف”.
تضم الكنائس الغربية مجموعات متنوعة فكريًا ولاهوتيًا، من الصهاينة المسيحيين إلى المسيحيين العرب والمهاجرين والإنجيليين التقليديين. هذا التنوع يجعل القادة يخشون أن يُشعل أي تصريح حول غزة خلافات داخلية تهدد الوحدة أو الموارد المالية.
بعض رجال الدين والأكاديميين الذين تجرأوا على الكلام دفعوا ثمنًا اجتماعيًا ومهنيًا: هجمات إلكترونية، ضغوط من المؤسسات، خسارة وظائف، أو وضع على قوائم سوداء. هذا الواقع دفع كثيرين إلى ممارسة الرقابة الذاتية.
بينما تتحدث منظمات حقوق الإنسان والكنائس في الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية بوضوح عن “الإبادة الجماعية” و”التطهير العرقي”، يبدو أن كثيرًا من الكنائس الغربية أسيرة حسابات سياسية ومالية وتاريخية تمنعها من أداء دورها الأخلاقي.
هذا الصمت—بحسب قادة فلسطينيين وغربيين—يقوّض مصداقية الكنائس، ويعمّق الفجوة بينها وبين المسيحيين في الجنوب العالمي، ويعطي غطاءً لمزيد من العنف.
يدعو قادة كنسيون إلى لحظة صراحة. فالأزمة الحالية، كما يقولون، ليست مجرد صراع سياسي بل اختبار أخلاقي للكنيسة في الغرب:
هل تختار الراحة المؤسسية أم الضمير؟
ويرى هؤلاء أن استعادة الصوت النبوي تتطلب:
في النهاية، سيحكم التاريخ على الكنائس الغربية—ليس بحجم مبانيها أو قوتها المالية—بل بالشجاعة التي أبدتها عندما كان الصمت أسهل.


تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!