ملح الأرض – ليث حبش

في عالمٍ يموج بالتحدّيات الإنسانيّة والاجتماعيّة، تبرز مبادرات استثنائيّة تحمل في جوهرها رسالة رحمةٍ وحبٍّ وعطاءٍ، تسعى إلى ترميم ما أفسدته قسوة الحياة في الأردن، حيث تتقاطع قصص الأمل مع جهود العطاء، تنبثق مبادرات تضيء الطّريق للمُحتاجين، تُحارب الظّلم، وتُعزِّزُ التّماسُك المُجتمعيّ من شبكة “طاليثا كوم” الّتي تُكافح الاتجار بالبشر وتُعيد الأمل للنّاجين، إلى “خدمة العائلة” الّتي تسعى لبناء أُسرٍ قويّةٍ ومُستقرّةٍ، وصولًا إلى “مبادرة الكرمة” الّتي تمدُّ يد العون للعائلات المحتاجة، نرصُد حكاياتٍ مُلهمةٍ لأشخاصٍ نذروا حياتهم ليكونوا صوتًا للضعفاء وسندًا للمُحتاجين، فلنقترّب أكثر من هذه الجهود الرّائدة، نستمعُ إلى صُنّاع التّغيير، ونكتشف كيف يمكن لمبادرةٍ صغيرةٍ أنْ تُحدث أثرًا يمتدُّ لأجيال.

شبكة “طاليثا كوم” في الأردن… جهود رائدة لمكافحة الاتجار بالبشر

في لقاءٍ خاصٍّ مع موقع “ملح الأرض“، تحدَّثت الرّاهبة سسيليا حجازين، مُمثِّلةً شبكة “طاليثا كوم” في الأردن، عن الجهود المبذولة لمُكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر، والّتي تُعدُّ من أخطر التحدّيات الإنسانيّة. وأوضحَتِ الأخت سسيليا أنَّ الشّعار الّذي يعتمده كلّ من “طاليثا كوم” ومبادرة “ينابيع الأمل” في الأردن يتمثَّل في اليد الّتي ترمز ليد السّيّد المسيح الّتي مَدّها قائلًا للصّبية “قومي”، مشيرةً إلى أنَّ الرّاهبات في الشّبكة يتّبعن نفس الرّسالة ويقُلن “كفى للاتجار بالبشر، قومي وقفِ على قدميكِ وتابعي حياتَكِ” وأضافَتْ أنَّ الهدفَ هو احتضان الجميع والعمل على استعادة كرامة الإنسان وحُرّيته.

الشّبكة تأسَّسَتْ عالميًّا عام 2009 في روما بمبادرةٍ من الاتّحاد الدّوليّ للرّؤساء العامين للرّهبانيّات، وتضمُّ أكثر من 6000 راهبة كاثوليكيّة وحليفة وصديقة تعمل على دعم الضحايا والنّاجين. وقد بارك قداسة البابا المُبادرة، والّتي تهدفُ إلى تعزيز الوعي بالقضيّة، توفير الدّعم للضّحايا، ومكافحة الظّاهرة من خلال برامج توعويّة وتدريبيّة كما أشارَتْ حجازين إلى أنَّ المُبادرة تستندُ إلى القيم المسيحيّة القائمة على الرّحمة والتّضامن، وتسعى إلى بناء عالم أكثر عدالة يحفظ كرامة الإنسان.

أمّا على مستوى الأردن، فقد تمَّ تأسيس “مبادرة ينابيع الأمل” عام 2015 كجزء من شبكة “طاليثا كوم” العالميّة، لتعمل على نشر الوعي بقضيّة الاتجار بالبشر والحدّ من انتشارها وفي عام 2020، انبثقَتْ عنها مُبادرة “سُفراء الأمل”، الّتي أطلقَتْ مُسابقات توعويّة بين المدارس والرّعايا، شملَتْ مجالات متنوِّعة مثل إنتاج مقاطع الفيديو، كتابة المقالات باللُّغتين العربيّة والإنجليزيّة، الرّسم، الشِّعر، وتأليف القصص حول الظّاهرة وأوضحَتِ الأخت سسيليا أنَّ الهدف الرّئيسيّ من هذه الأنشطة هو غرس الوعي بين الشّباب وتعزيز دورهم في مكافحة الاتجار بالبشر من خلال الإبداع والتّعبير الفنّيّ.

وأكَّدَتْ حجازين لـ ملح الأرض أنَّ “سُفراء الأمل” شهدَتْ تخريج دفعاتٍ مُتتاليةٍ من الشّباب الواعين بالقضيّة، حيثُ جرى تخريج الفوج الأوّل في الأردن بين عامي 2022-2023 تحتَ رعاية البطريرك فؤاد الطوال، بينما تمَّ تخريج الفوج الثّاني في 2023-2024 برعاية سفير الفاتيكان في الأردن ومن المُقرَّر أنْ يحظى الفوج الثّالث في 2024-2025 برعاية المُطران جوفاني بيترو دل توزو، سفير الفاتيكان في الأردن. وأشارَتْ إلى أنَّ الأردن يُعدُّ الدّولة الثّانية عالميًّا بعد إندونيسيا الّتي تأسَّسَتْ فيها مُبادرة “سُفراء الأمل” ضمن المدارس والرّعايا، ممّا يعكسُ التزام المجتمع الأردنيّ بمواجهة هذه الظّاهرة الخطيرة وتعزيز الوعي حولها.

“خدمة العائلة”…رسالة حُبٍّ وعطاءٍ تبني الأجيال وتدعمُ الأُسر المسيحيّة

في لقاءٍ خاصٍّ مع موقع “ملح الأرض“، تحدَّث بسّام وباسكال الحلو عن رحلتهما في تأسيس “خدمة العائلة”، الّتي بدأتْ عام 1999 كمجموعاتٍ بيتيّةٍ صغيرةٍ للنّقاش والتأمُّل حول التحدّيات الأسريّة، قبل أنْ تتطوّر إلى هيئةٍ خاصّةٍ عام 2008 تمتدُّ اليوم إلى دول الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا بسّام، الحاصل على شهادة في الهندسة المدنيّة، وباسكال، المُتخصّصة في المُحاسبة، كرّسا حياتهما لخدمة العائلات عبر برامج تدريبيّة وجلسات مشورة، معتمدين أسلوب الحوار والمُشاركة الفعّالة بدلًا من التّلقين التّقليدي، ممّا جعل رسالتهما تصل بوضوحٍ إلى مختلف المُجتمعات.

وساهم الثّنائي في تأليف العديد من الكُتب الّتي أصبحَتْ مراجع أساسيّة للأزواج والمُقبلين على الزّواج، مثل “بناء الزّواج على الصّخر” و”اختيار شريك الحياة”، إلى جانب إنتاج مواد إعلاميّة وبرامج تلفزيونيّة موجّهة للأُسر المسيحيّة لم تقتصِرْ جهودهما على التّأليف، بل توسَّعَتْ لتشملْ مُحاضرات وورش عمل داخل الأردن وخارجه، حيثُ يُسافران إلى أوروبا وأمريكا وكندا والدّول العربيّة، لنشر ثقافة أُسريّة قائمة على أُسس قويّة من التّفاهم والمحبّة.

يؤمن بسام وباسكال بأنَّ العائلة هي نواة المُجتمع، وكُلّما كانت قويّة انعكس ذلك على الأجيال القادمة، لذا يدعوان العائلات إلى مُتابعة مُبادرتهما عبر موقع “خدمة العائلة” والمنصّات الرّقميّة، للاستفادة من البرامج التوعويّة والدّورات التّدريبيّة برسالتهما القائمة على الحُبّ والعطاء، يسعيان إلى إحداث تغيّير إيجابيّ ومُستدام في حياة الأُسر العربيّة، ليكون لكلّ بيت دعامة قويّة تضمن له الاستقرار والنّمو السّليم.

_{الكرمة…جهود مستمرّة لخدمة المُجتمع المسيحيّ في الأردن}

في لقاءٍ خاصٍّ مع موقع “ملح الأرض“، تحدَّث د. غيث قسوس، أحد مُؤسّسي “مبادرة الكرمة” الخيريّة، عن بدايات المُبادرة وتطوُّراتها على مدار السّنوات. وأوضح أنَّ المُبادرة انطلقَتْ في 2019، بعد أنْ اجتمع مجموعة من الشّباب الّذين تخرّجوا من مدرسةٍ واحدةٍ في منطقة الأشرفيّة وقال: “قرّرنا أنْ نركِّزَ بشكلٍ خاصٍّ على خدمة المُجتمع المسيحيّ، حيث كانَتِ العائلات المسيحيّة تُشكِّل 95% من مستفيدينا، مع تقديم المُساعدة للمسلمين بشكلٍ محدودٍ” وأضافَ أنَّ المُبادرة بدأتْ بمساعداتٍ بسيطةٍ تشمل توزيع الطرود الغذائيّة، ولكن مع بداية جائحة كورونا، توسَّعت بشكلٍ ملحوظٍ بفضل التبرُّعات المتزايدة من الأقارب والأصدقاء.

كما أشار د. قسوس لـ ملح الأرض إلى حرص “مبادرة الكرمة” على التأكُّد من وصول المُساعدات إلى العائلات المُحتاجة، حيثُ يتمُّ إجراء زيارات ميدانيّة للتأكُّد من الوضع الفعليّ لكلّ عائلة وتحدَّث عن المشاريع الّتي نفّذتها المُبادرة خلال السّنوات الماضية، مثل توزيع الهدايا للأطفال في عيد الميلاد وعيد الفصح، بالإضافة إلى تنظيم حملات لتوزيع الأدوية والملابس الشتويّة وأوضح أنَّ المُبادرة قامَتْ أيضًا بجمع الكُتب المدرسيّة القديمة لتوزيعها على الطُّلّاب المُحتاجين.

ختامًا، أكَّد د. قسوس أنَّ المُبادرة استمرَّت في تقديم الدّعم رغم التحدّيات والصّعوبات الّتي واجهتها، مُشيرًا إلى أهمّيّة توحيد جهود المُبادرات المسيحيّة في الأردن لتجنُّب تكرار المُساعدات وضمان وصولها إلى أكبر عددٍ من النّاس وأضاف أنَّ المُبادرة تعمل بجد للحفاظ على قاعدة بيانات دقيقة، ممّا يُعزِّز من فاعليّة عملهم.