Skip to content
Skip to content

رسالة بطرس منصور في وداع المدرسة المعمدانيّة في النّاصرة

تاريخ النشر: أكتوبر 20, 2025 4:45 م
بطرس منصور- السكرنير العام للتحالف الإنجيلي العالمي

بطرس منصور- السكرنير العام للتحالف الإنجيلي العالمي

المحامي بطرس منصور*

رحلةٌ أوشكَتْ على الانتهاء.

لطالما كان للمدرسة المعمدانيّة في النّاصرة مكانةً خاصّةً في قلبي. فأمّي الرّاحلة إفلين غريّب منصور درسَتْ فيها وتخرَّجَتْ منها في الفوج الأوّل عام 1955، ثمَّ عملَتْ فيها كمعلّمةٍ للصّفِّ الأوّل. عندما وُلِدْتُ كانت أمّي مُعلِّمةً في المدرسة، لكنّي لم أنضمَّ لصفِّ البُستان في المدرسة لأنَّ عائلتي انتقلَتْ للعيش خارج النّاصرة. وعندما عدنا إليها انضمَمْتُ للصفِّ الثّالث ورحَّبَ بي المدير آنذاك طيّب الذِّكر الأستاذ أميل نصير.

بطرس منصور إلى يمين والده في ساحة المدرسة مع أخته سمر وأخيه بدر، من تصوير صحفيٍّ أمريكيٍّ جاء خصيصًا من القدس

لذا كان من الطَّبيعيّ أنْ ندرس أنا وإخوتي بدر وسمر فيها ونتخرَّج منها. فيها تشكَّلَتْ مبادؤنا وصُقِلَتْ شخصيّاتُنا وهويّاتُنا الرُّوحيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة، إضافةً لاكتسابنا العلم والمعرفة. وكان من الطَّبيعيّ أيضًا أنْ يدرس فيها ويتخرج منها كلُّ أولادنا. قبل عامٍ ونيّف تخرَّج آخر العنقود من أحفاد أمّي -المُعلّمة إفلين: الشابّ المحبوب سامي، ابن أخي. لاحقًا عملَتْ فيها زوجتي ورفيقة دربي عبير كمُستشارةٍ تربويّةٍ وتقاعدت تقاعدًا مُبكِّرًا العام الماضي، كما عَمِلَ والدها الأستاذ الرَّاحل نسيب عودة كمعلِّمٍ للُّغة العربيّة وشقيقتها المربّية ليديا شاهين الّتي تستمرُّ في عملها المُخلِص في المدرسة حتّى اليوم.

في عام 1993 وبعدما حصلتُ على إجازة المُحاماة، دعاني طيّب الذِّكر أستاذي المُدير العامّ للمدرسة آنذاك الأستاذ فؤاد حدّاد أنْ انضمَّ لمجلس الأمناء المحلّيّ الجديد، الّذي تشكَّلَ لقيادة المدرسة ورسم سياستها وتوجيهها بعدما انسحبَتِ الإرساليّة المعمدانيّة الأمريكيّة من ذلك. وفعلًا انضممتُ للمجلس وخدمتُ فيه متطوِّعًا كأصغر الأعضاء إلى جانب طيبي الذِّكر البروفيسور جورج قنازع والأستاذ عيسى سابا والأستاذ فؤاد نفسه، إضافةً للدُّكتور سامي دبيني أطال الله عمره.

في عام 2002، عرض عليّ مجلس الأمناء أنْ أترك عملي كمحامٍ واستلم الإدارة العامّة للمدرسة، خلفًا للأستاذ فؤاد الّذي أوشك على التّقاعد والانتقال الآن إلى رئاسة مجلس الأُمناء. فعلًا، قبلتُ العرض وبدأتُ في دوري ذلك عام 2003، وكان أوّلُ فوجٍ اشتركتُ في تخريجه هو الفوج الخمسين (في عامٍ عملتُ فيه مُتدرِّبًا لسنةٍ واحدةٍ إلى جانب الأستاذ فؤاد) قبل أنْ استلم الموقع بشكلٍ كاملٍ عام 2004.

صورة بطرس في حفل التَّخرُّج من الثّانوية

كان لافتًا أنَّني انضمُّ إلى طاقمٍ رائعٍ يشمل بعض المُعلِّمين الّذين كانوا أساتذةً لي وآخرين من طُلّاب المدرسة في فترة دراستي وآخرين. لكنَّ اللّافت من ناحيتي هو وجود خمسةٍ من زملاء دراستي كطالبٍ فيها من خرّيجي عام 1983 بين أعضاء الطّاقم: المُربيّات ليزا شحادة وشروق اسبنيولي ورُلى خوري وأيضًا الأساتذة إياد حنّا وعماد حدّاد- وهو رقمٌ قياسيٌّ لطلَّاب صفٍّ واحدٍ يُعملِّون في المدرسة- ممّا يُشير لمحبّتنا الخاصّة ومودّتنا لهذا المكان الّذي اعتبرتُه مع كثيرين آخرين عائلةً أو لِنَقُل بيتنا الثّاني.

واكبتُ ورافقتُ خلال السّنين خمسة مُدراءَ أكفاء للمدرسة- بين مُدراء المرحلة الثّانويّة والابتدائيّة بعدما تمَّ فصل المرحلتين في برنامج عوز ليتمورا. وعملَتْ مع رئيسين مُتمكِّنين لمجلس الأمناء.

سعيتُ بعون الرّبّ وبالتَّعاون مع الزُّملاء حسبما منحني الله قوّةً وقدرةً لتقدُّم ورقيّ المدرسة في نَواحٍ شتّى.

بُطرس منصور

فقد ساهمتُ مع زملائي في تكوين شبكةٍ وجمعيّةٍ قويّةٍ للدَّعم الماليّ للمدرسة في خارج البلاد وبالذّات في أمريكا، وعلى تشكيل لجنة أصدقاء وخرّيجين جديدةٍ وتقوية لجنة الأهالي الحاليّة وتفعيلها. كما عملَتْ على تثبيت وضع المؤسَّسة الماليّ عن طريق اتّخاذ خطواتٍ كانَتْ صعبةً ومؤلمةً. كما نقلنا مٌلكيّة عقار المدرسة من الإرساليّة الأجنبيّة إلى الجمعيّة المحليّة المالكة للمدرسة والمسؤولة عنها. كما سعيتُ بقدر الإمكان لتحسين بيئتها الفيزيائيّة رغم ضيق المكان وازدحامه. واكبتُ على تمثيل المدرسة المعمدانيّة، كما المدارس الكنسيّة الأُخرى، أمام الوزارات الحكوميّة ضمن دوري في الأمانة العامّة للمدارس الكنسيّة. وأكَّدتُ خلال السّنين على أهمّيّة تفعيل برامج المدرسة الرُّوحيّة المُتعدِّدة وتحديثها، ودأبتُ على العلاقات العامّة القويّة للمدرسة أمام الجمهور، إضافةً لكشف طُلّابها ومُعلّميها على بلاد أُخرى من خلال بعثاتٍ إلى الولايات المُتّحدة وكندا وانجلترا وإسبانيا وتايوان واليونان. كما دعمتُ العمل الأكاديميّ والاجتماعيّ للمُدراء وحاولتُ تجميع الطّاقم وتثبيت انسجامه ووحدته.

نجحتُ في نواحٍ مُعيّنةٍ ولم أفلح في أخرى. شهدنا نجاحاتٍ إلى جانب أزماتٍ خارجيّةٍ وداخليّة. في نهاية الأمر. رغم كلِّ شيء، كان هذا الموسم بمجمله موسمًا غزيرًا بأمطار بركةٍ وشمسٍ لطيفةٍ ناعمةٍ قضيتُ أحسن سنين حياتي فيه.

بكلِّ محبّةٍ وامتنانٍ للرّبِّ، أقف لأقول: “إلى هُنا أعاننا الرَّبُّ”.

فبدون قوّته وعنايته وحمايته وقيادته، يكون عملنا باطلًا.

يأتي هذا الموسم إلى ختامه في نهاية هذا الأسبوع. ينتهي موسمٌ مُميزٌ ومُعتبرٌ في حياتي، بقدر 22 عامًا وشهرين كمديرٍ عامٍّ ومديرٍ تنفيذيٍّ في المدرسة المعمدانيّة سبقها عشرةُ أعوامٍ في مجلس الأمناء، وعشرةُ أعوامٍ كطالبٍ فيها. سأنتقل رأسًا بعدها إلى موسمٍ جديدٍ في خدمة الكنيسة العالميّة ضمن دوري كسكرتيرٍ عامٍّ للاتّحاد الإنجيليّ العالميّ.

والآن أتركُ المدرسة المعمدانيّة وأستودعُ زملائي جميعًا وبالذّات المُديرتين الكفؤتين آن حداد وربى كردوش، والقائمين على المدرسة في مجلس الأمناء بقيادة المُهندس ناجد عزام، في حماية الرّبِّ وعنايته.

أصبو إلى ذلك اليوم، بعد عدّة سنين، الّذي أحضر فيه صباحًا إلى المدرسة مع حفيدي بُطرس فأسير مُمسكًا يده في ساحة المدرسة، وأُلقي التّحيّة على المُعلّمين المُناوبين مُتأمِّلًا أنْ يتذكَّروني فيفخر حفيدي بجدِّه المعروف، فنتَّجه والزهو حليفنا إلى صفّ البُستان. بإذن الرّبّ سيكون ولي العهد بطرس جونيور أوّل مُتابعي هذا الإرث المُبارك في هذا المكان الّذي يملأ مكانًا دافئًا في قلب عائلتنا.

أتعهَّدُ أن تكون المدرسة في صلواتي بشكلٍ دائمٍ فاضرع للعليّ أن تستمرَّ في مسيرتها المُباركة..

إلى اللِّقاء.

المحامي بطرس منصور – المدير التّنفيذيّ السّابق للمدرسة المعمدانيّة في النّاصرة، سيتمُّ تعيينه رسميًّا الأسبوع القادم كسكرتيرٍ عامٍّ للتّحالُف الإنجيليّ في كوريا.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment