Skip to content

رسالة الميلاد: حياة الأبرياء تهم 

رابط المقال: https://milhilard.org/cbve
تاريخ النشر: ديسمبر 28, 2023 10:46 ص
مجلة عرب نيوز السعودية تنشر مقال للاب مجدي السرياني

مجلة عرب نيوز السعودية تنشر مقال للاب مجدي السرياني

رابط المقال: https://milhilard.org/cbve

الأب مجدي السرياني

مقال نشر في صحيفة عرب نيوز. المقال الأصلي بالإنجليزي هنا

لقد كانت خدمتي الكهنوتية في الأراضي المقدسة امتيازًا وفخرًا. وأعتز بالعمل مع المجتمع الفلسطيني على امتداده والذي أسماه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني “أم الكنائس”.  لقد كانت هذه الأرض المقدسة دائما فخورة بدورها في تمثيل ولادة المسيح والمسيحية. لكن هذا العام مختلف، مختلف إلى حد كبير. ساحة المهد غير مضاءة هذا العام. بيت لحم لا ترنم أناشيدها وآلاف الحجاج لا يملؤون شوارعها وكنائسها. وبدلاً من ذلك، كل ما نسمعه من نواح امهات خلّدها الكتاب المقدس: “راحيل تبكي على أولادها. ولا تستطيع أن تتعزى لأن أولادها ليسوا بموجودين”.

من الغريب، إلى حد لا يصدق، كيف أن قصة الميلاد اليوم تشبه قصة الميلاد قبل ألفي عندما لم يجد يوسف ومريم بيتًا يأوون إليه وعندما اضطرا للهروب واللجوء إلى مصر لتجنب دموية هيرودس.

إن ما يحدث اليوم في غزة يضعنا جميعا أمام اختبار أخلاقي وإيماني، سواء كأفراد أو مجتمعات أو دول.

وبدلاً من شجرة الميلاد والمغارة، هناك أمام إحدى الكنائس في بيت لحم طفل رضيع بين الأنقاض هو صورة كل طفل انتشل من إنقاذ غزة. أمهات يركضن بهلع مع أطفالهن إلى مستقبل مجهول، هن صورة مريم وهي هاربه مع الطفل يسوع، نرى في عيونهن عيني مريم، وفي وجوه الأطفال وجه يسوع.وأمام هذه الحرب المروعة على الأبرياء المثيرة للاشمئزاز لا توجد أية إمكانية لان نفرح بالميلاد.


كان السابع من تشرين الأول (أكتوبر) جحيم أفلت من عقاله. أفكارنا وصلواتنا لا يسعها إلا أن تنعي الأرواح البريئة من كلا الجانبين، التي تعرضت للوحشية والقتل. ونتذكر، في صلاة نصف الليل، أن الدماء البريئة تُسفك في الحزن والبؤس، فصلاتنا هي صلاة النبي إشعياء: “يا شعاع النور الأبدي، يا شمس العدل، هلمي أنري الجالسين في الظلمة”. وظل الموت.”
إن البوصلة الأخلاقية لفهم هذا الجحيم لا يمكن إلا أن تكون فلسطين ومن خلال منظور 75 عاماً من المنفى والاحتلال العسكري، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، الضحايا الحقيقيون لهذه الوحشية المطلقة على الجانبين هم المدنيون الأبرياء. كل واحد منهم هو روح عزيزة ومحبوبة عند الله وعند شخص ما.

إن عدم الاستقرار والافتقار إلى كل الجوانب الحياتية المطلوبة – الوظائف والتعليم والخدمات الصحية، هو السبب الحقيقي لهذه الهجرة. ودورنا في غزة كما ذكر الانجيل هو أن نكون ملح الأرض بين شعبنا


قُتل وجُرح عشرات الآلاف، وتشرد مئات الآلاف وأصبحوا لاجئين للمرة الثالثة أو الرابعة في حياتهم؛ غزة كما عرفناها لم تعد موجودة، الجوع والعطش، الخسارة والحزن – لا يحتاج أحد منا إلى الانتظار حتى اليوم التالي للحرب ليقوم بشيء ما.
وفي نفس الوقت، نشهد التغطية الإعلامية المتواطئة وغير النزيهة والتي تفشل كل يوم في تسليط ولو قليل من ضوء على حقيقة ما يجري لأولئك الأبرياء
في أحسن الأحوال، نجد تعليقًا غير رسمي حول تلك الكوارث. إن اندلاع العنف الوحشي المميت هو نتيجة عقود من الظلم والإهمال. ولا يمكن تحقيق أي سلام لكلا الجانبين إلا من خلال العدالة التي حددتها وفصلتها مرارا وتكرارا العشرات من قرارات الأمم المتحدة.


إن معاداة السامية والابرثيد والعنصرية والعديد من القضايا الأخلاقية الأخرى تكون نظام القيم الدولي. نأمل أن يكون لفلسطين، مرورا بغزة، مكانها بين هذه القيم الاخلاقية التي تكون النظام الاخلاق الدولي. إن ما يحدث اليوم في غزة يضعنا جميعا أمام اختبار أخلاقي وإيماني، سواء كأفراد أو مجتمعات أو دول.
لقد تم إسكات إعلان مجد الله في السماء والسلام على الأرض بوحشية، وكل ما نسمعه وعويل أمهات غزة يودعنا أطفالهن الذي أصبحوا هدفًا لهذا العدوان الشيطاني غير المسبوق.
في غزة، هناك ثلاث كنائس والعديد من المدارس والمشاريع الإنسانية الكنسية، مسيحيونا ومؤسساتنا يصارعون حاليًا من أجل وجودهم وسط الهجوم الهمجي غير المبرر الذي لم يسلم منه أحد.


المسيحيون الفلسطينيون، تلك الفئة الصغيرة، دمرها الحرب وهم دون شك الى هجرة جماعية، وعلينا ان نعترف ان الاوضاع المزرية التي أنتجها احتلال متوحش هو الذي يحرم السكان المحليين، المسلمين والمسيحيين على حد سواء، من أي استقرار سياسي وهو الذي يسبب هذا النزوح الجماعي.
إن عدم الاستقرار والافتقار إلى كل الجوانب الحياتية المطلوبة – الوظائف والتعليم والخدمات الصحية، سمها ما شئت – هو السبب الحقيقي لهذه الهجرة. ودورنا في غزة كما ذكر الانجيل هو أن نكون ملح الأرض بين شعبنا.


قبل تولي وظيفتي الحالية، كرئيس لمحاكم الاستئناف الكنسية اللاتينية في القدس والأردن، رافقت بعض مرات زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات وفريق المفاوضات إلى اجتماعات محلية ودولية مختلفة. وذات مرة في غزة شاركت البطريرك اللاتيني ميشيل صباح والمطران الانغليكاني رياح أبو العسل في مهمة مصالحة مع مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين. حينها كرر الشيخ احمد موجهًا كلامه إلينا، ما كنا نعرفه عن ظهر قلب عن عمق العلاقات بين المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين. وأشاد بالخدمات العامة للمسيحيين، وأكد على أهمية تعزيز الوجود المسيحي الفلسطيني في فلسطين. لكن العبارة التي مازالت تتردد في ذهني منذ ذلك الحين هي: “عليكم أن تكونوا جسراً بين الفلسطينيين والعالم الغربي”.


ونحن في موسم الميلاد المقدس، نحزن على أولئك الذين فقدوا أرواحهم وممتلكاتهم حيثما كانوا، ونصلي من أجل شفاء المصابين في أجسادهم، لكننا نؤمن أن ما نحتاجه أكثر هو شفاء القلوب ومن دمرتهم آلة الحرب العدوانية نفسيا.

  • رئيس لمحاكم الاستئناف الكنسية اللاتينية في القدس والأردن، حاصل على دكتوراه في القانون المدني والكنسي من جامعة اللاتيران البابوية وقد كانت اطروحته حول مدينة القدس في القانوني الدولي. كما وحصل على شهادة دكتوراه فخرية من جامعة جانون الامريكية على أساس خدامته الإنسانية في فلسطين.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content