
السابق القس فادي دياب: “صمت مجمع الكنيسة الانجليكانية بشأن غزة يرقى إلى التواطؤ”
ملح الأرض– داود كُتّاب
أثارت دعوة الوزير الفلسطيني الأسبق مازن سنقرط إلى رفع الصوت المسيحي الفلسطيني في واشنطن ردود فعل متباينة. فقد توجه سنقرط في رسالة إلى “الإخوة المسيحيين في فلسطين”، مستعرضًا دورهم التاريخي، وقال: “ستبقى هذه الأرض مقدسة لجميع أبنائها، مسلمين ومسيحيين على حد سواء. ونؤمن بأن هذا الصوت، إذا ارتفع من واشنطن وعواصم الغرب المسيحي، محمولًا بوجع الأرض المقدسة ومن خلال خطاب سياسي ديني وإنساني، فسيجد بلا ريب آذانًا صاغية وقلوبًا مفتوحة تستشعر قدسية الأرض التي مشى عليها السيد المسيح”.
فقد رحّب المطران منيب يونان، مطران الكنيسة اللوثرية الأسبق، بهذه المبادرة، وقال لموقع “ملح الأرض“: “نحن العرب الفلسطينيون المسيحيون مكون أصيل من نسيج مجتمعنا. لقد لعبنا دورًا نبويًا في الماضي ولا نزال نقوم بهذا الدور حيثما وُجدنا، حتى يتحقق السلام العادل، ويحصل شعبنا على حريته من الاحتلال، ويبلغ حلمه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”.
أما الناشط المسيحي عمر حرامي، مدير مؤسسة السبيل للاهوت التحريري، فقد عبر من خلال ملح الأرض بالقول : “الكلام جميل، لكن البيت الأبيض لا يعرف العدالة ولا المساواة. سواء ذهبنا مسلمين أو مسيحيين، فهم يروننا عربًا فلسطينيين، لا تُغيّر ديانتنا من نظرتهم لنا. نحن لا ننتظر منهم اعترافًا بهويتنا. الأماكن المقدسة لا تقتصر على الكنائس؛ فجيراننا مقدسون، وإخواننا مقدسون. أهم ما نملكه هو مبادئنا وأخلاقنا. لا نشتكي من الظلم؛ نحن نقاومه. إذا كانت المبادرة تحمل غاية واضحة وفائدة ملموسة، فأنا أؤيدها، بشرط أن نمضي معًا، كفلسطينيين، لا كمسلمين أو مسيحيين”.
من جانبه، قال ديمتري دلياني، رئيس التجمع الوطني المسيحي، ل ملح الأرض إن رسالة الوزير سنقرط “تجسّد روح الانتماء الوطني”، وتعبّر عن “إدراك عميق بأن وحدة المصير لا تُبنى على العقيدة، بل على الوعي الوطني”. وأضاف: “رغم انطلاق الدعوة من سياق ديني، فإنها تنتمي إلى جوهر الهوية الفلسطينية الجامعة التي ترى في التنوع مصدر قوة حضارية. هذا الطرح يُعيد الاعتبار للخطاب الإنساني الفلسطيني في المحافل الدولية، بعدما شهد تراجعًا كبيرًا في ظل النظام السياسي القائم. كما يعيد إبراز الدور التاريخي للمسيحيين الفلسطينيين كشركاء أساسيين في النضال وركيزة من ركائز التحرر الوطني”.
في حين علقت الصحفية المقدسية هند شريدة، على دعوة سنقرط في منشور وعلى صفحته، مؤكدة تفهمها “لنيته الطيبة ورسالة التضامن”، لكنها أبدت تحفظات. وقالت: “هناك بعض المغالطات في تشخيص الواقع، أو في فهم سبل المواجهة. العلاقة بين المسلمين والمسيحيين لم تبدأ مع العهدة العمرية فقط، بل تعود إلى عمق التاريخ؛ إلى ورقة بن نوفل، واستضافة النجاشي للمهاجرين، ويوحنا الدمشقي ووالده الذي كان وزيرًا في الدولة الأموية. لقد بُنيت قبة الصخرة في عهدهم المجيد، وهي جزء من انتمائنا المشترك كفلسطينيين”. وعن قول سنقرط إن الإدارة الأمريكية “حساسة تجاه المسيحيين”، عقبت شريدة بالقول: “هذا الادعاء غير دقيق. طاقم ترامب كان من رموز المسيحية الصهيونية، وهي بدعة سياسية لا تمت بصلة لمسيحيتنا المشرقية. أمريكا لا تهتم إلا بمصالحها، وتوظّف الدين كأداة لسياساتها. والدليل القاطع هو شطب جبهة النصرة من قوائم الإرهاب، ووضع مؤسسة الضمير الفلسطينية على هذه القوائم، إلى جانب العقوبات على المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز، لمجرد دفاعها عن حقوق الفلسطينيين”.
وأضافت: “ما يقوم به رجال الدين الفلسطينيون من أمثال القس منذر إسحق، والدكتور متري الراهب، والبطريرك ميشيل صبّاح، والمطران عطا الله حنا، هو الرد الحقيقي على هذه السرديات الزائفة. لقد قدموا شهادات تاريخية، ساعدت محكمة العدل الدولية في توصيف جريمة الإبادة في غزة. كما أسهمت وثيقة ‘وقفة حق’ الصادرة عن ‘كايروس فلسطين’ في توصيف إسرائيل كدولة فصل عنصري، ما دفع كنائس حول العالم لسحب استثماراتها منها”.
وتابعت شريدة: “ما أثار استيائي هو دعوتك الأخيرة: ‘لا أطالبكم بالتضامن فقط’، وكأنك تفترض أن الفلسطينيين المسيحيين خارج سياق النضال. نحن لا نُدعى للتضامن، بل نحن في قلب هذا النضال منذ البداية. السيد المسيح، الفدائي الأول، فلسطيني الأصل والانتماء. وجودنا متجذر في هذه الأرض، والتاريخ يشهد على تضحياتنا. نحن لا نتضامن، بل نقاوم ونضحي ونقدم لفلسطين من صلب إيماننا ووطنيتنا”. وختمت شريدة بالقول: “أدعوك للاستماع إلى الصوت المسيحي الوطني المقاوِم، لا التابع أو المدعو. نحن هنا، في الخندق ذاته، شركاء في النضال، لا ضيوفًا عليه”.
أما الناشط طارق صوص، فعلّق بدوره على منشور سنقرط وعلى صفحته قائلًا: “تحياتي للأخ الكبير أبو أيمن، ما تفضلت به مهم، لكن لا أتفق معك بأن الحكومة الأمريكية ستصغي لمطالب رجال الدين المسيحي. هذه الحكومة لا يحركها سوى مصالحها. الادعاء بأنها متعاطفة مع المسيحيين الفلسطينيين ضرب من الخيال. هي نفسها ساهمت في تفريغ الأرض المقدسة من المسيحيين، وصمتت على الانتهاكات بحق مقدساتهم ورجال دينهم. هذه السياسات لا تمت بصلة للمسيحية التي نعرفها”.
النص الكامل لرسالة المهندس مازن سنقرط من موقع صفحته على فيسبوك
رسالة إلى الإخوة المسيحيين في فلسطين
منذ دخول الإسلام إلى فلسطين في القرن السابع الميلادي، وأمانة الحفاظ على الأماكن الدينية المسيحية في عهدة المسلمين، فقد أعطي المسيحيون عهودا بالأمان كما جاء في العهدة العمرية ابتداء، ومرورا بالعهود التالية، حيث عاش المسلمون والمسيحيون في العهد العثماني جنبا إلى جنب في إطار نظام كفل الحماية والكرامة للجميع، نظام نبع من رؤيا إستراتيجية أصيلة هي وحدة المصير والعيش المشترك.
لقد شارك المسيحيون الفلسطينيون في مختلف جوانب الحياة الفلسطينية على مر العصور، وكان لهم دور بارز في النهضة الثقافية والتعليمية، كما شارك المكون المسيحي في فلسطين فعليا في النضال الوطني بأشكال نضالية مختلفة ضد الاحتلال البريطاني، ومن ثم ضد الاحتلال الإسرائيلي. رغم ما يشكله المكون المسيحي في فلسطين من نسبة صغيرة من الديمغرافيا الفلسطينية، ولقد غلب على الانخراط المسيحي في النضال الوطني الشكل النخبوي، الفكري والإعلامي والسياسي، وتمثل في معارضة كل محاولات استغلال الدين والديمغرافيا لبث الفرقة والخلاف، ووقف صداً منيعاً أمام محاولات (إسرائيل) عزل المسيحيين عن السياق الوطني الفلسطيني من خلال إغراءات لا حصر لها، فالوجود المسيحي الفلسطيني كان وما زال يشكل جزءا أصيلا من الحركة الوطنية، وإن تنوعت أدواره وأشكال حضوره.
لقد عانت قضيتنا الفلسطينية من التجاهل والتشويه والتسيس ما لا تحتمله الجبال الراسيات، وغيبت ونسيت في ساحات الإعلام والسياسة الدولية أمدا طويلا، وكان على رأس المتجاهلين، الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تكيل بمكيالين، لكننا نؤمن أن العيش ضيق جدا لولا فسحة الأمل، وأن في كل مسار مغلق يوجد فتحة يمكن النفاذ منها إذا توفرت الإرادة والنية الصادقة.
ومن المُلاحظ أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد أظهرت حساسية خاصة اتجاه القيم الدينية، وارتباطا وجدانيا مع الرموز والمقدسات المسيحية، ولعل أبرز الإدارات الأمريكية التي بانت حساسيتها اتجاه القيم الدينية، الإدارة الحالية برئاسة “دونالد ترامب” وطاقمه الذين أبدوا بعض الممارسات والقرارات التي تؤكد أن للكنيسة شأن خاص عندهم، ومن هذا الباب نرى -في هذا الوقت بالذات- بريق فرصة حقيقية أمام مسيحيي فلسطين من البطاركة ورجال الدين والشخصيات العامة من القدس وبيت لحم والناصرة، لتحريك الضمير الأمريكي أولا والضمير المسيحي العالمي تاليا، من خلال خطوات دبلوماسية مدروسة، أهمها القيام بزيارة رسمية مدروسة إلى البيت الأبيض مرورا بالفاتيكان، تحمل صوتا فلسطينيا مسيحيا واضحا، زيارة لا تتحدث بلغة السياسة فقط، بل بلغة الروح ومنطق العدل وقيم المساواة، زيارة تذكر بأن المسيحيين يمنعون من أداء شعائرهم الدينية في كنيسة القيامة في عيد الفصح المجيد كما يمنع المسلمون من الصلاة في المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان، وتذكر بأن كنيسة القيامة وكنيسة المهد قد طال جثومهما تحت الاحتلال، وأن أجراس القيامة والمهد لا تدق بحرية، وأنهما محاصرتين كما يحاصر المسجد الأقصى المبارك، في وطن واحد، تحت واقع ظالم واحد، وإن ارتأيتم من جدوى لصدى أوسع فقد يكون وفدا مشتركا يضم بعض الشخصيات العامة من إخوانكم المسلمين.
لذلك، فإن الصوت المسيحي الفلسطيني النابع من إدراكنا العميق بالدور المسيحي الأصيل في نسيج هذا الوطن، ومن قناعتنا بأن فلسطين كانت وستبقى أرضا مقدسة لكل أبنائها، مسلمين ومسيحيين على حد سواء، نؤمن بإن هذا الصوت، من خلال خطاب سياسي ديني وإنساني، إذا ارتفع من واشنطن ومن عواصم الغرب المسيحي، محمولا بوجع الأرض المقدسة، سيجد بلا ريب آذانا صاغية وقلوبا مفتوحة تستشعر قيمة الأرض المقدسة التي مشى عليها السيد المسيح.
إنني لا أطالبكم بالتضامن فقط، بل بالريادة في هذا المسار، فأنتم تحديدا “المسيحيون الفلسطينيون” الجسر الأقوى والأمتن بين الشرق والغرب، فلنوحد الصوت، ولنحمل معا راية الحق، مسلمين ومسيحيين، ولنجعل من كل منبر في هذا العالم وسيلة لقول كلمة واحدة.. “الحرية لفلسطين، لكل أبنائها”.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!