Skip to content
Skip to content

حقوق الإنسان بحسب الإيمان المسيحي

تاريخ النشر: سبتمبر 30, 2025 4:22 م
BANNOURA111

القس بسام بنورة

القس بسام بنورة- بيت ساحور

عند الحديث عن حقوق الإنسان، فإنّ المقصود هو مجموعة من الحاجات الأساسية للإنسان، وأهمّها:

الحق في الحصول على الحاجات اليوميّة الأساسية مثل الطّعام والشّراب والّلباس والمسكن.

حق كلّ إنسان في الحياة الكريمة.

حق كل إنسان في السّفر والتّنقّل.

الحق في العقيدة وحرية اختيار المبدأ أو المذهب.

حق كل إنسان بحياة يسود فيها السّلام، والتّمتع بالشّعور بالأمن والأمان.

عند قراءة الكتاب المقدّس ودراسته بموضوعيّة، نجد أنّ الله قد أعلن عن جميع هذه الحقوق، وأعطاها لكلّ شعوب الأرض، وبدون تمييز في العرق والجنس والقوميّة واللّغة واللّون. ولكن بسبب فساد الجنس البشري الّذي نتج عن سقوط الإنسان في الخطيّة، وبالتّالي انتشار الشّر بكلّ أشكاله، وخصوصًا الظلم والاضطهاد والإستعمار، يحرم كثيرٌ من النّاس من حقوقهم الأساسيّة في هذه الحياة.

نقرأ في سفر التكوين 27:1 بأنّ الله خلق الإنسان على صورته، وهذه الحقيقة تُجَسّد أعظم حق أعطاه الله للإنسان الّذي خلقه. فكون الإنسان مخلوق على صورة الله يعني بكلّ بساطة أنّ الله قد أعطى الإنسان الحق المطلق في الاختيار وفي الحريّة وفي الحياة الأفضل.

تُنادي المسيحية بتوفير وتأمين وحق كل إنسان بالحصول على كلّ ما يحتاجه في حياته الارضيّة، وهذه لا مثيل لها في أيّة فلسفة أو عقيدة وضعيّة أو بشريّة، فقد أكّد عليها الله القدّوس في وحيه في الكتاب المقدّس.

1. حق الإنسان بالعمل وبالطعام والشّراب والّلباس: أعطى الله الخيرات الطبيعيّة لكلّ النّاس، وبالتّالي فمن حق كل إنسان أن يتمتع بخليقة الله. ولكن بسبب الشّر والأنانيّة والطّمع، ظهر الفقراء في العالم، وأصبح لدينا ظلم اجتماعي وحرمان فئات كثيرة من النّاس من التّمتع بخيرات الله الوفيرة. ولكن، لو رجع النّاس إلى الله، وتابوا عن شرورهم، لكان بمقدور كل إنسان أن يعيش بسعادة متمتعاً ببركات الله.

نقرأ في سفر إشعياء النّبي 17:1 وصيّة الله القائلة: “تَعَلَّمُوا فِعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ.” وفي إشعياء 19:1: “إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ.” أي أنّه لو شاء النّاس وسمعوا كلام الله، لأكلوا خير الأرض المعطى لهم من الله. وقال الرّب يسوع له المجد في متى 45:5 أن الله “يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ.” ونقرأ في رسالة أفسس 28:4: “لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ.”

كذلك يُعلمنا الله في الكتاب المقدس في رسالة تيموثاوس الثانية 6:2: “يَجِبُ أَنَّ الْحَرَّاثَ الَّذِي يَتْعَبُ يَشْتَرِكُ هُوَ أَوَّلًا فِي الأَثْمَارِ”. وحول العمل يقول لنا الله في رسالة تسالونيكي الأولى 11:4-12: “وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ الْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ، لِكَيْ تَسْلُكُوا بِلِيَاقَةٍ عِنْدَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، وَلاَ تَكُونَ لَكُمْ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ.” ويقول لنا في سفر أعمال الرّسل 35:4 بأن: “يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ احْتِيَاجٌ.” وفي رسالة تسالونيكي الثانية 10:3: “إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا.” ويؤكّد الله قائلًا في سفر الجامعة 9:5: “َمَنْفَعَةُ الأَرْضِ لِلْكُلِّ”. أي ليست فقط للأقوياء والأغنياء. ونقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 26:10 أهم حقيقة تتعلّق بملكيّة خيرات الأرض: “لأَنَّ لِلرَّبِّ الأَرْضَ وَمِلأَهَا”.

2. حق الإنسان في الحياة الكريمة: قال الرّب يسوع له المجد: “قَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.” (يوحنّا 10:10). الله هو إله الحياة، ولا يريد أن يموت النّاس باسم الدّين، بل يريد للنّاس الحياة الفضلى.

3. حق كل إنسان في السّفر والتّنقّل: عندما خلق الله الإنسان، خاطبه قائلًا: “أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ.” (تكوين 28:1). في هذه الوصيّة، أعطى الله للإنسان مطلق الحريّة للتّنقل في كل بقعةٍ من الكرة الأرضيّة، فبدون هذه الحريّة، لا يمكن أن تمتلأ الأرض من النّاس. وفعلًا تنقّل كل إنسان بكلّ حريّة من مكانٍ إلى آخر بحثًا عن المكان المناسب لحياته.

نقرأ في الكتاب المقدّس قصّة رحيل إبراهيم من وطنه الأصلي ما بين النّهرين، وانتقاله بكلّ حرّية شمالًا إلى أرض سوريا، ثم إلى لبنان، وبعدها إلى كنعان، ومنها جنوبًا إلى مصر، ثم عودته واستقراره في أرض فلسطين. كذلك نقرأ عن تنقّل الشعب القديم من كنعان إلى مصر، وذهاب النّبي يونان بحرّية إلى نينوى، وغيرها من القصص الّتي تبرهن على حريّة السفر والتّنقل.

نقرأ في متّى 35:9 كيف أن الرّب يسوع كان يتنقّل بحريّة هو وتلاميذه في أرض فلسطين، ولبنان وشرقي نهر الأردن، حيث :”كَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ.” وبعد صعوده إلى السّماء، انتشر تلاميذه بحرّية في كلّ العالم المعروف أيّامها للتّبشير بالإنجيل، وخصوصًا رحلات بولس الرّسول من فلسطين ألى اوروبا، وتنقله في أراضي لبنان وسوريا وآسيا الصّغرى واليونان، والسّفر بين جزر البحر المتوسّط، إلى أن انتهى به السّفر والإستقرار في روما.

استمرت حرّية التّنقل متاحة أمام النّاس حتّى ظهور ما يسمّى بالدّول القوميّة، حيث تم تقييد حريّة الحركة، وأصبح الإنسان بحاجة إلى جواز سفر وتأشيرات دخول، وظهر ما يسمّى هجرة شرعيّة وغير شرعيّة. أعود فأقول: الحرّية هبّة سماويّة دمرها أناسٌ لا يهمهم إلّا مصالحهم الأرضيّة.

4. حق الإنسان في الحريّة: نعرف أنّ الحريّة هي من أهم وأبسط حقوق الإنسان. والحريّة تشير أوّلًا إلى التحرّر من الظلم والعبوديّة وسيطرة الغير. كذلك تعني الحرّية توفير أسباب حياة كريمة لكل إنسان. نقرأ في الإنجيل المقدّس على لسان الرّب يسوع المسيح قوله: “فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً”.(يوحنّا 36:8) وإعلانه القوي عن سبب مجيئه إلى العالم: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ. أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ. لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ. وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ. وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ.” (لوقا 18:4-19).

5. حرية اختيار العقيدة: أعطى الله للإنسان الحق المطلق في اختيار الطّريق الّذي يريده، أي أن المسيحيّة تعلّم ضرورة إعطاء الإنسان الحق في اختيار العقيدة والمذهب، ولا يتم عقاب أي إنسان يختار أن يترك عقيدته أو إيمانه ليختار عقيدة أو مذهب جديد. ولا يحق للدّولة، أو الحكومة، أو جماعة دينيّة، أو حتّى شخص معيّن، أن يعاقبوا أي إنسان أو جماعة بسبب إيمانهم وعقائدهم. فلكل إنسان الحق في اختيار ما يؤمن به، فهو مسئولٌ أمام الله الّذي هو وحده ديّان العالم، وبالتّالي لا يحقّ للنّاس أن يدينوا بعضهم البعض.

نقرأ في سفر التثنية 15:30، 19 وصيّة الله القائلة: “اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلتُ اليَوْمَ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالخَيْرَ وَالمَوْتَ وَالشَّرَّ”. و “أُشْهِدُ عَليْكُمُ اليَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ. البَرَكَةَ وَاللعْنَةَ. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لِتَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ.” يريد الله من الإنسان أن يختار الحياة والخير والبركة، وألّا يختار الموت والشّر والّلعنة، ولكنّ الله لا يجبر الإنسان على الاختيار الّذي يريده. وقد أكّد الإنجيل المقدّس على حريّة إرادة الإنسان، فالله يدعو النّاس إليه، ومن يسمع يقبل إلى الله، ومن يرفض فهو حرّ باختياره. وهكذا، فالمسيحيّة ترفض القول بالقضاء والقدر، لأن فكرة القضاء والقدر تعني أن الإنسان لا يستطيع أن يختار إلّا ما يريده الله له ، وبالتّالي يصبح الإنسان مسيّرًا وغير مسئولٍ عن اختياره.

مع محبّتي: القس بسّام بنّورة

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment