السابق شاهد التعزيزات الأمنية في الأسواق وأمام الكنائس مع حلول العيد المجيد
رابط المقال: https://milhilard.org/09ve
تاريخ النشر: ديسمبر 26, 2024 4:20 م
رابط المقال: https://milhilard.org/09ve
بقلم: جوناثان كُتّاب*
في عيد الميلاد، يفكِّر العالم أجمع في مجيء أمير السّلام، وتعاليمه الجّذريّة عن اللّاعنف، وحبّ العدوّ، والسّعي إلى أساليب اللّاعنف للتّعامل مع المواقف القمعيّة والظّالمة.
إنَّ الفلسطينيّين الّذين يواجهون الإبادة الجماعيّة بعد أحداث السّابع من أكتوبر، يسألوننا بحقّ عمّا إذا كانت رسالة المسيح، وأساليب اللّاعنف لا تزال ذات صلةٍ بنا في وضعنا الحاليّ. وإجابتي هي نعم واضحة لا تقبل الجّدل. لا يزال اللّاعنف هو أفضل طريقة لمواجهة شرور القمع والاحتلال والفصل العنصريّ وحتّى الإبادة الجماعيّة.
ولكن لفهم هذا، نحتاج إلى إدراك أنَّ اللّاعنف ليسَ طريقةً سهلةً أو جبانةً أو مجّانيّةً. ويبدأ الأمر بفهم أنَّ الفلسطينيّين لديهم الحقّ، بموجب القانون الدّوليّ، في المقاومة، وحتّى استخدام المقاومة المُسلّحة، ولكن يمكنهم اختيار اللّاعنف باعتباره الطّريقة الأكثر فعاليّة والأفضل. يبدأ الأمر أيضًا بفهمٍ صحيحٍ أنَّ اللّاعنف لا يعني الخضوع للقمع أو التّسوية أو السّلبيّة. قال المهاتما غاندي ذات يومٍ أنَّه إذا كانَتْ خياراته الوحيدة هي العنف أو الخضوع للقمع، فإنَّه سيختار العنف. وبدلاً من ذلك، دعا إلى برنامج مبدئيّ للمقاومة المنظّمة الّتي لا هوادة فيها، والّتي لم تتضمّن قتل البريطانيّين، بل حركةً واسعةَ النّطاق شاملةً من العصيان المدنيّ وعدم التّعاون والمقاطعة، والّتي جعلتِ الهند في النّهاية غير قابلةٍ للحكم، وأجبرَتْ بريطانيا على منحهم الاستقلال.
في حين أنَّ كلّ موقفٍ مختلفٍ، قد لا تكون الإرادة والموارد اللّازمة لحملةٍ لاعنفيّةٍ متاحةً دائمًا بسهولةٍ، إلّا أنَّ هناك مجموعةً واسعةً من الخيارات اللّاعنفيّة المتاحة للفلسطينيّين.
نشرت منظّمة اللّاعنف الدّوليّة باللّغتين الإنجليزيّة والعربيّة ولغاتٍ أخرى، كتالوجًا لأكثر من 300 طريقة وتكتيك. لقد استخدم الفلسطينيّون العديد من هذه الأساليب، بدرجاتٍ متفاوتةٍ من الالتزام والمثابرة: الإضرابات التّجاريّة، والمقاطعات، ومقاطعة إسرائيل، والإضراب عن الطّعام، وآليّات الحكم البديلة، والمظاهرات، والاستئناف إلى المحاكم الدّوليّة، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، والصّمود العنيد، وغيرها الكثير.
في الواقع، يمكن القول أنَّه نظرًا للطّبيعة العسكريّة للغاية للمجتمع الإسرائيليّ، وقوّته التّدميريّة الهائلة، فإنَّ العنف ليسَ خيارًا متاحًا للفلسطينيّين الّذين بالكاد يتوقّعون أنْ يتفوّقوا على الجيش الإسرائيليّ بالعنف. من ناحيةٍ أخرى، في حين يصعُب توقّعُ أنْ يحقِّقَ العنف أهدافه للفلسطينيّين، فإنَّ اللّاعنف له مزايا واضحة. نظرًا لأنَّ الفلسطينيّين ولا الإسرائيليّين يمكنهم القضاء على بعضهم البعض، فإنَّ كلّ مجموعةٍ تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الدّعم الخارجيّ، وبالتّالي فهي عرضةٌ جدًّا لأساليب النّضال الّتي تقلِّلُ أو تتحدّى مثل هذا الدّعم المستمرّ. يمكن للّاعنف أنْ يُقلِّلَ من دعم العدوان الإسرائيليّ من القِوى الخارجيّة، بينما يزرع بذور وإمكانيّات التّعايش المشترك، وهو أمرٌ يصعبُ التّفكير فيه مع المقاومة المُسلّحة الّتي تؤدّي إلى الغضب والرّغبة في الانتقام والأعمال العدائيّة طويلة الأمد.
إنَّ جمال رسالة المسيح الرّافضة للعنف، هو أنَّها تدعونا إلى التّفكير في مشاكلنا بطريقةٍ مختلفةٍ جذريًّا، وبدلًا من التّفكير في تدمير أعدائنا، فإنَّها تدعونا إلى التّفكير في حلولٍ حيث لم يعد أعداؤنا. قد يبدو الأمر مثاليًّا ورؤيويًّا لبعض النّاس، لكنّه بالتّأكيد رؤيةً أكثر جاذبيّةً لمستقبلٍ أفضلٍ للجميع. لقد فشل العنف في منطقتنا حتّى الآن: لم يُنتِجْ تحريرًا للفلسطينيّين أو أمنًا للإسرائيليّين. رُبّما حان الوقت لكليهما للنّظر في رسالة المسيح اللّاعنف.
- المحامي جوناثان كُتّاب هو المدير التّنفيذيّ لأصدقاء سبيل في أمريكا الشّماليّة (فوسنا). وهو محامٍ فلسطينيٍّ ودوليٍّ، ومؤسّسٌ مشاركٌ لمركز الحقّ لحقوق الإنسان في رام الله.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.