Skip to content

ثقافة الفشل: عندما يتحوَّل النّجاح إلى مصدر للغيرة والإحباط

رابط المقال: https://milhilard.org/iqi0
تاريخ النشر: فبراير 18, 2025 3:43 م
الكاتبة بسمة السمعان

الكاتبة بسمة السمعان

رابط المقال: https://milhilard.org/iqi0

الكاتبة: الدّكتورة باسمة السّمعان

عن موقع نورسات- الأردن

في عالمنا اليوم، أصبح من المُلاحظ أنَّ بعض الأشخاص لا يستطيعون تقبُّل نجاح الآخرين، بل يشعرون بالاستياء والحقد عندما يرون شخصًا آخر يتقدَّم أو يُحقّق إنجازات. هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يُعبِّرون عن مشاعرهم السّلبيّة من خلال إحباط معنويّات الآخرين، وتوجيه الانتقادات اللّاذعة، ورُبّما محاولة التّقليل من قيمة ما يحقّقه الآخرون. وللأسف، هذه الظّاهرة أصبحَتْ منتشرةً بشكلٍ متزايدٍ في مجتمعاتنا، حيث يتمنّى البعض الفشل للآخرين بدلًا من دعمهم.

عند حدوث أيّ إخفاق للشّخص الّذي سبق أن تمَّ استهدافه بالتّحقير، نرى هؤلاء الأشخاص يعودون ليلتمّوا حول “الضّحيّة” بحجّة الاهتمام والرّعاية، وكأنَّهم أصدقاء حقيقيّون. يتظاهرون بالعطف والقلق، لكن في الواقع، هم لا يفعلون ذلك بدافع من الحُبّ الصّادق، بل من رغبتهم في إظهار التفوّق أو حتّى تحقيق راحة ضمير زائفة. هذه التّصرُّفات تحمل في طيّاتها نوايا خفيّة تهدف إلى تعزيز إحساسهم بالسّيطرة على حياة الآخرين.


النّجاح ليس له حدود، ودعم الآخرين والعمل على تحقيق تقدُّم جماعيّ هو ما يؤدّي إلى رفعة المُجتمع


تزداد هذه الظّاهرة بشكلٍ خاصٍّ في بيئات العمل أو بين الأفراد الّذين يتنافسون في مجالات مُعيّنة. الغيرة والحسد هما المُحرِّكان الرّئيسيّان لهذه السّلوكيّات السّلبيّة الّتي تضرُّ بالأشخاص المُتضرّرين. وإذا لم يتمّْ مواجهتها وتوجيهها بشكلٍ صحيح، قد تؤدّي إلى تدمير الرّوح المعنويّة للفرد، وتجعله ينعزل عن محيطه.

في الكتاب المُقدّس، نجد العديد من الأمثلة الّتي تتحدَّث عن مشاعر الغيرة، الحسد، والإحباط، وكيف يمكن أن تؤثِّر على العلاقات بين النّاس.
1. قصّة قايين وهابيل (سفر التكوين 4: 3-8):
. هذه القصّة تُظهِر كيف يمكن أنْ تؤدّي مشاعر الغيرة والحسد إلى العنف والدّمار.

2. قصّة يوسف وإخوته (سفر التكوين 37 )

يوسف كان محبوبًا من والده يعقوب، ممّا جعل إخوته يحسدونه. أظهروا مشاعر الحسد تجاهه بسبب معاملة والده الخاصّة له، وكذلك بسبب رؤياه الّتي تنبّأت بتفوِّقه عليهم. هذا الحسد دفعهم إلى أن يُلقوا به في بئر ثمَّ يبيعوه كعبد. القصّة تُظهر كيف أنَّ الحسد يمكن أنْ يؤدّي إلى اتّخاذ قرارات مؤذية ومُدمّرة.

3. شاول وداود (1 صموئيل 18: 6-9):
بعد أنْ هزم داود جليات، بدأ النّاس يغنّون له أكثر من الملك شاول، ممّا أثار غيرة شاول. شعر شاول بأنَّ داود يُمثِّل تهديدًا لعرشه، فبدأ يُحاول التّخلُّص منه. رغم أنَّ داود كان يعامله بلطف، إلّا أنَّ شاول استمرّ في محاولة إلحاق الأذى به بسبب مشاعر الغيرة والحسد.


4. مثل العمّال في الكرم (إنجيل متى 20: 1-16):
في هذا المثل، يروي يسوع عن صاحب كرم استأجر عُمّالًا في الصّباح، ثمَّ استمرَّ في استئجار آخرين في وقتٍ لاحقٍ من اليوم، وعندما جاء وقت الدّفع، أعطى الجميع نفس الأجر. العمّال الّذين عملوا أوّلًا شعروا بالغيرة لأنَّهم اعتقدوا أنَّهم سيحصلون على أجرٍ أكبر. لكنَّ صاحب الكرم ردّ عليهم قائلًا إنَّه عمل معهم بإنصاف. هذا المثل يعكس كيف يمكن أن تظهر مشاعر الغيرة عندما يشعر النّاس بأنَّ الآخرين يحصلون على ما لا يستحقّون.

هناك الكثير من الأمثلة في الكتاب المُقدَّس وتظهر كيف يُمكن أنْ تؤدّي هذه المشاعر إلى النّزاع، العنف، والتّدمير إذا لم يتمّْ التّعامُل معها بحكمة.
في النّهاية، من المُهمّ أنْ نتذكَّر أنَّ النّجاح ليسَ له حدود، وأنَّ دعم الآخرين والعمل على تحقيق تقدُّم جماعيّ هو ما يؤدّي إلى رفعة المجتمع. علينا أنْ نتخلَّص من مشاعر الحقد والغيرة ونُعزِّز التّعاون والتّفاؤل بدلًا من تثبيط العزائم وتمنّي الفشل للآخرين.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

Skip to content