
السابق The Final Cry: “My God, My God, Why Have You Forsaken Us?”
ملح الأرض – ليث حبش
أدان بطاركةُ ورؤساءُ الكنائس في القدس بشدّةٍ سلسلة الاعتداءات المُتكرِّرة الّتي تتعرَّضُ لها بلدة الطيبة المسيحيّة في رام الله -الضفّة الغربيّة، مُعتبرين ما يجري “حملة ترهيبٍ مُمنهجةٍ” تستهدف بلدةً مُسالِمةً مُتجذِّرةً في الأرض المُقدّسة. جاء ذلك في بيانٍ رسميٍّ صدر عنهم يوم الثلاثاء، عبَّروا فيه عن قلقِهم العميق من تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليّين ضدَّ الأهالي، ومؤكِّدين أنَّ هذه الانتهاكات لم تعُدْ مُجرَّد حوادث فرديّة، بل تندرجُ ضمنَ نمطٍ واسعٍ من الاعتداءاتِ المُنظّمةِ الّتي تطال الفلسطينيّين ومُقدّساتهم.
وجاء في البيان: “الاعتداءات الّتي شهدتْها بلدة الطيبة مؤخَّرًا، بما في ذلك إحراق المركبات وكتابة عبارات الكراهيّة على الجدران، واقتحام البلدة من قبل مُسلَّحين ومستوطنين على ظهور الخيل، تُمثِّل انتهاكًا صارخًا لقُدسيّة الحياة اليوميّة في هذه البلدة المسيحيّة العريقة، إنَّ ألسنة النّيران امتدَّتْ حتّى جُدران الكنيسة التّاريخيّة في الطيبة، شاهدًا إضافيًّا على استهداف الوجود المسيحيّ المُتجذِّر في الأرض المُقدّسة.”
ووجّه رؤساء الكنائس انتقاداتٍ حادّةٍ للبيانات الرَّسميّة الإسرائيليّة الّتي حاولَتِ التّقليل من حجم الحدث، واصفين الخطاب الرّسميَّ بـ”المُقتضب والمشوِّه للحقيقة”، مُشيرين إلى أنَّ هذه التّصريحات تتغاضى عن الأبعاد الإنسانيّة والرّوحيّة العميقة للانتهاكات، وتتناقضُ مع الالتزامات الدّوليّة لإسرائيل كقوّة احتلال.
وقال المطران عطا الله حنّا لـ ملح الأرض: “أعتقد أنَّ التّعاون بين كافّة الكنائس المسيحيّة في الدّفاع عن الحضور المسيحيّ في هذه الأرض المُقدّسة أمرٌ في غاية الأهمّيّة، يجب أنْ يُسمع صوت الكنائس المُنادي بالعدالة، بوقف الظُّلم، وإنهاء المُمارسات العنصريّة الّتي تستهدف الفلسطينيّين، مسيحيّين ومُسلمين على حدٍّ سواء”.
وأشار المطران حنّا إلى أنَّ ما جرى في الطيبة “ليسَ حادثًا عابرًا”، بل “هجومٌ منظَّمٌ على قريةٍ فلسطينيّةٍ مسيحيّةٍ، تمَّ فيه التعدّي على الكنيسة والمقبرة والمواطنين الآمنين ومُمتلكاتهم، وهو استهدافٌ واضحٌ للحضور المسيحيّ، وكأنَّ الرّسالة الموجَّهة لأهالي الطيبة هي: “احزموا أمتعتكم وارحلوا.”
لكنَّه شدّد في المقابل على أنَّ “المسيحيّين في الطيبة وكلِّ الأرض المُقدّسة باقون، مُتشبِّثون بانتمائهم وجذورهم، ولن تُرهبهم هذه الأفعال.”
وحذّر المطران من أنَّ المسؤوليّة لا تقع فقط على المستوطنين وحكومة الاحتلال، بل أيضًا على الأطراف الدّوليّة الدّاعمة للصَّمت: “هناك أطرافٌ في العالم تغضُّ الطَّرفَ عن جرائم الاحتلال، سواء في غزّة أو الضفّة أو القدس، أو حتّى ضدَّ المسيحيّين أنفسهم. هذا التواطؤ هو الّذي يسمح بتمادي هذه الجرائم، وآن الأوان لكلمة حقٍّ تصدر من كلِّ مكانٍ.”
وفي ختام حديثه، دعا المُطران عطا الله حنّا إلى تنسيقٍ مسيحيٍّ عالميٍّ من أجل إيصال صوت الكنائس إلى كلِّ أرجاء العالم، قائلًا: “رُبّما، إذا وصلَتْ رسائلنا إلى الضمير العالميّ، يمكن أنْ يكون هناك صدى لهذه المواقف وأنْ تتوقَّف هذه الأفعال الشّريرة الّتي يقوم بها المستوطنون، برعايةٍ وتشجيعٍ من سُلطات الاحتلال.”
من جهته، اعتبر المُطران اللّوثريّ مُنيب يونان، أحدُ الشّخصيّات الكنسيّة المُوقِّعة على البيان لـ ملح الأرض، أنَّ هذا الموقف “يُمثِّل صوتَ الحقِّ في وجه تعدّياتِ المُستوطنين في الطيبة وفي مناطق أُخرى مثل دير مالك” وأضافَ: “هذا الصَّوتُ النّبيلُ يجب أن يسمعه العالم، ويجب تقديم المُعتدين للعدالة، حتّى لا تتكرَّرَ هذه الاعتداءات السّافرة”.
وفي السّياق ذاته، ثمَّنَ ديمتري دلياني، رئيس التجمُّع الوطنيّ المسيحيّ في الأراضي المُقدّسة، البيان الصَّادر عن الكنائس، مُعتبرًا إيّاه “موقفًا إنسانيًّا ووطنيًّا يُجسِّدُ ضميرًا حيًّا مُتجذِّرًا في قُدسيّة الأرض”.
وقال دلياني في تصريحٍ صحفيٍّ لـ ملح الأرض “الاعتداءات على الطيبة ليسَتْ مُجرَّد أعمالٍ تخريبيّةٍ، بل تأتي ضمن سياسةٍ إسرائيليّةٍ مُمنهجةٍ تستهدف اقتلاع الوجود الفلسطينيّ وتهشيم نسيجه الوطنيّ والاجتماعيّ. إحراق المركبات، كتابة عبارات الكراهية، اقتحام البلدة من قِبَلِ عصاباتٍ مُسلّحةٍ، وتدنيس الكنائس والمقابر ليسَتْ أضرارًا ماديّةً فحسب، بل جرائمُ تطهيرٍ عرقيٍّ تقودها منظومةٌ استعماريّةٌ عنصريّةٌ”.
وحمّل دلياني قادة الحكومة الإسرائيليّة، بمن فيهم الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسائيل سموتريتش، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مسؤوليّة هذا التّصعيد، واصفًا إيّاهم بـ”مجرمي حربٍ، يقودون مشروعًا استيطانيًّا يقوم على الإبادة الثّقافيّة وتفكيك المُجتمع الفلسطينيّ”.
وختم دلياني بالقول: “الدّفاع عن الطيبة ليسَ فقط مسؤوليّةَ أهلِها، بل هو واجبٌ وطنيٌّ جامعٌ، في وجه المشروع الإباديّ الّذي يستهدف حقّنا في الوجود والبقاء على أرضنا بكرامةٍ وحُرّيّةٍ”.
مطالبٌ واضحةٌ من الحكومة الإسرائيليّة
وأشار البيان كذلك إلى الحملة التّضليليّة الّتي تقودها مجموعاتٌ مرتبطةٌ بالمُستوطنين الإسرائيليّين، في أعقاب الزّيارات الدّبلوماسيّة إلى البلدة، واعتبرها محاولةً لتشويه صورة الضحايا، وتبرئة المُعتدين من جرائمهم، من خلال تزييف الوقائع والنّيل من شرعيّة التّضامن الدّوليّ مع الضحايا.
ودعا بطاركةُ ورؤساءُ الكنائس الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ خطواتٍ عاجلةٍ تتضمَّنُ محاسبة الجُّناة دون تأخيرٍ؛ توفير الحماية الفاعلة والمُستدامة لأهالي الطيبة وسائر المناطق المُستهدفة؛ الوفاء بالتزاماتها القانونيّة الدّوليّة وضمان المُساواة أمام القانون. كما وجَّه البيان شُكرًا خاصًّا للبعثات الدّبلوماسيّة الّتي زارَتِ البلدة وعبّرَتْ عن تضامنها، مُعتبرًا حضورها “رسالةَ أملٍ ودعمٍ معنويٍّ كبيرٍ في مواجهة سياسة التّرهيب المُتواصلة”.
اقرأ البيان هنا
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!