
السابق الاحتفال في كنيسة المغطس بالسيامة الأسقفيّة للمطران الجديد إياد أكرم الطوال- صور
ملح الأرض – ليث حبش
تشهد الكنائس الشرقية يوم الاثنين المقبل انطلاق الصوم الأربعيني المقدّس، فيما تبدأ الكنائس الغربية الصيام يوم الأربعاء، في رحلة روحية تمتد حتى الاحتفال بعيد القيامة المجيد في 20 نيسان/أبريل المقبل، أحد الفصح ويتزامن هذا الموسم الروحي مع بدء المسلمين صيام شهر رمضان المبارك، ما يعكس مشهداً فريداً من التآخي الديني والتلاحم الاجتماعي ، حيث تتلاقى القلوب في العبادة والتقوى، ويعيش الجميع أجواء الإيمان والروحانية.
الصيام.. رحلة روحية عميقة
يُعد الصوم الأربعيني من أهم الفترات الروحية في الديانة المسيحية، حيث يتذكر المؤمنون خلاله آلام السيد المسيح وتضحياته، ويكرسون هذه الفترة للتأمّل والصلاة والامتناع عن الأطعمة الحيوانية، كنوع من التقشف والتقرب إلى الله كما أن المسلمين مع بداية شهر رمضان، يعيشون أجواءً مشابهة من الطاعة والصلاة، فيتجنبون الطعام والشراب من الفجر حتى غروب الشمس، ويكثرون من العبادات وأعمال الخير.
الأب فيلبوس إبراهيم: الصيام زمن للتجدد الروحي وتعزيز المحبة
وفي لقاء خاص لـ “ملح الأرض“، تحدّث الأب فيلبوس إبراهيم كاهن رعيّة الروم الأرثوذوكس الزرقاء عن الأهمية الروحية للصيام، وأوجه التلاقي بين الصوم الأربعيني المسيحي وصيام رمضان الإسلامي، قائلاً: “الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو زمنٌ للعودة إلى الله والتأمّل في معاني الإيمان العميقة، إنه وقت للتجدّد الروحي والتقشّف، يُساعد الإنسان على التحكّم في رغباته والاقتراب أكثر من الله. فكما صام السيد المسيح أربعين يوماً في البرية، نصوم نحن لنعيش معاني التضحية والمحبة والغفران”.
وأشار الأب فيلبوس في حديث لـ ملح الأرض إلى أن الصوم يعزّز قيم المحبة والتسامح، مضيفاً: “في بلدنا الحبيب، يتشارك المسلمون والمسيحيون مشاعر التقوى خلال هذا الموسم الروحيّ، حيث يحرص الجميع على تهنئة بعضهم البعض واحترام العادات الدينية المختلفة. نرى في رمضان وجبات الإفطار الجماعية التي تجمع المسلمين والمسيحيين، كما نرى في الصوم الأربعيني دعوات للسلام والتقارب هذه الأجواء تعكس الروح الحقيقية لوطننا، حيث المحبة والتآخي يتجاوزان الحدود الدينية”.
وأضاف: الصوم أيضاً يدعونا إلى التأمّل في حياتنا الروحية، فنحن لا نصوم فقط عن الطعام، بل نصوم عن الغضب، والكراهية، وكل ما يبعدنا عن الله وعن الإنسان الصيام الحقيقي هو أن نفتح قلوبنا للمحبة، وأن نمد يد العون لمن يحتاج.
التآخي الديني.. صورة مضيئة لوحدتنا الوطنية
وكان وزير الاتصال الحكومي محمد المومني قد نشر تغريدة عبر منصات التواصل الاجتماعي قال فيها : شهر آذار مختلف هذا العام؛ حيث يحلّ علينا شهر #رمضان_المبارك حاملاً البركات، ويبدأ الإخوة والأخوات المسيحيون صيام #عيد_الفصح أيضا خلال أيام، في تزامنٍ يذكرنا بقيم الإيمان والتسامح والأخوّة التي يعتز #الأردن بها. فلنجعل من هذه الأيام المباركة فرصة لنشر الخير، وتعزيز المحبة والتكافل في مجتمعنا.
ويعيش بلدنا الحبيب حالة فريدة من التعايش الديني، حيث يجتمع المسلمون والمسيحيون على أرض واحدة، ويشاركون بعضهم البعض في أفراحهم ومناسباتهم الدينية. ومع حلول الصوم الأربعيني ورمضان معًا هذا العام، تبرز صورة جميلة للوحدة الوطنية، حيث نرى مظاهر المحبة والاحترام المتبادل بين أبناء المجتمع.
في العديد من المدن والقرى، يحرص المسلمون على تهنئة المسيحيين ببداية الصوم الأربعيني، كما يبادلهم المسيحيون التهاني بحلول شهر رمضان وكما يشارك المسلمون في الاحتفالات بعيد الفصح، يشارك المسيحيون أيضاً في الإفطارات الرمضانية، في مشهد يعكس التلاحم الحقيقي بين أبناء الوطن الواحد.
إلى جانب كونه تجربة روحية، يُعد الصيام أيضاً فرصة لتعزيز قيم الإحسان ومساعدة المحتاجين، حيث تكثر المبادرات الخيرية في هذه الفترة ففي رمضان، نجد موائد الرحمن التي تقدم الطعام للصائمين من جميع الخلفيات، وفي الصوم الأربعيني، تزداد الأعمال الخيرية والمساعدات للفقراء، في تجسيد عملي لقيم المحبة والتكافل الاجتماعي.
ومع اقتراب عيد الفصح المجيد وعيد الفطر المبارك، تعم أجواء الفرح والاحتفال في جميع أنحاء البلاد، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء لتبادل التهاني، في صورة تعكس أبهى معاني الوحدة والتآخي التي تميز بلدنا الحبيب.
ختامًا، يبقى الصيام، سواء في المسيحية أو الإسلام، فرصة للتأمل، والتقرب إلى الله، وتعزيز القيم الإنسانية وبينما يمضي المؤمنون في مسيرتهم الروحية خلال هذا الزمن المبارك، يظل التآخي والمحبة هما العنوان الأبرز في مجتمعنا، ليؤكدوا أن الإيمان الحقيقي لا يفرق بين الأديان، بل يجمع القلوب في رحاب المحبة والسلام.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!