
السابق “خططٌ استراتيجيّةٌ واضحةٌ والنّهوضُ بالسّياحةِ الدّينيّةِ المسيحيّةِ والدّاخليّة” أهم مطالب وزير السّياحة الجديد
مترجم من مقال بالانجليزي صدر 6 آب2025 في Christianity Today
بقلم بطرس منصور- الناصرة
سِر في شوارع الناصرة، البلد الشّهيرة بكونها بلد المسيح، وستطغى على حواسك رائحة القمامة. على طول الشّوارع، تتراكم أكوام القمامة عاليًا في كلِّ زاويةٍ؛ لم يعد بوسع البلديّة أنْ تدفع لشاحنات نقل النّفايات. أغلقَتْ محلّات بيع الهدايا التذكاريّة الّتي تبيع قلائد الصُّلبان ونقوشًا خشبيّةً لمشهد ميلاد الرّبّ يسوع أبوابها، وشوارع البلدة القديمة في النّاصرة فارغةٌ حيث أنَّ حرب إسرائيل- حماس قد أوقفَتْ تدفُّق السيّاح المسيحيّين إلى المدينة.
في الماضي استخدم السُّكّان المسيحيّين شعار “تعال وانظر” لتحفيز من هم في الخارج أنْ يزوروا المدينة، مُعتمدين على جواب فيلبُّس لأخيه نثنائيل حين سأله الأخير ” أمن النّاصرة يمكن أن يكون شيءٌ صالح؟” في يوحنّا 1: 46.
اليوم يتردَّدُ كثيرون من أن يشاهد آخرون المدينة في وضعها الحالي.
لقد انهار اقتصاد المدينة إذ حطَّمَتِ الحرب فرع السّياحة. ولقد تفشَّت عصابات الإجرام في المدينة، وتُعاني السُّلطة البلديّة من عجزٍ هائلٍ.
لقد قاد ارتفاع الإجرام في السنين الأخيرة إلى انتقال الكثير من سُكّان المدينة وبضمنهم مسيحيّون كثيرون إلى المدينة اليهوديّة المحاذية نوف هجليل (الّتي سُمّيتْ سابقًا “الناصرة العُليا”) والّتي تستلم دعمًا حكوميًا سخيًّا (المدن ذات الأغلبيّة العربيّة مثل النّاصرة تُعاني من مستوى معيشةٍأوطأ وتستلم دعمًا حكوميًّا أقل من المدن ذات الغالبيّة اليهوديّة). آخرون ينتقلون إلى حيفا، وهي مدينةٌ مختلطةٌ عربيّةٌ – يهوديّةٌ وذات عدد مسيحيّين كبيرٍ.
“النّاس في النّاصرة تعبوا نفسيًّا من الضُّغوطات”، يقول عازر عجاج رئيس كلّيّة النّاصرة الإنجيليّة وراعي الكنيسة المعمدانيّة المحلّيّة في النّاصرة. الهيئات المسيحيّة تواجه أيضًا ضرائب عالية. لكن عجاج وباقي المسيحيّين في الناصرة يشعرون بدعوة للاستمرار بالخدمة ولطلب الانتعاش في المدينة الّتي اسمها الرّبّ يومًا بلده.
تقع النّاصرة في شمال إسرائيل، وهي أكبر مدينة عربيّة في إسرائيل وأيضًا أكثر مدينة مسيحيّة في البلاد عددًا، إذ أنَّ رُبِع سُكّانها البالغ عددهم 80800 هم من المسيحيّين.
لعقودٍ كثيرةٍ، اعتبِرت النّاصرة عاصمة العرب في إسرائيل وتمتَّعَتْ بأسواق مزدهرة، ونظام تعليم مدرسيّ جيّد، عدّة مُستشفيات مسيحيّة ومواقع جذّابة لجولات الأراضي المُقدّسة. مئات آلاف السيّاح المسيحيّين يزورون كنيسة البشارة للّاتين الّتي تشمل آثار مُفترضة لبيت العائلة المُقدّسة؛ كنيسة المجمع حيثُ يُعتقد أنَّ يسوع قرأ من سفر إشعياء حسبما هو مدوّن في لوقا 4 وقرية الناصرة وهي نموذج مشابه النّاصرة حسبما كانت في القرن الأوّل.
لكن في السّنوات الأخيرة شهد المُجتمع العربيّ ارتفاعًا في الإجرام، ممّا حصد حياة أكثر من 150 شخصًا حتّى الآن هذا العام. هذا يشمل حرب عصابات إضافةً لأعضاء عصابات يطلقون النّار على أصحاب محلّات تجاريّة ممَّن يرفضون دفع أموال الخاوة حيث وجد بحث من معهد تاوب أنَّ مُعدّل القتل في المجتمع العربيّ الإسرائيليّ هو الثّالث بين كلِّ البلدان النّامية في العالم.
يلوم كثيرون وزير الأمن القومي من اليمين المتطرِّف إيتمار بن غفير على عدم وضع حدٍّ للعُنف المستشري بين العرب في إسرائيل. وكان بن غفير قد أطلق في الماضي تصريحات مُناهضة للعرب وبضمنها قوله عام 2023 أنَّ حقّه في الحياة يتغلَّب على حقِّ الفلسطينيّين في السفر بحرّيّة في الضفّة الغربيّة.
أشار القسّ نزار توما، راعي كنيسة النّاصري في النّاصرة، أنَّ أحد أعضاء كنيسته والّذي عمل مقاولًا للبناء نزح عن البلد بعدما طلبتْ منه عصابة إجراميّة دفع الخاوة وإلّا ستلحق الضرر بمعدّات عمله. ويسعى المقاول للانتقال للولايات المتحدّة مع عائلته. إنّها ثاني عائلة تترك في السّنة الأخيرة، وهي خسارة فادحة لكنيسته الّتي يبلغ عدد أعضائها 150 شخصًا.
في الوقت الحالي، ومنذ أنْ وصل رئيس البلديّة علي سلّام لمنصبه في 2014، زاد العجز المالي للبلديّة حتّى وصل 300 مليون شيكل (88 مليون دولار أمريكي) نظرًا لسوء الإدارة والفساد وسوء التصرُّف حسبما يقول شريف زعبي، رئيس المعارضة في المجلس البلدي. إنّه يقول أنَّ كثير من الأقسام في البلديّة تفتقر للمدراء ووضعت البلديّة العشرات من النّاس على لائحة مُستلمي المعاشات مع أنّهم يجلسون في بيوتهم أو يعملون في أماكن أخرى.
ودون وجود الأموال، فإنَّ دفع الرواتب لموظّفي البلديّة، وبضمنهم لسائقي شاحنات النّفايات وحرّاس الأمن، توقَّف في شباط، ومن هنا تراكمت أكوام القمامة على جانبي الطريق. وقام السُّكّان إمّا باستئجار شاحنات خاصّة لنقل النفايات أو حرقوا زبالتهم في ساحاتهم الخلفيّة.
كنتيجةٍ لذلك، قام وزير الدّاخليّة الإسرائيليّ بإقالة رئيس البلديّة المُنتخب للنّاصرة وحلّ المجلس البلدي في حزيران وقام بتعيين لجنة مُعيّنة من موظّفي حكومة يترأسها يعقوب افراتي، وهو موظّف حكومة يهوديّ مُتقاعد خدم سابقًا كمدير عامّ لبلديّة القدس.
ولكي تملأ خزينة البلديّة الخاوية، فقد طالبَتِ اللّجنة المُعيّنة من السُّكّان في المدينة ومن المحلّات والمشاريع التجاريّة وحتّى من المُستشفيات والمدارس المسيحيّة دفع ضرائب مرتفعة. سابقًا، كانت المؤسَّسات الدّينيّة مُعفاة من الضرائب. وتقول إحدى المدارس المسيحيّة أنَّه يتوجَّب عليها أن تدفع حوالي 250 ألف دولار أمريكيّ سنويًّا، بينما أورد مستشفى مسيحيّ أنَّ ضرائبه، الّتي تشمل دفعات بأثر رجعي، لآخر سبعة سنين، تصل للملايين. ستهدِّدُ هذه الضرائب وجود هذه المؤسَّسات. وقامت عدّة مدارس كاثوليكيّة بتقديم التماسات للقضاء ضدَّ اللّجنة المُعيّنة.
”إنَّ المحاولة الحاليّة لبلديّة الناصرة بأنْ تفرض ضرائب بلديّة على المدارس المسيحيّة الّتي لطالما تمتَّعَتْ بإعفاء ضريبي هو أمرٌ يُثر القلق البالغ ”، حسبما قال للمسيحيّة اليوم السّيّد فريد جبران المدير العام لسكرتارية الأمانة العامّة للمدارس المسيحيّة في إسرائيل. “إنَّ هذه الخطوة تقوّض أساس التّعليم المسيحيّ في المدينة. إنَّ هذه المدارس ليسَتْ مُعفاة قانونيًّا فحسب؛ ولكنَّها حيويّة لهويّة النّاصرة ومُستقبلها بينما تخدم آلاف الطلَّاب عبر المُجتمعات”.
وكان توما قد استلم اخطارًا أنَّ على كنيسته دفع الضرائب. وحين تواصل مع محاسب اللّجنة في البلديّة، طلب المحاسب من توما أن يقدِّم الدّليل أنَّ كنيسته هي مكان عبادة على الرغم من كون الكنيسة موجودة في المدينة منذ أكثر من قرن.
إضافةً لذلك، حيث أنَّ النّاصرة تقع في شمال إسرائيل، فقد كانَتْ هدفًا لصواريخ في أيلول وتشرين أوّل الأخيرين حين اشتدَّ القتال بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. ولاحقًا في منتصف حزيران، وحين هاجمت إسرائيل إيران، خشى سُكّان النّاصرة مُجدَّدًا من ردِّ الفعل، وشرعوا يركضون إلى الملاجئ والغرف الآمنة عند أصوات صفّارات الإنذار.
“إنَّ سماع صفّارات الإنذار، الأصوات المدوية للانفجارات ومعرفة أنَّك لا تستطيع التحكم في الوضع جعلني أشعر بنوعٍ من الخوف”، حسبما يقول عجاج. “لكن هذا الخوف نفسه جعلني اتَّكلّ على الرّبّ بالإيمان، وأن أتذكّر أنَّ الله هو فوق الكلّ وأنّه لن تسقط شعرة واحدة من رؤوسنا دون إذنٍ منه”.
لقد قادَتِ الحرب إلى نزوح أكثر وأكثر من النصراويين إلى الخارج، وكانَتِ اليونان وقبرص وجهات سكّانيّة. وقال نازحٌ عربيٌّ مسيحيٌّ إلى قبرص ل-هآرتس أنَّ حوالي 800 عائلة أخرى قد انتقلَتْ إلى قبرص، حيث بنوا لأنفسهم حياةً جديدةً بإدارة بيوتٍ للإيجار للسيّاح أو تكوين شركات مُقاولات بناء أو تأسيس مصانع أو افتتاح مطاعم.
لكنَّ المسيحيّون الباقون في النّاصرة يستمرّون في الخدمة. ويذكر عجاج أنَّه منذ بداية الحرب، فإنَّ صفوف كلّيّته قد انتقلت بشكلٍ كاملٍ للتّعليم الافتراضي. وينضمُّ الآن طلّاب محلّيّا ومن أرجاء العالم للمحاضرات. “نسمع الصفّارات ويترك الطلّاب الشاشات ويسرعون مع عائلاتهم إلى الغرف الآمنة”، حسبما يشير عجاج.
“كثير من طلّابنا هم رعاة كنائس بأنفسهم وهم يحملون المسؤوليّات الرعويّة تجاه رعاياهم، وأصبح عمل محاضري الكلّيّة هو منح التشجيع لهؤلاء الطلّاب/ رعاة الكنائس”، حسبما أضاف.
ويقول توما، إنَّ بينما رعاية كنيسة خلال وقت الحرب هو أمرٌ صعبٌ، لكنّه يرى أنَّ مُشاركة رجاء يسوع لأجل بلده هو بمثابة ضرورة مُلحّة. إنَّه يُشجع أعضاء الكنائس أن يبقوا في النّاصرة وأن يستمرّوا في السير في حياة الإيمان من خلال زيارة أعضاء الكنيسة والسُّكّان المحلّيّين، إضافةً لتقديم كوبونات طعام للمحتاجين.
“لقد تعلّمتُ كيف أجلس عند أرجل السيّد وأن أستلم العزاء والقوّة منه، لكي استمرّ في السير”، يقول توما. “أتأمَّل أن أقدر أن أجعل آخرين يقومون بالأمر ذاته”.
وقامت خدمة النّساء في الكنيسة الّتي يرعاها عجاج باجتماع صلاة لكلِّ النّساء المسيحيّات في المدينة يوم عيد البشارة في 25 آذار، والمعروف محلّيًّا بأنَّه “عيد النّاصرة”. وركّزوا على الآية من إرميا 29: 7:” واطلبوا سلام المدينة الّتي سبيتكم إليها وصلّوا لأجلها إلى الرَّبّ لأنَّه بسلامها يكون لكم سلام”.
ورغم الصّعاب والتحدّيات يسود لدى العديد من سكّان النّاصرة تفاؤل حَذِر بوجود اللّجنة المُعيّنة الجديدة الّتي تدير البلديّة.
“أؤمن أنَّه في وقته، سيأتي الرَّبّ بترميمٍ وانتعاشٍ في بلده من خلال رجال ونساء مكرّسين من كلِّ الأجيال ممَّن يُحبّون يسوع؛ ممّن تدرّبوا جيّدًا؛ ولديهم رؤيا للتّبشير، بناء الجسور واتّساع الملكوت”، حسبما يقول القس عجاج.
اقرأ: النّاصرة تعج بالقمامة هنا
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!