السابق تجميد القرار المختص بقضية السرياني ضد بطريركية اللاتين لغاية 13 اذار القادم
رابط المقال: https://milhilard.org/bksu
تاريخ النشر: فبراير 1, 2023 12:41 م
د. عماد شحادة
رابط المقال: https://milhilard.org/bksu
بقلم: الدكتور عماد شحادة
أستاذ اللاهوت النظامي، ومؤسس ورئيس مؤسسة الدراسات اللاهوتية الأردنية
خاص ل ملح الارض
إن موقفنا الانجيلي المحافظ والرافض لرسامة المرأة قِسًا ليس إذلالًا للمرأة ولا دعمًا لتسلُطً الرجل، بل حمايةً من الازدراء بالثالوث حيث هناك تساوي في المقام ولكن ترتيب في الأدوار يضمن صفة التواضع التي قادت إلى التجسُّد والفداء.
ليس إذلالًا للمرأة. مع أنَّ الكتاب المقدس يوصي المرأة بالخضوع للرجل (أف ٥: ٢٢-٢٤، ٣٣؛ ١بط ٣: ١-٢)، إلا أنَّه أيضًا يعطيها اللقب ’’مُعين‘‘ للرجل (تك ٢: ١٨). هذا يعني أنّ لها قدرات خاصة غير موجودة عند الرجل. فيَصِف الكتاب المقدس دور خضوعها بحيازتها على قوة نابعة من جمال داخليّ يحقِّق النجاح الأعظم للزوج، دون أنْ تأخذ مكانه.
ليس دعمًا لتسلُطًا للرجل. مع أنَّ الكتاب المقدس يعلن أنّ الرجل رأس المرأة (١كو ١١: ٣؛ أف ٥: ٣٣)، إلا أنَّه يعطي معنى أعمق لكلمة ’’رأس‘‘ مبنية على قِيَم داخلية ثابتة يستند عليها. فمعنى كلمة ’’رأس‘‘ ليس ’’الترأُس،‘‘ بل هي إشارة إلى مَن يكون في المقدمة ويشق الطريق ويتلقَّى الضربات في دوره كمسؤول لحماية الزوجة والزواج من أي مكروه. ويقدَّم العهد الجديد مفاجئة بدمج لقب الرأس مع عمق المحبة الحميمة. فيتشبَّه الزوج بالمسيح بأنْ يكون هدفه أنْ تتألَّق بجمالها ومواهبها وقدراتها. فيخدمها، ويغسلها، ويُلبسها، ويزيِّنها، ويُجمِّلها، ويكون مستعد أن يقوم بذلك إلى درجة أن يموت لأجلها (أف ٥: ٢٥-٢٨). وهذا قد يتنافى مع عادات المجتمع اليوم.
المخاطر في رسامة المرأة قسًا. بينما يحافظ الكتاب المقدس على التساوي في المقام بين الرجل والمرأة، هو ينبِّه على اختلاف دور الرجل عن المرأة بحيث تشكِّل الأسباب لثلاث مخاطر رئيسية لرسامة المرأة قسًا.
أولًا، إنَّ رسامة المرأة قِسًا تتعارض مع جوهر الثالوث. يقول الرسول بولس، ’’أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ ٱلْمَسِيحُ. وَأَمَّا رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ فَهُوَ ٱلرَّجُلُ. وَرَأْسُ ٱلْمَسِيحِ هُوَ ٱللّٰهُ‘‘ (١كو ١١: ٣). فمع أنّ الآب والابن والروح القدس متساوون في المقام، إلا أنَّ هناك ترتيب. فالابن يبقى ابنًا والآب يبقى آبًا، وإلا يصير هناك مودالية (أو مظهرية، سابيليوسية). وإن تم السماح للمرأة بالقيام بكل ما يقوم به الرجل والعكس بالعكس، تكون رسالة خطيرة عن منشأ الفوضى في الثالوث، فلا يخضع الابن للآب، ولا الروح للآب والابن. وتنتقل الفوضى إلى كل مرافئ الحياة. فلا يخضع الأولاد للأهل، ولا الطلبة للأستاذ، ولا الجنود للقائد، إلخ…
ثانيًا، إنَّ رسامة المرأة قِسًا تتعارض مع تشديد الكتاب المقدس على صفة التواضع الكامنة في جوهر الطبيعة الإلهية. وهذه الصفة هي الأساس للتجسُّد والفداء. فلولا الخضوع القائم سرمديًا في الثالوث لما كان هناك تواضعًا. ولولا هذا التواضع، لما تجسَّد الله في المسيح، ولما كان هناك صليب لفداء البشرية. لذلك يصف الكتاب المقدس ذراع الله، أي قوته، بشكل يتحدى الفكر البشريّ اليوم. فيقول عن المسيح المتواضع، ’’مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ ٱللّٰهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا‘‘ (إش ٥٣: ٣-٥). فلو لم يحتمل المسيح هذا الإذلال الهائل، لما كان عندنا خلاص، ولكنا ما زلنا في خطايانا. فعندما تلتزم المرأة بدورها، هي تتمثُّل بيسوع الابن الخاضع باستمرار وبكل سرور لأبيه. ولذلك يسمي الكتاب المقدس خضوع المرأة على أنَّه ’’زِينَةَ ٱلرُّوحِ ٱلْوَدِيعِ ٱلْهَادِئِ، ٱلَّذِي هُوَ قُدَّامَ ٱللّٰهِ كَثِيرُ ٱلثَّمَنِ‘‘ (١بط ٣: ٤). إنَّ في الخضوع قوة هائلة تغيَّر كلّ الحياة وتجمَّلها. بينما رسامة المرأة قسًا بالنهاية تسلب كلّ الحياة من الجمال والمعنى.
ثالثًا، إنَّ رسامة المرأة قِسًا عدم طاعة لوصية الكتاب المقدس الواضحة لحفظ دور القس أو الشيخ أو الراعي للرجل. فيمنع بولس بوضوح قيام المرأة بدور الرجل. فيقول، ’’لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تـُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى ٱلرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغـْوَ [أو لم ’ينخدع‘ أو ’يَنغشّ‘] لَكِنَّ ٱلْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي ٱلتَّعَدِّي [أو ’مخدوعةً، صارت في حالة العصيان‘]‘‘ (١تيم ٢: ١١-١٤). والأسباب التي يعطيها بولس غير مرتبطة بالعادات الاجتماعية، بل بأسباب تنطبق على كلّ العصور، وهي كون آدم خلُق أولًا، وكون المرأة انخدعت أولًا. ولكن يضيف بولس أنّ للمرأة دور شريف جدًا ليس أبدًا للرجل، وهو في دورها كأم، خاصة إن كانت قدمت لهم التربية الروحية السليمة (١تيم ٢: ١٥).
الخاتمة. بالحفاظ على جمال تعامل المرأة مع الرجل، وتعامل الرجل مع المرأة بتساوي في المقام وتميُّز في الأدوار، يكون ذلك تعبيرًا عن جمال الحياة النابع من جمال الطبيعة الإلهية المُعلن عنها بعقيدة الثالوث، الذي هو ليس مشكلة بحاجة إلى حل، بل جمال بحاجة إلا اكتشاف.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.