السابق محكمة الاستئناف الأردنية تنتصر لأحقية الكنائس الإنجيلية في إصدار شهادات زواج – من نشرة ملح الأرض رقم 81
رابط المقال: https://milhilard.org/3vn7
عدد القراءات: 448
تاريخ النشر: يونيو 16, 2023 2:28 م
رابط المقال: https://milhilard.org/3vn7
مروان المعشر
عن القدس العربي 14 حزيران 2023
بعد التعديلات الدستورية التي جرت في الأردن في العقد الماضي، بادرت الطوائف المسيحية في البلاد لدراسة جميع تشريعات الأحوال الشخصية الخاصة بالمسيحيين، وبرزت فكرة إعداد مسودة قانون موحد للإرث للمسيحيين والمسيحيات، بما يتوافق مع النص الدستوري الجديد (الفقرة 2 من المادة 109) التي تعطي مجالس الطوائف الدينية صلاحية تطبيق الأصول والمحاكم المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين.
من الجدير بالذكر أن مجالس الطوائف المسيحية في الأردن هي من تنظم شؤون الأحوال الشخصية للمسيحيين في الأمور الدينية كافة المتعلقة بهم عدا موضوع الميراث، حيث تطبق في الأردن قوانين الشريعة الإسلامية على المسيحيين أيضا.
ومن المهم أن ندرك أن هذا وضع طارئ، فالإسلام منذ قدومه لم يتدخل في الشؤون الداخلية للمسيحيين، بل ترك لهم حرية إدارتها بنفسهم، وبقيت مواضيع الإرث والوصايا تخضع للقانون البيزنطي المسيحي، الذي ساوى بين الذكر والأنثى في موضوع الميراث.
ولم تحاول الدولة الإسلامية تطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين إطلاقا، بل إنه بعد الفتح العثماني للقسطنطينية، سلم السلطان محمد الثاني إلى البطريرك المسكوني في القسطنطينية وإلى غيره من بطاركة الشرق براءات خولتهم مواصلة الحكم بين أبناء طائفتهم بمقتضى شريعتهم النافذة قبل الفتح الإسلامي.
في العصر الحديث، تضمنت دساتير أغلب الدول العربية مواد تطبق الشريعة الإسلامية في الميراث والوصايا على المسيحيين، لأسباب سياسية واجتماعية لا علاقة لها بالشرع، الذي لم يشترط ذلك، وقد أعلنت الدولة الأردنية مرارا أن ليست هناك أية موانع شرعية أو قانونية لقانون ميراث للمسيحيين يعطي الأنثى حصة الذكر نفسها، إضافة لمواد أخرى تتعلق بحق كتابة الوصايا. بناء على ما تقدم، شكل مجلس الكنائس لجنة من كهنة ومختصين لإعداد مسودة قانون جديد، حيث انتهت من إعداد المسودة مؤخرا وفقا للأسس المحددة في الدستور الأردني والمبادئ المستقاة من الكتاب المقدس.
تكمن أهمية هذا الجهد في كونه خطوة إيجابية حول إعطاء المرأة المسيحية حقوقا متساوية، بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وبالتوافق مع الدولة الأردنية، لكن المشكلة تكمن في إقرار هذا القانون من قبل مجلس الأمة الأردني، الذي يحتوي العديد ممن يعارضون القانون تحت ذرائع لا تصمد أمام الحقائق، وهي ذرائع اجتماعية وسياسية بامتياز، لا علاقة لها بالدين من قريب أو من بعيد.
علينا الاعتراف بأن هناك فئات اجتماعية من الأديان كافة عملت تاريخيا على إخراج الإناث ورفض توريثهم بالكامل حتى بمقدار حصتهم الشرعية من الإرث، وعلى الرغم من تقلص هذه الممارسة، إلا أنها لا تزال حاضرة في المجتمع الأردني وتحتاج لمشروع توعوي لأن هذه الممارسات لا يقرها الشرع إطلاقا. كما أن هناك فئة ثانية ترى وجوب تعظيم حصة الذكر عن الأنثى، ليس من باب الدين، ولكن من باب التعصب الذكوري الذي يتذرع بأن الذكر يتحمل العبء المالي الأكبر في الأسرة ولذا يجب تعظيم حصته، أو محاولة إبقاء الملكية بين الذكور من أسرة المتوفى ورفض دخول الأنسباء من عائلات «أخرى».
أما فيما يتعلق برفض بعض الأشخاص المسيحيين تساوي الإناث مع الذكور في الميراث، فإن الحجة الرئيسية المعلنة لهم هي «عدم المساس بالنسيج الاجتماعي الأردني» والتفريق بين المسيحيين والمسلمين، هذا التبرير غريب لأن القوانين التي تحكم الأحوال الشخصية للمسيحيين مختلفة حاليا عن تلك التي تحكم المواطنين المسلمين. فلماذا هذا الادعاء حين يتعلق الموضوع بالميراث فقط؟
ولو صح هذا الادعاء، فلماذا لا يطالب هؤلاء بتطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين في أمور الأحوال الشخصية كافة بحجة عدم المساس بالنسيج الاجتماعي؟ واقع الحال يقول إن النسيج الاجتماعي الأردني أثبت صلابته منذ قدوم الإسلام، وعاش المسلمون والمسيحيون في هذا البلد بأمان عبر العصور، حتى في الأزمان التي كانت فيها قوانين ميراث خاصة بالمسيحيين، وهو نسيج لن يتأثر بقانون الميراث المسيحي الذي لا يعترض عليه الشرع الإسلامي في أي شكل من الأشكال.
أخشى، بل أزعم أن المعارضة لهذا القانون ليس لها علاقة بالدين، ولا بالخوف من النسيج الاجتماعي، ولكن بعقلية ذكورية سادت مجتمعاتنا لفترة، وهي عقلية بحاجة لتشريعات تواجهها وتحد منها، فتمكين المرأة ليس ترفا، ولم يكن يوما، بل ضرورة لتقدم المجتمع من النواحي كافة، الاقتصادية منها كما الإنسانية، وفي حين أدرك أن هذا المقال سيجلب لكاتبه متاعب عدة، فإنني اعتقد جازما بضرورة وقفة مجتمعية لإقرار القانون، لأن الموضوع لا يتعلق بالدين قدر تعلقه بتقدم المجتمع والنظر إلى المرأة نظرة مساواة لا فوقية فيها.
كاتب أردني ونائب رئيس وزراء أردني اسبق
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.