
السابق مجموعة من الرهبان والراهبات يوزّعون المياه والتمر على الصائمين المتأخرين عن بيوتهم في القدس
أجرى اللّقاء داود كُتّاب
فنَّد النّائب البطريركيّ لبطريركيّة اللّاتين في القدس المطران وليم الشوملي في شرح علميّ ولاهوتيّ الموقف المسيحيّ من تبرير البعض بأحقيّة اليهود في فلسطين، بقوله أنَّ الكتاب المُقدَّس ليسَ سجل طابو يوزِّع الأراضي لشعب دون آخر. “أفضل جواب على الصّهيونيّة المسيحيّة هو التكلُّم عن العدالة. “فالكتاب المُقدَّس لا يرضى بالظُّلم والطّغيان، بل يقف مع المظلومين والمقهورين والمساكين، وليس مع الظّالمين ولا يرضى بتفوّق شعب على شعب آخر ولا بالقهر”.
أقوال المُطران ابن بيت ساحور الفلسطينيّة جاءت بعد أنْ قدَّم كلمة نالَتِ اهتمام الوفود المشارِكة خلال مأدبة إفطار أقامها الملك عبد الله الثّاني في قصر الحسينيّة في عمّان الثلاثاء 12 آذار، وبحضور الرّئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس وشخصيّات دينيّة وشعبيّة من القدس. هذا وقد أوضح المُطران اللّاتينيّ أنَّه تمَّ توفير طعامًا صياميًّا للمشاركين المسيحيّين “ممّا يدلُّ على احترامه لمشاعرنا الدّينيّة. كان الكلُّ صائمًا، ولكن على طريقته”.
فيما يلي النصّ الكامل للمُقابلة الحصريّة مع المُطران شوملي:
ملح الأرض: تحدَّثتَ في موضوع المنحى الأيديولوجيّ والدّينيّ عن تبنّي بعض المسيحيّين الصّهاينة تبرير الاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة؟ كيف ترى هذا التدخُّل الدّينيّ والّذي أوضحْتَ أنَّه بمثابة طابو أراضي شعب لشعب آخر. وما هو المطلوب للتحدّي لذلك التّبرير الّذي يشوِّه الدّيانة المسيحيّة؟
المطران وليم الشوملي: إنَّ دعوة جلالته إلى طعام الإفطار على مائدته للقادة الدّينيّين المسلمين والمسيحيّين في القدس هي دعوة للاستمراريّة في التّآخي والعيش المُشترك. الأخوة والأصدقاء هم الّذين يجلسون على مائدة واحدة ويشتركون في الطّعام. وإنَّ تقديمه طعامًا صياميًّا للمسيحيّين يدلُّ على احترامه لمشاعرنا الدّينيّة. كان الكلُّ صائمًا، ولكن على طريقته.
لقد نشأت المسيحيّة الصّهيونيّة في إنجلترا في القرن السّابع عشر وارتبطَتْ بالسّياسة وتصوّرت قيام دولة يهوديّة برجوع اليهود الأوروبيّين إلى فلسطين كما لو كانوا سيرجعون إلى بيوتهم بعد ألفي سنة من التاريخ وبناءً على وعد إلهيّ، وهذا تفسير خاطئ للكتاب المُقدَّس. ومع الهجرة إلى الولايات المتّحدة أخذَتِ الحركة أبعادًا سياسيًّة ودوليّةً أوسع حيث دعمَتِ اليهود في إسرائيل وما زالت حتّى اليوم. نحن نقول بأنَّ الكتاب المُقدَّس ليسَ سجل طابو يوزِّع الأراضي لشعب دون آخر.
ونؤمن بأنَّ مواعيد الله في العهد القديم لإبراهيم ونسله تحققتْ بمجيء السيّد المسيح ولم تبقَ وعود أُخرى قائمة. أرض الميعاد الجديدة منذ مجيء السيّد المسيح هي ذات معنى روحيّ. هي ملكوت الله وليسَتْ أرضًا ماديّةً. وبهذا المعنى قال السيّد المسيح: طوبى للودعاء فإنَّهم يرثون الأرض. الأرض هي أرض الأحياء أيّ ملكوت السّماوات. واعترف الفاتيكان بإسرائيل نتيجة أمر واقع مثلما اعترفت مصر والأردن ودول أخرى، وليس لأسباب دينيّة. وكما تمَّ الاعتراف بإسرائيل في الأمم المتّحدة بناءً على قرار سياسيّ وليسَ دينيّ، فكذلك يجب الاعتراف بحقوق الشّعب الفلسطينيّ وتنفيذ قرارات الأمم المتّحدة.
أفضل جواب على الصّهيونيّة المسيحيّة هو التكلُّم عن العدالة. فالكتاب المُقدَّس لا يرضى بالظُّلم والطُّغيان، بل يقف مع المظلومين والمقهورين والمساكين وليسَ مع الظّالمين ولا يرضى بتفوُّق شعب على شعب آخر ولا بالقهر.
ملح الأرض: علَّقتَ على العلاقة المسيحيّة الإسلاميّة مع تزامن صيام شهر رمضان مع الصّيام المسيحيّ وكيف يمكن الاستمرار في تطوير هذه العلاقة؟
المطران الشوملي: إنَّ تزامن صوم المسلمين والمسيحيّين يضعنا في مرتبة واحدة أمام الله. الصّوم هو تذكيرٌ لنا بأنَّنا خطاة بحاجة إلى التوبة والتجدُّد وإصلاح الذّات. وكُلّما اقترب المؤمن من ربِّه بالصّوم والصّلاة والصّدقة اقترب من أخيه الإنسان. فالله محبّة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد ورد في الإنجيل المُقدَّس: “كلُّ ما تريدون أن يفعله النّاس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم، لأنَّ هذا هو النّاموس والأنبياء.” (متّى ٧: ١٣)
يجب تعزيز العيش المُشترك بين المسيحيّين والمُسلمين، ولذا وجب تطوير مفهوم الأخوّة الإنسانيّة حيث يتساوى الجميع أمام الله في الحقوق والواجبات، ومنها احترام الآخر وتقبُّل الاختلافات الّتي بيننا وتعزيز القيم المُشتركة، مثل الصّوم والصّلاة، والصّدقة، والإحسان، والمغفرة. كلُّ ذلك ممكن إذا تمَّتِ التّربية على هذه المبادئ في البيت والمدرسة والجامعة.
ملح الأرض: كيف تُقييم رد فعل الجانب الأردنيّ والفلسطينيّ لكلماتكم وما هي رسالتكم مع اقتراب عيد الفصح المجيد للمكوِّن المسيحيّ في الأردن وفلسطين؟
المطران الشوملي: أقول للإخوة المسيحيّين في الأردن وفلسطين بأنَّه رغم الأيّام الصّعبة الّتي نمرُّ بها فلنحافظ على إيماننا بالله وبوعوده الصّادقة وليساعد المُقتدرين إخوتهم الضُّعفاء والمُحتاجين ريثما تمرُّ الأيّام الصّعبة.
وأقول لهم أيضًا: كونوا مواطنين صالحين وانهالوا من إيمانكم بالله وصلاتكم القوّة لخدمة مجتمعكم وأبناء وطنكم ولمحبّة بعضكم البعض بعيدًا عن التعصُّب الطّائفي والإنغلاق على الذّات.
وكان المطران الشوملي قدَّم رسالة قويّة في مأدبة الإفطار الّتي أقامها الملك عبد الله الثّاني في قصر الحسينيّة في عمّان الثّلاثاء 12 آذار وبحضور الرّئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس وشخصيّات دينيّة وشعبيّة من القدس عبَّر فيها عن رفض الصّهيونيّة المسيحيّة وادعاءاتها:
فيما يلي نص كلمة المطران وليم الشوملي في مأدبة الافطار
جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله
فخامة الرئيس محمود عباس حفظه الله
أتوجَّه بأفضل التمنّيات لجلالتكم وللأمّة الإسلاميّة بمناسبة الشّهر الفضيل حيث يتزامن صوم المسيحيّين مع صيام رمضان المُبارك ممّا يزيد لحمتنا وسعينا إلى الخير معًا.
شكرًا للدّعوة الكريمة للإفطار في قصركم العامر وهذه مناسبة لنؤكِّد بعض الثّوابت:
أولًا: كلّ التقدير لجلالتكم على حسن أدائكم للوصاية الهاشميّة على المُقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس.
ثانيًا: شكرًا لكلّ ما تقدّمونه للشّعب الفلسطينيّ من دعم سياسيّ ومعنويّ وماديّ، مثل الغذاء والدّواء والعلاج ولمساندتكم طلّاب مدارس فلسطين بمبادرة WISE-School التّعليميّة الإلكترونيّة ويستخدمها اليوم أكثر من مليون طالب فلسطينيّ، حوالي نصف مليون طالب منهم في غزّة المنكوبة. وسوف يذكر التّاريخ كلّ ذلك وسيضيفه الله إلى ميزان حسناتكم.
ثالثًا: في وقت كان فيه الصّراع في فلسطين ليس فقط سياسيًّا أو عسكريًّا إنّما ذا منحى إيديولوجيّ ودينيّ، فإنَّ الكنيسة الكاثوليكيّة لا تقبل تطويب أرض فلسطين باسم الشّعب اليهوديّ بناءً على التّوراة كما تدّعي الصّهيونيّة المسيحيّة في أمريكا. لم تكُن التّوراة أبدًا سجلًّا للطّابو تطوّب أرضًا لشعب على حساب غيره. بل نزلَتْ لنصرة الفقراء والمساكين والمظلومين وإقامة العدل والسّلام في الأرض. فشعب فلسطين لا يقبل بوطن بديل عن فلسطين، حتّى لو طوَّبوا له جنّات الغرب والشّرق.
وأخيرًا: الغاية لا تُبرّر الوسيلة. فلا يجوز تركيع وتجويع شعبٍ كوسيلةٍ لإجبارِهِ على الهجرة القسريّة. إنَّها جريمة ضدّ الإنسانيّة. فلكلّ إنسان حقٌّ في العيش بكرامة في وطن وفي دولة ذات سيادة.
صاحب الجلالة
في زمن الصّوم المُبارك نرفع أصواتنا إلى الله كي يحلّ العدل في أرضنا فيتعانق العدل والسّلام إلى الأبد.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!