Skip to content
Skip to content

المطران عطاالله حنا يُشيد بمبادرة كهنة إيطاليا: “كهنة ضد الإبادة” هي ضمير كنسي يواجه الفصل العنصري في فلسطين

تاريخ النشر: سبتمبر 19, 2025 5:23 م
عطالله حنا

خاص- ملح الأرض

شكر المطران عطاالله حنا رئيس أساقفة سبسطية مجموعة الكهنة الذين أطلقوا مبادرة شبكة “كهنة ضد الإبادة” في إيطاليا، والتي ضمّت أكثر من مئتي كاهن وأسقف من إيطاليا ومن أماكن أخرى في العالم، معتبرها ضمير جماعي يُعبّر عن موقف تاريخي يتحدث بكل شفافية عن «الفصل العنصري المستمر منذ أكثر من 70 عامًا في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة».

وفي بيان صادر عن الكهنة “فهم لا يحصرون مأساة الشعب الفلسطيني في وقائع راهنة، أو في عام 1967، بل يعيدونها إلى جذورها الممتدة منذ عام 1948، تاريخ قيام الكيان الصهيوني الاستيطاني. بهذا يقطع النص مع محاولات حصر المأساة في غزة، أو فقط في غزّة والضفّة، ويؤكد أن المأساة الفلسطينية هي نتاج بنية استعمارية ممتدة عبر عقود. وتتأكد هذه القراءة أكثر حين يطالب البيان بـ”تحقيقات مستقلة وعادلة في أحداث 7 أكتوبر 2023، وما جرى قبلها وبعدها”.

وقال المطران عطاالله حنا لـ ملح الأرض إن هذه المبادرة أُطلقت من وحي مبادرة كايروس باليستاين Kairos Palestine ، “وقفة حق” في فلسطين والموجودة منذ أكثر من 15 سنة. والتي انا والبطرك ميشيل صباح وعدد من رجال الدين المسيحي الفلسطينيين أعضاء فيها، يعني مبادرة الكهنة انطلقت من وحي كايروس بالتسين”.

وأكد المطران أن الكهنة الذين أطلقوا مبادرة “كهنة ضد الإبادة” في إيطاليا، بعض منهم له علاقة بالآباء ممن هم أعضاء بـ كايروس باليستاين، ويضيف “يعني إحنا في إلنا تواصل دائم معهم، وكثّفنا أيضاً من تواصلنا مع الكنائس العالمية بعد ما بدأت الحرب، وفي تواصل شبه يومي، أو حتى يومي مع كل الكنائس المسيحية”.

وتأمل المطران عطاالله أن تتطور مبادة كهنة إيطاليا وأن يكون فيها مشاركين من كل أوروبا، ومن أمريكا، وان يحدث تعاون بينهم وبين الكنائس وكايروس باليستاين، اللي هي حقيقةً مبادرة رائعة جداً ومهمة جداً.

وشرح المطران ابرز أنشطة كايروس بالستين منذ 16 سنة، ومع بدء الحرب على غزة حيث زاد نشاط هذه المبادرة: ” أصدرنا بيانات، مقالات، دراسات، تواصلنا مع كل الكنائس في العالم، تواصل مع- خاصةً في أمريكا. غدرت المبادرة تُأثر على الرأي العام المسيحي في العالم، من اللامبالاة أو الصمت أو الاكتفاء فقط في الدعاء، إلى مواقف أكثر وضوحاً وجرأة”.

وختم حديثه قائلا لـ ملح الأرض: نُخاطب كل الكنائس المسيحية في العالم، الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية، ورسالتنا واصلة لكل مكان. نعمل الان في كايروس باليستاين على اصدار وثيقة “وقفة حق” ثانية. الأولى كانت قبل 16 عاما، واليوم نحن نعمل على وثيقة جديدة، تقريباً انتهينا من وضع الخطوط العريضة. وبالمؤتمر الدولي سيُعقد في شهر 11، سيكون إطلاق هذه الوثيقة بسبب حدوث تطورات وأحداث كثيرة صارت، سواء في فلسطين أو في المحيط العربي. فكان فيه ضرورة إنه يكون في وثيقة جديدة استكمالاً للوثيقة الأولى اللي انتشرت تقريباً بأكثر من 30 لغة في العالم.

خريستو المر – “كهنة ضد الإبادة الجماعية”: حين يتكلّم الضمير الكنسي

وكان خريستو المر وهو كاتب وأستاذ جامعي في لبنان قد كتب مقالا بعنوان “كهنة ضد الإبادة الجماعية”: حين يتكلّم الضمير الكنسي ونشرها في الأخبار اللبنانية في 16 أيلول 2025 جاء فيها:

في روما، المدينة التي دائماً ما حملت رمزية دينية وحضارية عابرة للحدود، وُلدت مبادرة غير مسبوقة تحت عنوان شبكة “كهنة ضد الإبادة الجماعية”، مبادرة كنّا نتمنّى لو ولدت في بلادنا التي تحنّطت قياداتها الكنسيّة لدرجة باتت لغتها الكنسيّة لغة صمت مخز أو كلمات ميتة أو لغة خيانة إنجيليّة (ماذا يمكن أن يُقال عن مطالبة دينيّة بالحياد بين ظالم ومظلوم؟).

هذه المبادرة لم تصدر عن فرد أو تيار محدود، بل عن أكثر من مئتي كاهن وأسقف من إيطاليا ومن أماكن أخرى في العالم، الأمر الذي يمنحها طابعًا جماعيًا نادرًا ومصداقية متينة. فحين يتكلّم صوت فرد قد يُختزل في اجتهاد شخصي، ولكن حين تتكلّم مجموعة رجال دين بهذا الحجم فإنها تتحوّل إلى ضمير جماعي يعبّر عن موقف تاريخي. ولعلّ هذا البعد بالذات يفتح الباب أمام أمنية أوسع: أن يحذو رجال دين مسلمون حذوهم في مبادرات جماعية مماثلة، فيجتمع صوت الروح الإسلامية والمسيحية معًا ليؤكّد مركزية فلسطين في الضمير الإنساني والروحي العالمي. من المؤسف أن نرى أنّ موقف معظم القيادات الإسلاميّة في بلادنا يتماهى تمامًا مع السلطة السياسيّة.

أهمية البيان تكمن أولًا في وضوحه التاريخي. فعندما يتحدّث أصحاب المبادرة عن «الفصل العنصري المستمر منذ أكثر من 70 عامًا في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة»، فهم لا يحصرون مأساة الشعب الفلسطيني في وقائع راهنة، أو في عام 1967، بل يعيدونها إلى جذورها الممتدة منذ عام 1948، تاريخ قيام الكيان الصهيوني الاستيطاني. بهذا يقطع النص مع محاولات حصر المأساة في غزة، أو فقط في غزّة والضفّة، ويؤكد أن المأساة الفلسطينية هي نتاج بنية استعمارية ممتدة عبر عقود. وتتأكد هذه القراءة أكثر حين يطالب البيان بـ”تحقيقات مستقلة وعادلة في أحداث 7 أكتوبر 2023، وما جرى قبلها وبعدها”.

فإدراج عبارة «ما قبلها» يضع حدث 7 أكتوبر في إطارها التاريخي الواقعي: عقود من القمع والاضطهاد والاقتلاع عاشها الفلسطينيون منذ النكبة حتى اليوم. هذه الجرأة في الربط بين الراهن والتاريخ تعكس نضجًا فكريًا وروحيًا قلّ ما نجده في بيانات رسمية دينية أو سياسيّة.

إيجابية أخرى بارزة هي المطالبة لأول مرة بـ«نزع سلاح إسرائيل». قد يبدو هذا المطلب صادمًا في السياق الأوروبي الغربي، ولكنه وُضع في إطار إنساني مباشر: «تجنّب المزيد من قتل الأبرياء». وهو ما يكشف أن الكهنة قد أدركوا الطبيعة الاستعمارية البنيوية لإسرائيل، القائمة على التوسّع والنهب المسلّح.

هنا تتجلّى شجاعة الموقف: الاعتراف بأن الاحتلال ليس حادثًا طارئًا، بل منظومة عنف ممنهجة لا يمكن أن تُقابل سوى بالمطالبة بتفكيك أدواتها. هذا موقف يتجاوز مجرّد إدانة جزئية لسياسات إسرائيل، ليقترب من تشخيص جوهر بنيتها.
ويضاف إلى ذلك إعلان أصحاب المبادرة الاستعداد للتعاون مع مبادرات مسيحية ودينية أخرى تعمل من أجل السلام والعدالة. هنا يتخطّى البيان حدود الكنيسة الكاثوليكية ليشير إلى رغبة في تأسيس حراك جماعي واسع، عابر للطوائف والديانات. إنها دعوة لولادة حركة عالمية للضمير الروحي، تعيد الاعتبار إلى الإنسان وإلى حقوقه، وترفض احتكار الدين لمصلحة سلطات سياسية ظالمة.

ومن أهم النقاط كذلك ربط السلام بالعدالة. فالنص لا يروّج لسلام هشّ أو فارغ من مضمونه، بل يؤكد أن السلام الحقيقي لا يقوم إلا على العدالة. هذه الفكرة متجذرة في الفكر المسيحي المستنير، وقد تبنّتها مرارًا مبادرة «وقفة حقّ» الفلسطينية التي شددت على أن أي حديث عن مصالحة أو «سلام» من دون اعتراف بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني يبقى وهمًا أو غطاءً للاستمرار في الظلم.

ورفض أصحاب المبادرة بوضوح وثقة أي اتهام بمعاداة السامية، وأكّدوا التمييز الصارم بين نقد سياسات إسرائيل الاستعمارية وبين العداء للشعب اليهودي. فالموقّعون أكدوا أنّ من حق كل إنسان وكل جماعة أن ينتقد أي سلطة سياسية، وأنّ الدفاع عن هذا الحق هو دفاع عن حرّية الضمير الإنساني. في مواجهة سلاح اتهامات يُستخدم لتكميم الأصوات، كان هذا الموقف بمثابة إعلان استقلال المبادرة المسيحيّة هذه عن الضغوط السياسية والإعلامية.

لكن، مع هذه الإيجابيات، يظلّ البيان محاطًا بحدود وسلبيات لا يمكن تجاهلها. فهو يظلّ أسير خطاب روحي وجداني أكثر منه خطابًا سياسيًا عمليًا. الاقتباسات الإنجيلية منحت النص بُعدًا أخلاقيًا، ولكنها لم تحدّد آليات ضغط واقعية، ولم تجب عن سؤال: كيف سيتحوّل النداء الأخلاقي إلى قوّة فعل ملموسة؟ كما إنّ المبادرة ظلّت محصورة في الإطار الكنسي أو الدينيّ، دون أن تمدّ الجسور بشكل صريح نحو المجتمع المدني العالمي أو الحركات المناهضة للاستعمار، وهو ما يضيّق أفقها. نذكر ذلك دون أن نعلّق عليه أهمّية كون المجموعة قيد التشكيل وكونها أيضًا تريد أن تبقى ضمن إطار هويّتها كحركة دينيّة تاركة التفاصيل العمليّة لِمَن يتحرّك ضمن هوية نقابية أو سياسية؛ كما إنّها قد تكتشف أنّه في النهاية من الضروري التشبيك مع المجتمع الأوسع. مواطن القصور الأخرى أهم، وإليها نتّجه.

رغم وضوح الإشارة إلى إسرائيل كدولة استعمارية وعنصرية، إلا أنّ البيان لَم يتطرّق بوضوح إلى مسؤولية الدول الكبرى (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وغيرها) في تمويل الاحتلال وحمايته سياسيًا. هذا السكوت قد يُضعف من شمولية الموقف، لأنّ الاستعمار لا يقوم بذاته فقط، بل عبر شبكات دعم عالمية.

أمّا على مستوى الوسائل، فالبيان اكتفى بالتصريحات العامّة والرسائل البرلمانية، دون أن يطرح خططًا ملموسة للتحرّك القانوني أو يشجّع المؤمنات والمؤمنين على الالتزام بالمقاطعة الاقتصادية، رغم أنّ هذه وسائل منسجمة بوضوح مع الإنجيل ودائماً ما دعا إليها الفلسطينيون والصوت الفلسطيني المسيحي في مبادرة “وقفة حقّ”.

وهنا يبدو القصور الأكثر فداحة، لقد غاب صوت الفلسطينيين المباشر عن المبادرة، فلم يتضمّن بيانُ المبادرة شهاداتٍ من فلسطين أو بيانات فلسطينية مسيحيّة، فبدا أنّ المبادرة كانت تتحدّث عنهم أكثر ممّا تتحدّث معهم، أي إنّ نفسًا استعماريًّا لامس المبادرة رغم كلّ إيجابيّاتها، وهذا يمكن العودة عنه في الخطوات التالية. وأخيرًا، ورغم الإشارات إلى الفصل العنصري والاضطهاد التاريخي، لم يسمّ البيان إسرائيل صراحة بالدولة الاستعمارية الاستيطانية، بل اكتفى بالتلميح. هذا الحذر يترك أثرًا من النقص في شجاعة الموقف.

رغم ذلك، يبقى البيان خطوة مضيئة ومبشّرة في زمن كثرت فيه الأصوات المكمّمة. قوّته في وضوحه التاريخي، في ربطه بين السلام والعدالة، في مطالبته بنزع سلاح إسرائيل، وفي شجاعته في الدفاع عن حرّية الضمير ضد تهمة معاداة السامية. ورغم ما شابه من قصور، في رأينا، فيبقى صرخة جماعية مسيحيّة تعبّر عن ضمير كنسيّ بدأ يستعيد وعيه، دائمًا خارج منطقتنا التي ما تزال الكنائس فيها، خارج فلسطين، جالسة على عرش الغياب عن شهادتها الإنجيليّة في الحقل العام.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment