
السابق مدارس البطريركيّة اللّاتينيّة في الأردن: تاريخٌ عريقٌ ورسالةٌ تربويّةٌ مُستمرّةٌ- تاريخٌ بدأ من السَّلط عام 1869
ملح الأرض– ليث حبش
أطلّ المطران خريستوفوروس في الحلقة الأولى من برنامج “بيت آمن”، الّذي تُقدّمه د. ديما كرادشة، ليطرح أفكارًا جديدةً حول تجاوز مُعضلة عدم المساواة في قانون الإرث الحالي. وقد طرح المطران بديلًا جديدًا خاصًا بالكنيسة الأرثوذكسيّة، مُسلِّطًا الضّوء على أبرز ملامحه وأهدافه، ومؤكِّدًا أنَّه يهدف بالدّرجة الأولى إلى حماية الأسرة المسيحيّة وضمان العدالة بين جميع أفرادها.
وقال المطران إنَّ الكنيسة بدأت بمراجعة قانون الإرث الّذي يعود إلى العهد البيزنطيّ، بهدف تحديثه بما يتماشى مع التطوّرات الاجتماعيّة والقانونيّة في الأردن، مع التّشديد على الحفاظ على مبدأ المُساواة بين الذُّكور والإناث وأوضح أنَّ التّعديلات شملَتْ ملفّات الحضانة والنّفقة وحقوق الزّوجة والأبناء، كما جرى إشراك خبراء قانونيّين من مُختلف الطّوائف المسيحيّة لضمان توافق القوانين بين الكنائس.
وبيَّنَ المُطران أنَّ مشروع القانون الجديد يمنح الخيار للأب أو الجدّ بتطبيق الشّريعة المسيحيّة أو الإسلاميّة في تقسيم الإرث، وذلك لضمان توافق جميع الأطراف، مؤكّدًا أنَّ الهدف هو منع النّزاعات العائليّة الّتي قد تُفضي إلى التّفكُّك الأسريّ كما دعا الأسر المسيحيّة إلى التوجُّه إلى مؤسَّسة “بيت العائلة المسيحيّة” للحصول على الإرشاد القانونيّ والدّعم الأُسريّ اللّازم، بما يُوازن بين البعد القانونيّ والمبادئ الإنجيليّة.
وأشار المُطران إلى أنَّ المشروع، بعد أنْ يحظى بتوافق الكنائس، سيُرفع إلى الجهات الرّسميّة تمهيدًا لتطبيقه في المحاكم الكنسيّة، مُشدِّدًا على أنَّ هذه الخطوة لا تمسُّ بحقوق المواطنة، بل تُعزِّزها ضمن إطار الدُّستور الأردنيّ.
آراء متباينة
وقد تباينت آراء الشّخصيّات المسيحيّة حيال المشروع المقترح من المطران خريستوفوروس. فقد قال العين رجائي المعشر لـ”ملح الأرض” إنّه من المؤيّدين لتطبيق القانون المدنيّ الأردنيّ على المسيحيّين في قضايا الأحوال الشّخصيّة، إلّا إذا تعارض ذلك مع نصوص الإنجيل المُقدّس. وأوضح أنَّ هُناك ثلاث حالاتٍ فقط يجب أنْ تُعالج بقوانين كنسيّةٍ خاصّةٍ، وهي: الزّواج، الطّلاق، والوصيّة لوارثٍ، مُعتبرًا أنَّ أيّ اجتهادات أخرى قد تُدخِل المُجتمع في “مشاكل اجتماعيّةٍ لا داعي لها”، على حدِّ وصفه.
أمّا النّاشطة الاجتماعيّة لينا نقل، فأكَّدَتْ في حديثها لـ”ملح الأرض” أنَّها تميل إلى وجود قانونٍ موحّدٍ يُطبِّق على الجميع دون استثناء، لكنَّها في الوقت ذاته عبّرَتْ عن تقديرها لجهود المطران خريستوفوروس وقالت: “المُطران رجلٌ حكيمٌ يعملُ في ظروفٍ صعبةٍ، وما يقترحه قد لا يكون ما نطمح إليه، لكنَّه رُبّما أفضل الممكن، والسّؤال الدّائم هُنا: ما هو البديل؟”.
وأشارَت نقل إلى أنَّ المُطران يواجه ضغوطًا من بعض المسيحيّين في الأردن، وهو ما دفعه إلى طرح فكرة منح العائلة حرّيّة الاختيار بين القانونين لكنّها أعربَتْ عن مخاوفها من أنَّ يؤدّي هذا الطّرح إلى مشاكل بين الأقارب، إذْ قد تحصل إحدى الأخوات على نصيبٍ متساوٍ من الميراث بسبب موافقة زوجها، فيما تُحرم أختها من هذا الحقِّ نتيجة قرارٍ مُختلفٍ في أسرتها، وأضافت: “لا نعرف بعد إن كان هذا الخيار سيقتصر على المحاكم الأرثوذكسيّة فقط، أم سيُطبَّق أيضًا في محاكم الكاثوليك واللّاتين والبروتستانت”.
رفض مبدأ الخيار
من جانبه، عبّر المهندس نضال قاقيش عضو المجلس الأرثوذكسيّ في حديثه لـ”ملح الأرض” عن رفضه لفكرة منح العائلة خيارًا بين المُساواة أو الخضوع للقانون الجديد وقال: “المسيحيّة هي خصوصيّةٌ وتشريعٌ إلهيٌّ يقوم على مبدأ العدل لذلك لا أقتنع بترك الخيار لشخصٍ أو لظروفٍ طارئةٍ قد تحرم الأبناء والبنات من حقوقهم، العدل هو الأساس، ويجب أنْ تسير الأمور بشكلٍ واضحٍ ومُنضبطٍ ليس منطقيًّا أنْ نترك الأمر وكأنَّه خيارٌ بين بيتٍ وآخر، فهذا يفتح الباب لمشاكل لا تنتهي”.
خطواتٌ مُقبلةٌ
وبينما يستمرُّ النّقاش داخل المُجتمع المسيحيّ الأردنيّ حول مشروع القانون، تتباين المواقف بين من يعتبره خطوةً إصلاحيّةً ضروريّةً لضمان العدالة وحماية الأسرة، ومن يخشى أنْ يؤدّي إلى مزيدٍ من الانقسامات والمشاكل الاجتماعيّة في حال تطبيقه بصيغته الحاليّة.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!